تحقيق : هويدا المكي : نشطت في الفترة الأخيرة مواقع وصفحات على الانترنت تتبنى خطوطاً وموضوعات اثارة واضحة تهم الكثير من المستخدمين، فالحديث عن ملفات الفساد او قضايا شخصية تهم بعض الاشخاص المعروفين في المجتمع او اثارة حملات ضد رموز سياسية بات باباً لجذب الزوار في كثير من المواقع التي اشتهرت بعدم مصداقيتها، وان لم يقلل ذلك من عدد زوارها، اضافة الى وجود صفحات لمستخدمين لا يحرصون على اجراءات السلامة مما جعلها صيداً سهلاً للمخترقين، واستخدمت في نشر معلومات مضللة وغير صحيحة او اثارة شائعات، كل ذلك وجد مناخاً خصباً على شبكة الانترنت في السودان التي مازالت القوانين فيها غير واضحة والتطور التقني سبق التشريعات القانونية بسنوات ضوئية، والتطور السريع في الاتصالات والانترنت يجعل من احدث القوانين صدوراً قديماً وغير مواكب بعد فترة وجيزة من اصدارها، فالنشاط للهكرز او مجرمي الانترنت اصبح قوياً وفاعلاً في انتحال اسماء وعناوين لاشخاص ثم الترويج بمعلومات مضللة تضر باصحاب الاسماء الحقيقية، وهنالك نماذج لمثل هذه القضايا، وكانت مواقع اسفيرية قد نقلت باسم مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي خبراً مفاده ان طائرة خاصة حملت وزيري الكهرباء والمالية واسرتيهما الى المملكة العربية السعودية لاداء العمرة، وان الطائرة الخاصة حطت بمطار المدينةالمنورة ثم مطار الملك عبد الله قبل ان تعود الى الخرطوم في نفس اليوم، وقال الكباشي انه لم يكتب في اي وسط اعلامي خبراً كهذا، وليس معنياً بمثل هذه الاخبار، وان ما حدث انتحال لاسمه ليس اكثر. وقد تكررت هذه الحادثة في اكثر من موقع وباسم اكثر من شخص، وفي مايو الماضي اعتقل الصحافي بجريدة «السوداني» خالد أحمد، من قبل السلطات، على خلفية نشر تقرير مفبرك باسمه على عدد من المواقع الإسفيرية. وكان السودان قد صادق في عام 2007م على قانون جرائم المعلوماتية الذي اسس لتجريم الافعال التي تستهدف نظم ووسائط وشبكات المعلومات «المادة 3 من القانون»، وهذا القانون يعتبر نسبياً من احدث القوانين العربية من حيث تاريخ صدوره، حيث سعى فيه المشرع الى استيعاب تجارب الآخرين حسبما ورد في المذكرة التفسيرية له، فأخذ بما جاء في القوانين النموذجية العربية وقوانين الدول الغربية، وخلافاً لقوانين الدول العربية التي سبقته فقد جرم طائفة واسعة من الافعال. وفي اطار هذا التجريم نص المشرع على أفعال معينة خصها بالذكر وحدد عقوباتها، تنحصر في دخول المواقع وأنظمة المعلومات المملوكة للغير، وجرم هذا القانون دخول المواقع وأنظمة المعلومات من موظف عام أو أي شخص آخر، وفي هذا جرَّم كل من يدخل موقعاً أو أي نظام معلومات دون أن يكون مصرحاً له بدخوله، ويقوم بناءً على هذا الدخول بالإطلاع عليه أو نسخه «وعاقب على ذلك الفعل بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.» أو يقوم بإلغاء بيانات أو معلومات ملكاً للغير أو حذفها أو تدميرها أو إفشائها أو إتلافها أو تغييرها أو إعادة نشرها أو تغيير تصاميم الموقع أو إلغائه أو شغل عنوانه، وعاقب القانون من يقوم بذلك الفعل بالسجن مدة لا تجاوز أربع سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً، كما جرم أيضاً في اطار هذه الجريمة فعل دخول المواقع وأنظمة المعلومات من موظف عام، فعاقب كل موظف عام يدخل بدون تفويض موقع أو نظام معلومات خاص بالجهة التي يعمل بها أو يسهل ذلك للغير، وعاقبه بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً، وهي تعتبر عقوبة مشددة خاصة بالموظف العام وفقاً لصفة الائتمان المفترضة فيه. وفي اتصال هاتفي ل «الصحافة» قال مدير الهيئة القومية للاتصالات الدكتور عز الدين كامل ان الانترنت كالصفحة البيضاء يمكن ان يكتب عليها تلميذ صغير او استاذ جامعي، ولا احد يستطيع ان يحدد من هو الذي سيستخدمها، ولا يمكن ان نحد من حركة المستخدمين في الانترنت، وجميع المواقع تستوي على صفحة الانترنت من الناحية التقنية، فجميعها وسائل استخدام ان كانت صفحات على مواقع التفاعل الاجتماعي او مدونات شخصية او جماعية او مواقع، والمعيار الحقيقي لما ينشر على الانترنت هو المحتوى، وهذا ما يجب ان تقوم به الجهات المهنية المعنيه لقياس المستوى، ويجب أن يكون هنالك عمل في هذا الاتجاه لأنه مفقود ولا يوجد الآن تصنيف من حيث المستوى لمعايير المصداقية التي ستحدد اهمية ما ينشر على المواقع للمستخدمين، والتصنيف حسب المصداقية مطلوب الآن حتى نقلل من حجم الاضرار التي يسببها النشر، والتضرر من النشر قضية يحكمها القانون، ولا يوجد