سافرنا ذات مرة قبل عدة سنوات بطائرة خاصة من الخرطوم إلي المدينةالمنورة صباح يوم الجمعة من ضمن وفد كبير يضم دكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية وقتها وممثلون للأحزاب السودانية وقيادات الطرق الصوفية وبعض الصحفيين واجهزة الإعلام ، لتقديم واجب العزاء لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني في المفغور لها بإذن الله حرمه الشريفة مريم الميرغنية ، وذلك بدار الميرغني بالمدينة والتي تسمي ( دار العنبرية ) . وبعد تقديم واجب العزاء ، بدأ حديث في شكل خطابة من الاستاذ عبدالباسط سبدرات معزيا ثم داعيا الميرغني للعودة الي الوطن لحاجة البلاد له ولحكمته في لم الشمل والوفاق ، و أعقبه الاستاذ حاتم السر شاكرا الوفد علس الحضور للتعزية ، وبعدهما تحدث مولانا الميرغني عن المشاكل والخطط المرسومة ضد السودان ومحاولات تفتيه ، ولكنه ، أي الميرغني ، إلتفت فجأة تجاه الدكتور نافع علي نافع الذي كان يجلس علي يمينه في القاعة موجهاً حديث له بعتاب فيه نبرة الغضب قائلا له : لماذا تعمل أنت علي تفتيت الأحزاب ؟؟ ألا تري ان في ذلك تفتيتاً للحياة السياسية في السودان وترك البلاد تعيش في فوضي بلا تنظيمات سودانية فاعلة ؟؟ ثم مرت الأيام ( كالخيال أحلام ) وعاد السيد الميرغني إلي الخرطوم في بداية نوفمبر 2008م مرافقا لجثمان شقيقه الراحل السيد احمد الميرغني رئيس مجلس رأس الدولة حتي قيام حركة 30 يونيو 1989م . إذن من حديث الميرغني للدكتور نافع وبرنة الغضب تلك فإنه كان يري أن هذا السودان المتعدد الثقافات والأعراق وحتي المعتقدات والتقاليد لن تكون هناك حلولا لمشاكله المتفاقمة كل يوم إلا بوجود منظومات سياسية ديمقراطية قوية وفاعلة تجمع الناس في بوتقتها بديلا عن الحروب الجهوية والنزعات العنصرية التي ظلت تطل من وقت لآخر . وحين ظل العديد من الأشقاء الإتحاديين داخل الوطن وخارجه يلاحقوننا بالأسئلة عن طريق وسائط التواصل المختلفة وحتي بالهاتف مشفقين مما يجري داخل الحزب ، متسائلين عن رأينا ودورنا ككوادر إتحادية ناشطة يهمها أمر الوطن أولاً مستفسرين عما يجري داخل حزب الحركة الوطنية وهو الإتحادي الأصل الذي ظلت التشققات تضربه بعنف منذ إشتراك الحزب الرمزي في السلطة في بداية 2012م ، خاصة وهم يرون كل يوم ان نجل السيد الميرغني وهو السيد محمد الحسن يأتي إلي البلاد فجأة ويتجاوز كل الإرث التنظيمي الموجود بالحزب ليعمل علي إتخاذ العديد من القرارات ، ومن أخطرها إصدار فرمانات بفصل كافة القيادات في المركز والولايات والتي كان والده السيد محمد عثمان الميرغني يعمل علي محاورتها والحفاظ عليها داخل جسد الحزب حتي تسليم الراية بإنسيابية تامة وبكل هدوء لكوادر شبابية ناشطة ظلت تظهر علي السطح من وقت لآخر ، لأن في ذلك ضمانا لإستقرار الوطن كله في مقبل الأيام بما يعرف بتوارث الخبرات . وفي تقديري الشخصي أن في الأمر حبكة مبهمة تتجاوز حال الحزب إلي حال مستقبل الوطن كله . ذلك ان الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل يظل دوما هو صمام الأمان للسودان فور عودة الحكم الديمقراطي من خلال التجارب الثلاثة السابقة وهي تجربة ما بعد الإستقلال ثم ما بعد حكم الرئيس عبود ، وبعد حكم الرئيس جعفر نميري ، ثم مستقبلا بعد إعتزال الرئيس البشير للحكم ، طال الزمان أم قصر ، لأن الديمقراطية علمتنا دائما أنها عائدة وراسخة بسبب عشق شعبنا لها ، حتي أن البشير نفسه لابد أن يكون عاشقا لها لأنها لا تسبب الأذي لأي إنسان . فهي علي الأقل تحجب الآخرين عن حمل السلاح ضد الدولة طالما كانت الحياة الحزبية تمنحهم حق التغبير من خلالها . فالسيد الحسن الميرغني هنا قد وضع جماهير حزبه بل جماهير الاحزاب الأخري في موضوع تساؤل لماذ بدر من سيادته ، وعن ماهية مشروعية القرارات التي إتخذها وقام بتكليف بعض الصبية بتنفيذها ، ومن أين إستمد السلطة الحزبية في ذلك ؟ وهل ما يمر به السيد رئيس الحزب من ظروف صحية تعطيه الصلاحيات لإتخاذ مثل هذه القرارات المستفزة من أجل خاطر أمر طاريء وهو خوض الإنتخابات القادمة ؟ إن مثل هذه التصرفات تحدث إحتقانا تجعل كوادر الحزب في المركز والسودان يقررون من القرارات المستندة إلي الجماهير الإتحادية ما يجعله ومن معه من الصبية بعيدين عن كيان حزب الحركة الوطنية مستقبلاً ، ذلك أن الفرحة الطارئة لن تدوم طويلا . وسوف يأتي زمان يستعيد فيه الحزب عافيته ، وتزول الدهشة حتي من جماهير الطريقة الختمية التي باتت تعتبر أن كل الأمر لايمثل تطلعاتها وروحها المسالمة علي مر السنوات . لقد كنا نتوقع محاورة هذه القيادات الفاعلة وإحترام إرثها النضالي السلمي ، بل والعمل علي تكريمها في مهرجانات باذخة الجمال مثلما تفعل الدول الراشدة الراقية بدلا عما حدث من طريقة تجعلنا نخاف علي الوطن كله وليس علي مستقبل حزبنا فحسب . وهنا ، فإنني أشفق جدا علي مخرجات هذه القرارات العشوائية غير المسنودة بجماهير أو لوائح تنظيمية ، حيث أوضحت هذه الطريقة أن الحزب كله قد اصبح في أزمة يصعب إيجاد حلول لها في الوقت القريب . [email protected]