م.اسماعيل فرج الله [email protected] د. الترابي ظل شغل الساحة السياسية منذ اعتلائه منصة الثورة الشعبية في أكتوبر 64 التي أطاحت بنظام الفريق عبود ، مما ساعده من حسم صراع قيادة الحركة الإسلامية فانتصر تيار الترابي الداعي الى الانفتاح والعمل الجماهيري فظل الشيخ ثائراً لا يهدأ ،وقفز وثبات عالية بسير تطور وكسب الحركة الإسلامية مما عرضّ كثير من عضويتها للتساقط وتياراتها للانشقاق وكان أشهرها انشقاق غريمه الأستاذ/ صادق عبد الله عبد الماجد و الدكتور الحبر يوسف نور الدائم إثر موقفهما من المصالحة مع نظام نميري في العام 77 . د. الترابي ظل يعمل بلا راحة أو وقفة للمقاربة والمراجعة مما جعل رصيد المتساقطين قبل الإنقاذ يتكدس والمهمشين بعدها يتراكم خصوصاً أعضاء هيئة الشورى الذين تم توزيع المصاحف لهم بعد نجاح الثورة وأعضاء الأمانة العامة والمكتب السياسي الذين لا يعلمون عن الانقلاب شيئاً كما استقوى المتنفذين بالسلطة عليه فأصابه الإحباط والتعب وهو يرى ثمرة جهده ينوء حملها بشمولية في الحكم وفساد في الإدارة ، فكانت المفاصلة لحظة الحقيقية مع نفسه ولحظة المفارقة مع نهجه السابق بالاستئثار بالقيادة وجمع الأعوان من حوله فخرج عن المؤتمر الوطني وحيداً لا يشير بشي لإتباعه حتى أغرى ذلك نائبه ليقول لن يبقى مع الترابي غير قلة تؤانسه ، ولكنه كان مهموماً بقياس ردة فعل قواعده فكل التاريخ يبشر بصراع دموي بين الشركاء السابقين اذا عرف حجم التدريب والاستعداد للقتال من خلال العمليات الحربية في الجنوب ، وعبرة الفتنة الكبرى في صدر الاسلام حاضرة . بينما ظل الترابي يذكر بها ويحذر من عواقبها ويظهر قلقه من القادم. وبالأخير أعترف الدكتور حسن مكي بشهادته أنه لولا حكمة الترابي لأقتتل شباب الإسلاميين . ولكن الإسلاميين خيبوا كل التوقعات المتنبئة باقتتالهم ، وكان انعطاف قدر كبير منهم جانب شيخهم واختيارهم طوعاً ترك السلطة والالتزام جانب الحركة مما شجع الشيخ على تكوين حزبه المؤتمر الشعبي الذي ظل حاضراً في حراك المعارضة لإسقاط النظام . الشئ الذي أعاد للترابي روح الثورة والتحدي من جديد فعدل عن مراجعاته ، وعكف على تفسير القرآن وكتابة أفكاره في السياسة الشرعية ، وأخر إفاداته على المسلك الحركي والسياسي مما جعل القيادة في الشعبي تعيش في حالة توهان ، فهي فاصلت بناءاً على موقف أخلاقي ،تمثل في التزام النظام الأساسي للحزب ، ووفاءها لعهد دستور البلاد رغم بعدها عن حقيقة الصراع القيادي حول السلطة ،والإيفاء بتعهداتها تجاه الحركة الإسلامية . فظلت هذه النخبة تحاول التقرب من د.الترابي علها تحظى بما يشفي غليلها من توضيحات أو الإطلاع على الاستراتيجيات ،ولكن كلما تصعدت في القيادة كلما تهاوت متساقطة .إما مسترجعة للمؤتمر الوطني مثل الأستاذ:محمد الحسن الأمين والدكتور:بدرا لدين طه وآخرهم نائب الرئيس /الحاج آدم يوسف . أو هاجرت مغاضبة الي الحركات المسلحة مثل الأخوين (خليل وجبريل )إبراهيم وسليمان جاموس وكثر من قيادات الشباب والطلاب .