بعد الرابع من رمضان الموافق 12/12/1999م كان المأمول أن يؤسس الترابي حزب الفكرة يتبى الطرح التجديدي ويدعو الى المثال والقيم الفاضلة من حرية وعدالة ومساواة وشفافية ومؤسسية والتزام بالعهد والميثاق . ويظل المؤتمر الوطني حزب الواقع يهتم بمعاش الناس وأمنهم ويوازن في علاقاته الخارجية ويرعى مصالح الدولة العليا . ولكن حزب الحكومة عندما دانت له الأمور آثر أن يأكل كل الكيكة ولايقبل بالقسمة بعد أن وجدها لقمة سائقة دون قتال مع الشعبيين ولا إنشقاق في الجيش أو تمرد في جهاز الأمن الوطني أو تحرك من المجاهدين إستجابة لأمر الشيخ الترابي الذي قال قولته التي سخر منها السلفيون حين خاطب قواعده قائلاً ( إن لم تتقاتلوا تكونوا أحسن من الصحابة ) في اشارة الى الفتنة الكبرى . استمراء المؤتمر الوطني بالسلطة جعله يضيق على الشيخ وحزبه وكان الفرج في إتفاقية نيفاشا 2005م والتي أتاحت قدر من الحريات العامة توجتها بانتخابات 2010م واستفتاء تقرير المصير للجنوب في 9يناير 2011م ، ليجد المؤتمر الشعبي سانحة لينافس حكومة البشير في كل المستويات من مجالس ولائية الى ولاة الولايات الى المجلس الوطني ورئاسة الجمهورية وكان المؤتمر الشعبي من الأحزاب السياسية القلائل التي نافست في جميع الدوائر لكل المستويات . لكن بعد تقديرات سياسية للقوى المعارضة إنسحب أغلبها لتبقى الحكومة في مواجهة المؤتمر الشعبي في كل السودان مع منافسة خجولة من الحزب الاتحادي الديموقراطي ورضيت الحركة الشعبية بالقسمة مع الوطني لها الجنوب وله الشمال . المؤتمر الشعبي تفاءل بالوحدة أو أراد إعزاراً الى الجنوب رشح الاستاذ/ عبدالله دينق نيال رئيساً للجمهورية فلم ينل أصوات مواطني جنوب السودان بل الاستاذ/ ياسر عرمان (المندكورو) فاز عليه في جوبا . وظل المؤتمر الشعبي يقدم خطاباً واحداً في كل السودان عن الحريات والعدالة ووقف الحرب في دارفور وقال في الانقاذ مالم يقله مالك في الخمر ظلمها وفسادها وعمالتها وعنصريتها . ولكن النتيجة صفر كبير وحتى أكون دقيقاً أربعة مقاعد في المجلس الوطني عن جنوب دارفور . وهذا ليس مستغرب فالأستاذ/ ابراهيم هباني آثر الترشح مستقلاً في النيل الأبيض وعبدالله أبوفاطمة نزع عباءة الشعبي في بورسودان وهما أكثرهم فرصاً للفوز ولم يخالف الحاج آدم يوسف أهله في نيالا والضعين فبايع المؤتمر الوطني ولم يتأخر عنه الاستاذ/ ابراهيم هباني فلحقه ونفد الاستاذ/ عبدالله أبوفاطمة بجلده فخرج مهاجراً الى السعودية . د.الترابي دفع فاتورة تشكيك الشعبي في نتائج الانتخابات وتهديده بثورة شعبية لاسقاط النظام فتم اعتقاله لعدة شهور .ولكن صحف الخرطوم حملت عنواناً في صدر صفحاتها على لسان الترابي يقول : ( سأعمل على تأسيس تيار اسلامي عريض أتجاوز به الشعبي والوطني) . مراجعات الترابي في الحبس تقول أن الشعب السوداني لم يأبه للمفاصلة ودواعيها وخطابها ولم يفك الارتباط بين المؤتمرين ولم يطرب لخطاب الفساد واشاعة الحريات بل يستهزئ بمن ترك السلطة ويلومه وأن الأحزاب السياسية تبرح مكانها تشكك في نوايا الشعبي وتشمت للتنكيل به قائلة ( التسوي كريت تلقاه في جلدها ) واستكبر الحكام واستبدوا بنفوذهم فانفصل الجنوب والحركة الاسلامية حاكمة واشتعلت الحرب في دارفور والانقاذ مستمرة وضاع المشروع الحضاري ولا بواكي له وثورات الربيع العربي تصعد بالاسلاميين للحكم والثورة المضادة تقهرهم وتشرد بهم ولن يستطيع الترابي نصرتهم وهو معارض ولن يسقط البشير والسلاح منتشر فتم كتابة الحلقة الأخيرة للمفاصلة . وكانت سفريات الدوحة الثلاث البداية لها فالتقى الحركات المسلحة والامام الصادق المهدي وكانت لقاءات كامل ادريس تمهد الطريق للقاء الرئيس ولا أدري أيهما أسبق مع أن المسافة بين القصر والمنشية أقصر. الترابي لن ينافس المؤتمر الوطني مجدداً وهو يمسك بتلابيب السلطة فالشعب يريد العيش وقيادات حزبه تتساقط أو تسترجع بلغة الحكومة ولم ينجح خطابه عن الحريات والعدالة في لجم العنصرية والجهوية ولم تمنع دعوته للسلام الاقتتال القبلي . ولم تقنع دعاويه لاستعادة الديموقراطية الأحزاب المعارضة للتحالف معه ، فبعد أن رحل عن الوعاء الجامع واستنساخ فكرة المؤتمرات واللجان الشعبية عن القذافي ثم التوالي السياسي في دستور 1998م دعا بعد المفاصلة الى التعددية وقبول اْلآخر وهاهو الآن يدعو الى كيانات سياسية كبيرة تشمل التيارات الرئيسة بالبلد من اسلاميين وطائفيين ويساريين وعلمانيين فأطلق فكرة النظام الخالف. إعلان الترابي تأسيس تيار اسلامي عريض يتجاوز به الشعبي والوطني كان هو علان موقفه السياسي الجديد من النظام وكما أجاب على مذيعة قناة الجزيرة بعد خطاب الوثبة أنه محاور النظام . فهو يملك تجاوز الشعبي ولكن تجاوز الوطني يحتاج الاتفاق معه أي التحاور بشأن الخطوة . ومن هنا سبق اعلان الترابي حوار الاسلاميين خطاب الوثبة في يناير2014م الماضي أي أن الشيخ والرئيس اتفقوا ثم توجهوا تلقاء المعارضة والحركات المسلحة وهذا يفسر مشاركة الشيخ في لقاء أم جرس ومباركته التعديلات الدستورية ومشاركته في المؤتمر العام للحزب الحاكم وبالتالي مشاركة المؤتمر الشعبي في الانتخابات قبل مؤتمر الحوار الذي تعقبه المنظومة الخالفة إسم الدلع لوحدة الاسلاميين يعني التصويب تجاه أخطاء النظام وتذكير الشعب بها حتى ينصرف عنه وهذا يخالف الاستراتيجية والاتفاق مع الرئيس فكان لزاما مقاطعة الانتخابات الحالية والانتظار حتى يكتمل الحوار ومنافسة الآخرين بكيان جديد وحتى يطمئن الترابي أتباعه ويبث فيهم الأمل صرح أمس للصحف أن الحوار سيستأنف بعد الانتخابات وسينجح . م.اسماعيل فرج الله 13ابريل 2015م [email protected]