الانسان دائماً يبحث عن وسائل عديدة لكسب الرزق والقوت من أجل تحسين أوضاعه المعيشية وطلب الرزق الحلال الطيب لأبنائه وأهله ، لذا فتري الواحد منا يسافر أميالاً طويلة براً وبحراً وجواً ويتكبد المشاق ويركب الصعاب ويتعرض لمخاطر الموت ، إما غرقاً في عرض البحر طعاماً للاسماك القرش ،أو عطشاً وجوعاً في فيافي الصحراء طعاماً للصقور والهوام ان وجد و إلا تتكرم الصحراء بدفنه ، أو تتفتت الي ذرات في الغلاف الجوي ،،،،،،،،،،،،،2 الصحراء الكبري : أكبر صحراء علي وجة الارض ، بحر لا متناهي من الكثيبان الرملية و الرمال وبحيرات من السراب والصخور الجرداء التي نحتها الرياح . وتبلغ درجة الحرارة 80 درجة مئوية في النهار وفي الليل تصل حتي سالب تسع درجات في الشتاء . تضم الصحراء الكبري 11 دولة وهي السودان ، مصر ، ليبيا ،تونس ، المغرب ، الجزائر ، موريتانيا ، تشاد ، مالي ، النيجر واريتريا . والمسافة بين السودان وليبيا عبر الصحراء الكبري تقريباً 1600 كيلو متر . ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،3 الرحلة الي ليبيا عبر الصحراء الكبري تستغرق شهرياً كاملاً ذهاباً . قبل ظهور العربات والشاحنات ، الجمل هو وسيلة النقل الرئسية في الصحراء ، حيث يستطيع الجمل حمل 300 كيلوجرام من المتاع والعفش ويقطع مسافة 40 كيلو متراً خلال يوم واحد ، وقادر علي البقاء بدون الماء لفترة طويلة ،،،،،،،،،،،،،،4 قد كان للعرب قبل الاسلام رحلتان ، تسمي رحلة الشتاء والصيف ، رحلة الشتاء الي اليمن فيبتاعون العطور والثياب وغيرها ، ورحلة الصيف الي الشام يبتاعون المحصولات الزراعية وخيرات الشام الكثيرة .ولكن لابناء بادية وادي هوّر ثلاث رحلات : _ رحلة الي العطرون او النطرون (بدوبا) لجلب العطرون والملح والتمور ، وتستغرق شهراُ كاملاُ ذهاباُ وإياباُ بالزّوامل . _ رحلة الي المناطق الجنوبية من الاقليم لجلب الحبوب والمحصولات الزراعية تسمي (تيي أو توي ) toy _ رحلة الي ليبيا حيث الاغتراب والعمل . ولكن الرحلة الي ليبيا طويلة وشاقة ومحفوفة بمخاطر الموت ، وقد تعرض الكثير من الشباب الي العطش والجوع ، واخري فقد حياته ودفن في الصحراء مع احلامه وطموحاته . وفي هذا المقال ننقل لكم تجربة الاخ الشيخ محمدين حسن علي تقل الذي خاض معركة ركوب الصحراء في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم : ويحكي لنا الشيخ ( في صيف من عام 1973 م تحركت بنا القافلة من بادية وادي هوّر الي ليبيا (لوبيا)عبر الصحراء الكبري ، ويقودنا الخبير(الحفير) او الدليل ، معتمداً علي الخبرة والتجربة السابقة ، ليست هنالك علامات للطريق ، او لدينا البوصلة تدلنا علي الاتجاهات ، فقط نهتدي بالنجوم ليلاً ، مثل النجم القطبي وكوكبة الدب الاصغر، و صدق قوله تعالي (وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) . ولكن نسبة لحرارة الصيف الحارقة والمسافة الطويلة ، نفد بنا الطعام والماء وماتت كثير من الزّوامل وضللنا الطريق واختل توازن القافلة واختلط الحابل بالنابل وبلغ بنا العطش حتي اصاب بعضنا بالعمي والدّوار والتعب الشديد واصبحنا علي قاب قوسين من الموت . ولكن للانسان