أدي التطور الحضاري إلى الانتقال رويدا رويدا من عمومية الخاص إلى خصوصية العام؛ تؤكد ذلك حالة القبائل البدائية في أفريقيا وآسيا التي يعيش أفرادها عراة . ولنشرح هذا الانتقال ببساطة: في القبائل البدائية كان الجنس مشاعا وكان العري عاما ولم تكن هناك خصوصية ، فماهو خاص اليوم كان عاما بالأمس ،وجاءت الطقوس الدينية بتطورها من ديانات وثنية إلى ديانات يدعى بأنها سماوية لتزيد من خصوصية العام . ثم تأثرت القوانين بالحراك المدني وعزلة الفرد عن الجماعة لتثبت بل وتساهم في معدل خصوصية العام ، ثم جاءت التكنولوجيا ورسخت الميل للفردية لتزيد الانتقال من العام للأكثر خصوصية ... ولكن في ظل هذا الكبت والفردية ظهرت اتجاهات تنادي بمشاع أفلاطوني ، لتعود بالإنسان إلى فطرته الأولى حيث يتحرر الفرد من قيد العيب وليكون أكثر انفتاحا على الآخر في ظل واقع حداثي ومابعد حداثي. ليحدث تفكيك لعلاقة الرجل بالمرأة من حيث كونها علاقة اتحاد مطلق إلى مجرد علاقة براغماتية ﻷداء وظيفتها الطبيعية. فالزواج بمفهومه الكلاسيكي ليس سوى عائق لحرية الخلق والابداع وكبت قدرات الرجل والمرأة تحت سياق التزامات قانونية مجحفة ومسئوليات مرهقة ، وبدلا من أن تكون العلاقة علاقة دافعة إلى الأمام تحولت إلى علاقة كابتة وكابحة للتقدم والخلق والابداع. يعتبر الزواج موت بطيء للمرء ، وإلهاء لعقله عن التفكير سوى في المأكل والمشرب والملبس والسكن بغض النظر عن تطوره العقلي . يعد الزواج أنسب قاتل للرجل المبدع والمفكر ؛ بل وأكبر حامي ومعين على بقاء الدكتاتوريات ﻷنه يورث الجبن والبخل والمشي جنب الحائط . ويفضل به الرجل الاستقرار على الثورة ، والأمن على المغامرة ، والقناعة على الطموح ، والجمود بدلا عن التفكير والفلسفة. إن دعوات التحرر من الخاص دعوات تلقى لها رواجا اليوم في العالم المتحضر ؛ حيث العلاقات أكثر هامشية ؛ وحيث هي متفككة وغائية وفردية ؛ وحيث هي متسارعة ، ومتغيرة ، بحيث تدعم التوجه الليبرالي للشعوب ، كما تدعم (بفتح التاء)وتدعم (بضم التاء) بسياسات السوق المفتوح وثقافة الاستهلاك في علاقة طردية بدالة هندسية متزايدة. تقف إعادة الخاص إلى أحضان العام في مواجهة الفكر الشمولي والدكتاتوريات والقوانين الوصائية بل وحتى في مواجهة الأديان . ويفتح بأناركية النار على السلطة والمؤسسة ، لمصلحة الفرد وتطوره أدبا وفنا . ويحمي من الفكر المتطرف والتمييز على أساس الدين والجنس وكافة المهايئات الجماعية ويحذف قيود التنقل والحدود السياسية الوهمية والمصطنعة. إن عودتنا إلى الفطرة الأولى في عالمنا الحديث هو استمتاع شبه كامل بحياتنا كأفراد ، وأيضا كشعوب ﻷن الخير هاهنا فقط يعم .. بعد اجتثاث الشرور. أمل الكردفاني 20مارس2015 [email protected]