قانون يحدد العقوبات ووسائل المساءلة القانونية للمتضررين مما ينشر على صفحات الانترنت اذا كان هذا النشر داخلياً او خارج البلاد، ونحتاج لذلك بشكل سريع، وقال كامل إنه من الضروري جداً وضع قوانين تحمي الجميع من النشر على صفحات الانترنت والقانون هو لب القضية. وفي ذات السياق قال مدير مركز المعلومات بهيئة الاتصالات المهندس ماجد مالك ابراهيم: ليس هنالك من يضبط تلك المواقع، لكن هنالك اتجاه لاصدار قوانين تنظمها هيئة الاتصالات مع وزارة العدل لتحد من هذه الظاهرة ومعاقبة المجرمين، وهنالك ممثلون لوزارة العدل داخل هيئة الاتصالات لمتابعة الاجراءات القانونية لمثل هذه القضايا»، وقال ماجد: «لا بد من رفع درجة الوعي لدى المستخدمين بأن ليس كل ما ينشر علي شبكة الانترنت صحيحاً، وهنالك من ينتحلون اسماء وصفات لا علاقة لهم بها، ويسببون مشكلات لاصحابها الحقيقيين، وعلى المتضررين اتخاذ اجراءات قانونية لضمان حقوقهم، وبهيئة المعلومات كوادر وخبرات فنية تمكن من الوصول الى الجناة الحقيقيين بسرعة، وعلي المتضررين مطالبة المواقع باجراء تصحيح ما يرد من اخطاء او ضرر، ونشر توضيحات في جميع وسائل الاعلام خصوصاً على الانترنت، وفي مرحلة ما بعد اصدار القانون ستكون هنالك عقوبات على مثل هذه المواقع». ويمضي مصمم المواقع الالكترونية ربيع الخير إلى أن المصداقية هي المعيار الحقيقي في تصنيف المواقع، فكثير من المواقع تقوم بالنشر واثارة موضوعات وفتح ملفات كالفساد، وعند البحث فيها تكون المعلومات غير صحيحة والوثائق مزورة، ولم يتم فيها التدقيق من قبل مسؤولي المواقع، وهذا يحدد نوع المواقع القذرة من المواقع ذات المصداقية، ومحركات البحث ليس لديها تصنيف للمصداقية ولكنها تعمل وفقا لعدد الزوار، ولذلك قد تجد مواقع قذرة في أعلى قائمة محركات البحث على الرغم من ان مستواها لا يرقى إلى أدنى درجات المصداقية، وهنالك مواقع تعمل وفقاً لميثاق الشرف الصحفي، وهي بعض مواقع الصحافة الالكترونية الملتزمة، والبعض الآخر غير ملتزم، أما بالنسبة لشركات الاستضافة فبعضها حر وليست لديه شروط او قيود على المواقع التي يستضيفها، فبعض المواقع تكون اباحية والبعض الاخر يمس العقيدة والانسانية، ولا يوجد من يضع حداً لهذا، وليست هنالك قوانين رادعة تستطيع ان تعمل في هذا الفضاء المتسع، والقيمة الحقيقية ستكون في ارتفاع معايير القيم الاخلاقية والمصداقية التي سيحددها المستخدمون انفسهم، رغم ان هنالك كثيرين يتضررون من النشر السيئ وغير الحقيقي للمعلومات. ومن وزارة العلوم والتقانة قال المهندس خالد ايوب: «لسوء الحظ أن المواقع الالكترونية تتعرض لتهديدات واختراقات باستمرار من قبل اشخاص متفرغين لهذه الاعمال غير الاخلاقية ويطلقون على انفسهم «المخترقون»، ولكنهم ليسوا جميعا بذات المهارة التي تمكنهم من الهجوم على المواقع والعبث بمحتوياتها، حيث أنهم يقومون بتطبيق خطوات موصى بها من قبل شخص آخر، وفي معظم الاحيان يقوم هؤلاء المخترقون بهذا العمل ليثبتوا انهم يمتلكون المهارة التي تمكنهم من اختراق المواقع، اما النوع الثاني من المخترقين فهو قليل وبامكانهم اتخاذ طرق جديدة للتغلب على الحواجز الامنية في المواقع الالكترونية. ومن المهددات التي تواجه المواقع الالكترونية العبث بمحتويات الموقع وتخريب الملفات الموجودة بمعلومات خاصة بالجهة صاحبة الموقع، والحصول علي بيانات ومعلومات شخصية مثل كلمات المرور والحسابات البنكية وكروت الائتمان، اضافة الي وضع محتويات غير لائقة في الموقع وانتحال الشخصيات، مبيناً أن هناك اجراءات لحماية المواقع قال إنها تقع على جهتين، الجهة الاولى صاحبة الموقع والثانية هي التي تحفظ بها محتويات الموقع، وقال خالد: «علي كل الجهتين القيام باجراءات الحماية الخاصة، ومنها على سبيل المثال وضع الأجهزة والمعدات الخاصة بحفظ المواقع في مكان يسمح بالدخول فيه فقط للاشخاص المخول لهم بالدخول، واستخدام آخر الاصدارات من البرمجيات، حيث ان كل برنامج يعمل على تلافي الثغرات الموجودة في الاصدارة السابقة، وكذلك استخدام كلمات المرور الطويلة من بعض الحروف والرموز التي لا يمكن التنبوء بها، وتحديد عدد مرات محاولة الدخول الى النظام بكلمات مرور غير صحيحة، اضافة الى عدم حفظ كلمات المرور في ملف على جهاز الحاسوب وكتابتها على ورق، ولا تعطى كلمة المرور الا للاشخاص المفوضين باستخدامه، وكذلك استخدام الجدار الناري الذي تنحصر مهمته في فتح نوافذ معينة في الجهاز، وتفقد الملفات التي تسجل، وتقرير الحالة الامنية بانتظام، وملاحظة اية مؤثرات أو مهددات.