طاقة جسمانية وعقلية خارقة في وقت الخوف والشدة تستطيع حمل ثور علي راسه . ففي هذه الظروف الهالكة فكّرتُ وقدّرتُ ثم نظرتُ ، واستلمت قيادة بقايا القافلة ، ووضعت خطة هجومية ودفاعية في آن واحد واصدرت اوامر صارمة ، واستعملت كل افكاري وقدراتي وتجاربي في الحياة لانقاذ الارواح ، وكانت الخلاصة علي ان ننحر كل يوم جمل واحد ونصفّي الدم والكرش بالقماش لنفصل الماء عن البلازما ، حتي نوجد كباية ماء لكل شخص في يوم واحد ، والسير ليلاً ، وبالنهار نستظل بالبطاطين حتي نحافظ علي ما تبقي من رطوبة الجسم . وعندما نفد جميع الجمال ، تبقي لنا من المؤن قليل من الزيت والبصل ، قررت ان يعطي كل واحد كباية زيت في يوم واحد ونواصل السير بالاقدام ليلاً، وبعد نفاد الزيت ، قررت ان يعطي كل شخص بصلة واحدة في يوم ، حتي استطعنا الوصول الي جبل العوينات بلف الله ورحمته ونحن هياكل عظمية منهكة لاتقوي الوقوف اوالكلام . ) . هكذا ابناء بادية وادي هوَر حيث العلم والمعرفة والابتكار والشجاعة والاقدام والاصرار . محمدين حسن علي ، لم يدرس علم الفلك والطبيعة وعلم الكيمياء الحيوية والمختبرات الطبية ، ولكن مدرسة الحياة المفتوحة ببادية وادي هوّر علّمته دراسة النجوم والكواكب والمذنبات والمجرات ، وكذلك مختبرات الحياة علّمته بان الدم تتكون من البلازما وخلايا الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية ، وان البلازما تتكون من 90% من الماء و10% من الاملاح والدهون والكربوهيدرات ، وقام بترسيب وتحصّل علي الماء وانقذ حياتهم من الموت المحقق . ،،،،،،،،،،،5 انسان هذه البادية بافقه الواسع كسعة الصحراء الكبري وخياله الكبير ، استطاع ان يبتكر اختراعات كثيرة في مجالات التجارة والصناعة وفنون القتال ، وكانت نفعاً للسودان كله وللبشرية الجمعاء . وهنا نسوق مثالاَ واحد للذكر . في مجال فنون القتال ، حيث ابتكر ان سيارة اللاندكروزر الرباعي ، هي وسيلة الهجوم الاولي والفعّالة في القتال تسمي (أماشيه) ، واجري علية تعديلات كثيرة في تركيبه وصناعته ، بازالة الاجزاء الامامية والزجاج والمرايات الجانبية حتي تواكب المهمة القتالية . و اعترفت مصانع التايوتا في اليابان بهذا الابتكار بايدي مهندسو البادية ، و قامت بانتاج موديلات جديدة بمواصفات شملت التعديلات المبتكرة . ولكن بدون تسجيل براءة الاختراع . وكذلك استفادت الحكومة السودانية من فكرة اللاندكروزر الجديدة ، وادخلت في آلتها العسكرية ضمن الاسلحة الهجومية الفعّالة في القتال ، مع التعديل في الاساليب القديمة والخطط والنظريات الحربية التي كانت تدّرس في الكلية الحربية . ،،،،،،،،،،6 يا ابناء بادية وادي هوّر عليكم التمسك بالقيّم والعادات والتقاليد والتراث واللغة والثقافة ، بابتعاث ابنائكم الي البادية لتعلّم الرماية وفنون القتال والسباحة في الرمال ،و الشعر والدوبيت وقيادة السيارات ، ومعرفة علم الطبيعة والنجوم والحيوانات البرية والطيور ، والوديان والتلال والجبال والاماكن ، والصبر والتحمّل والنشأة الصحية ، حتي نحافظ علي قيّمنا وتراثنا بالتوارث ونقل المعرفة بين الاجيال . بقلم : عبدالجبار حجر علي 22. 03 . 2015