(دا التعليم باظ يا جدعان، فين تعليم زمان ومدارس زمان، فين أيام رفاعة رافع الطهطاوي، يا سلام الله يرحمك يا طهطاوي، وقاسم أمين وعلي مبارك وزكي جمعة، مين زكي جمعة دا).. الكلام ما بين القوسين للكوميديان المصري الأشهر عادل إمام في مسرحية (مدرسة المشاغبين)، أتى فيه على ذكر عدد من رموز التعليم المصري، وعلى سبيل السخرية حشر بينهم اسم زكي جمعة الذي لا علاقة له بمهنة التعليم ليستدرك متسائلاً (مين زكي جمعة دا).. يبدو أن التعليم الآن في السودان يعيش زمان زكي جمعة هذا، ما يجعلنا نتحسر مثل عادل إمام على تعليم زمان ومدارس زمان ومعلمي زمان، ونقول على طريقته (فين أيام بابكر بدري رائد التعليم الأهلي والنسوي، وفين أيام عبد الرحمن علي طه؛ أول وزير للمعارف، وفين أيام الشيخ لطفي والنصري حمزة، والبروف عبد الله الطيب، وسر الختم الخليفة وغيرهم وغيرهم، من الرواد الذين درس على يديهم الكثير من الزعماء والأدباء والقادة من دول الجوار العربي والأفريقي؛ جاءوا الى السودان لنهل العلم من السعودية واليمن والصومال وجيبوتي ونيجيريا وغيرها من أمثال الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وأخوه الملك عبد الله رحمهما الله، وفين أيام شيخ التجاني حسب الله وشيخ مدني محمد عبد القادر، بل وفين أيام اللاحقين من التربويين والمعلمين الفطاحلة الذين واصلوا حمل مشاعل التعليم بكل كفاءة واقتدار قبل أن تبدأ المسيرة في الانحدار إلى أن أهلَّ علينا زمان صار فيه التعليم يؤتى من قبل من يفترض أنهم الحريصون عليه؛ المتطلعين لترقيته وتطويره كما رأينا في مثال مدرسة الدخينات الوهمية وامتحاناتها الوهم. أما وقد أوفت الصحف وكفت أقلامها في تناول فضيحة المدرسة الوهمية، فليس لنا سوى أن نعيد القول ونزيده حول ضرورة إصلاح حال التعليم الذي لا يسر عدواً ولا صديقاً، فقد حقّ للناس أن يهموا لأمر التعليم وأن يهتموا به، فهو لب الأمل وقضية القضايا وطوق النجاة الذي سيعبر بنا واقع التدهور والانحطاط والانهيار والفوضى إذا ما أخذناه بحقه وأوليناه الاهتمام الذي يستحقه، أو أن ننتظر الخراب والطوفان الذي لا يبقي أمة ولا يذر بلدا، فإذا أصيب القوم في تعليمهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا، ولا نريد هنا أن نعيد تعريف المعروف ولا أن نكرر النداءات الحادبة المتكررة التي صرخت حتى بح صوتها وكتبت حتى جفت أقلامها عن مآسي التعليم ومشاكله والوضع البائس الذي عليه، فقد كتب الكاتبون وتحدث المتحدثون وناح النائحون على حال التعليم، فأوفوا وكفوا ولم يتركوا زيادة لمستزيد، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي، وبعد كل الذي قيل حول التعليم وما زال يترى، لم يعد هناك جديد يضاف من جانبنا، غير أن نصرخ بالصوت العالي (التعليم باظ يا جدعان) فأدركوه قبل الطوفان. التغيير