فاستمات الترابي يواصل مشواره بحيث يكون حزبه جماهيرياً يتطلب الشفافية وفي هذا لم تزعجه الأجهزة المزروعة في مكتبه للتصنت عليه التي كشفها أخيراً ولم يوتره المتعاونون مع النظام من خاصته مع معرفته المسبقة بهم ولم تربكه صداقات قياداته مع أركان النظام ولكنه أحتفظ تكتيكياً بتفويضات يلجأ اليها حيث الضرورة . هذا الوضع جعل كثير من المجموعات داخل الشعبي تعلي صوتها تطالب بإصلاح الوضع داخل الحزب وتنشيط مؤسساته ، وفي هذا يحضرني لقاء مع الاستاذ/حسين خوجلي وهو أحد قادة الرأي ومثقفي الحركة الإسلامية التي تنكر لها وقال( هو شعبي ويدين للترابي فقط.) الذين كان مرجو منهم عمل عصف ذهني يخرج قواعد الحزب من حيرتها ، وكان النقاش حول جدوى الحوار مع المؤتمر الوطني وموقف الحزب منه وحق القواعد في المبادرة والتلاقي على كلمة سواء علها تكون مخرجاً للراهن السياسي المأزوم . وكانت الفاجعة فيه كبيره من تلخيصه للوضع مما أدخل في نفسي يأساً أغالب مجهداً للخروج منه لتصويره للإسلاميين في الحكم بالانتهازيين الذين يسمح لهم البشير بفعل كل سيئ حتى نهب المال العام والسكوت عنهم ، ومد لهم حبل السلطة بقدر، فهم مجرد مراسيل وأي تمدد خارج هذه المساحة يكون الحسم العاجل نصيبهم (وليس قوش عن هذا ببعيد). بينما قنع أتباع الترابي وأنصار الشعبي من القسمة بالتسليم الكامل للشيخ ترجوه أن يحل المعضلات وينهض بالمشروع من جديد لذلك تجدها متحمسة في تنفيذ التكاليف بلا تردد أو تساؤل وكما قال الأستاذ حسين خوجلي المشروع مشروعه والحركة حركته فهو الذي علمنا في أمريكيا وبريطانيا ونحن أبناء الفقراء أتينا من الريف ونعرف بعضنا بعضاً ونعرف أيضاً ود الداية البنا عمارتين وود العامل البقى وزير ،وجنا المزارع البقى والي والرعاوي العمل شركة والمحامي رئيس المجلس الوطني ) ثم حكي قصته الشخصية ، كيف هو وإخوته يبيتون الليل وهم يتناوبون طشت الغسيل فالغيار واحد ليصحوا على أسبقية المكوة ونفخ الفحم مع الفجر . ثم قال ها أنتم ترون كيف أصبحنا من أصحاب المليارات وملاك الشركات وهو يشير الى قناته (أمدرمان) حيث كنا جلوس في مكتبه الفخيم . هذا الحوار مع الاستاذ :حسين جعلني أحس بالدوار كلما رأيت قيادياً في الشعبي يتحدث عن الحرية والمؤسسية ويزيد بالتمسك بالشفافية وأكاد أقيئ عند سماعي لخطاب مسئول وهو يتحدث عن الحكم وعدالته والتنمية ويوعدنا بالرفاهية ، ولكني أفيق على سوداننا الذي انقسم ،والحرب في دارفور تشتعل والجيوش على الحدود مع الجنوب تحتشد وفقر في الشرق يستشري، والمرض (السرطان والفشل الكلوي) يفتك بمن تبقى من المواطنين . بينما الشعبي والوطني يصطرعان ، فقيادات الشعبي ينكرون على وزراء الحكومة ومستشاريها العمارات العالية والزوجات المتعددة وهم لا يفوقونهم الا في كثرة العدد . فيذهب أحدهم الى أخاه في البنك يوقع عملية استثمارية ثم يزور آخر في مكتبه ليعين له إبنته في شركته أو مؤسسته ، ثم يذهب الى المركز العام للمؤتمر الشعبي نهاية اليوم يحدث عن النظام وبطشه والحكومة وفسادها ويختم يومه بزيارة بيت الشيخ بالمنشية مساءاً ليؤكد ولاءه ويجدد موقفه بمفاصلة النظام . والشيخ بعلم بكل ذلك ويشير اليه تلميحا وصراحة ان لزم الأمر . ولكن السؤال ماذا يريد الشيخ من كل ذلك . فالمشروع إنهار والنهاية كارثية فالحروب تشتعل والسودان يتمزق والحكام في غيهم يعمهون .وبين سلطة الوطني وفساد نظامه ومعارضة الشعبي وضعف هياكله يموت الآلاف ويشرد الملايين والإسلاميون ينظرون . فماذا يرجون ؟ فلا مهدي منتظر ؛ ولا مسيح عائد.