سبق وأن زرت القاهرة عدة مرات وعلى. فترات متباعدة وأخري متقاربة ،زيارات إبّان حكم الرئيس الأسبق (حسني مبارك) ،وأخري أثناء إندلاع الثورة، وزيارات إبّان حكم الرئيس السابق( مرسي)، وأخيراً قبل أسبوع تحت مظلة حكم (السيسي) . وخلال تلك الزيارات كنت قريبة من نبض الشارع وقريبة أيضا من تطلعات النخب المصرية ، وقد لاحظت أن تفاعلات المواطن المصري تتأثر تأثيراً مباشراً بإيقاع السياسة ،بمعني أن توتر العلاقات بين السودان ، ومصر أو إستقرارها، يلقي بظلاله على روح المجتمع ، وتفاعلاته حيال الكل بما في ذلك المواطن السوداني. ورغم أن الشعب المصري يمتاز بخفة الظل، واللسان المعسول، إلا أن خلافات الساسة تظهر بوضوح في سلوكه و تلميحاته إن كانت معلنة أو مغلفة . وخلال (الدورة التفاعلية) التي إلتحقت بها مؤخراً، وكانت بتنظيم من مركز (جمال عنقرة)، طغت إنعكاسات السياسة على تفاصيل الدورة ، وسادت الأجواء لغةرفيعة من الدبلوماسية الناعمة لاتخدش العزة والأنفة السودانية . وزير الخارجية (سامح شكري ) ظل لسانه رطباً بالحديث عن أواصر ووشائج وعمق ومتانة العلاقة بين البلدين ، وإستخدم طيلة فترة جلوسنا معه كل مفردات المودة والحب في (القاموس المحيط )، ورغم أن إجتماعنا به إمتد لأكثر من ساعتين ،إلا أن إبتسامته الراسخة ظلت محفورة على تضاريس وجهه ،لم يزعزعها الحديث عن ملف (حلايب) ، ولم يطلْ عمرها كوب الليمونادة البارد. رئيس البعثة الأخ الأستاذ جمال عنقرة حاول في بداية اللقاء تلطيف الأجواء ،والعبور باللقاء إلى بر الأمان، بإختصار أسئلة المجموعة في أربع أسئلة بروتوكولية تنضوي تحت إطار المجاملات و (تكسير الثلج )، ولكن زملاء المهنة أفراد البعثة الذين يحملون السودان في حدقات عيونهم أبت أنفسهم إلا أن ينتزعوا فرصتهم في الأسئلة، ويفتحوا جراح العلاقات لنظافتها دون بنج. وللحقيقة أن خشية الأخ جمال من توتر الأجواء لم تكن مبررة ، لأن الحديث مع رجل بمواصفات سامح شكري يجعل أي صحفي يقضي يوماً كاملاً دون أن يخرج من الرجل بكلمة نابية ، فدبلوماسيته القحة تلتف حول الأسئلة العصية الجافة وتحيلها إلى غزل مجنون . جلست أراقب حديث الرجل، ورصدت إنفعالاته الضعيفة، وإبتسامته الثلجية ، عندها تذكرت أحاديث سياسي المؤتمر الوطني والذين تخصصوا في رفد القاموس السياسي بكل أنواع السباب والشتائم وتقزيم المواطن وإحتقار المعارضة إبتداءًمن (لحس الكوع) ومروراً بإنعدام الوطنية وأراذل القوم وانتهاءً ب (اللي يمد إيده بنكسرها ليهو) ......!!! نواصل ...