تعتبر سياسة رفع الدعم التدريجي بمثابة العملية الجراحية التي لاتخلو من ألم لمعالجة آلام مزمنة يعاني منها الاقتصاد الوطني إلا أن بعض الاقتصاديين يرون أن ذات الجراحة يجب أن يخضع لها هيكل الحكومة تمهيدًا للمعافاة التدريجية للاقتصاد بين هذا وذاك حملت الأنباء خلال الأيام الماضية تسريبات حول اتجاه الدولة لتنفيذ المرحلة الثانية لزيادة أسعار المحروقات خلال المرحلة المقبلة في إطار سياسة رفع الدعم التدريجي التي أقرتها أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية تمشياً مع سياسة التحرير الاقتصادي بعد أن كان رئيس الجمهورية في خطابه أمام البرلمان في الثامن عشر من يونيو من العام 2012م أعلن قرار الحكومة برفع الدعم تدريجياً عن المحروقات وسبقه موافقة حزب المؤتمر الوطني في اجتماع المكتب القيادي بعد أن فقدت البلاد ثلثي عائداتها من النفط بسبب الانفصال وحدوث خلل في الميزان الخارجي وقتها أكد وزيرالمالية علي محمود أن دعم الوقود ساهم في تهريبه لدول الجوار وأن الدعم يذهب إلى الأغنياء دون الفقراء، إن تجدد الحديث عن رفع الدعم في الظروف الحالية التي يعيشها المواطن وارتفاع معدلات التضخم قد يجعل التخوفات لدى المواطن ترتفع لأعلى مستوياتها لاقتران رفع الدعم مع زيادة أسعار السلع الغذائية التي لجأت الدولة في المرحلة الأولى من مراحل لرفع الدعم إلى تطبيق بعض المعالجات الاجتماعية التي شملت منحتي الرئيس ودعم القمح والأدوية. وأشارت تقارير إلى أن حجم الدعم السنوي للمحروقات يقدر ب 9 مليارات من الجنيهات، في الوقت الذي يتوقع أن يصل فيه إنتاج البلاد بنهاية العام الحالي إلى نحو(140) ألف برميل في اليوم مقارنة بالاستهلاك اليومي المقدر ب(105) آلاف برميل يومياً إلا أن الحكومة تقول إنها تشتري نصيب الشركات بالسعر العالمي. وزارة المالية على لسان وكيلها أكدت على جواز رفع الدعم عن الوقود مع مراعاة التوقيت والشرائح الفقيرة. معالجات للعاملين: أوضحت وزير تنمية الموارد البشرية إشراقة سيد محمود ل(السوداني)أن وزارتها ستتعامل مع التأثيرات المحتملة لقرار رفع الدعم عن الوقود على العاملين في حينها وأشارت إلى أن اتحاد عام نقابات عمال السودان بذل جهوداً معتبرة في تحسين الأجور ولم تستبعد أي معالجات للعاملين إن اتضح أن شريحة العاملين ستتضرر من رفع الدعم إذا تقرر ذلك، ولكنها أمنت على أن الحكومة تبنت خيار رفع الدعم التدريجي لتخفيف أي صدمة يمكن أن تحدث للشرائح الضعيفة في المجتمع وتوقعت أن يتم تنفيذ تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور قريباً فور فراغ اللجنة المكلفة من رفع تقريرها. أولوية اقتصادية: أكد وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني يوسف عبد الله الحسين ل(السوداني) أن سياسة رفع الدعم عن المحروقات أقرتها الدولة من أجل مصلحة المواطن والاقتصاد مشدداً على أن رفع الدعم لن يوجه إلا للإنتاج والشرائح الفقيرة وألمح إلى أن التوقيت عامل حاسم في رفع الدعم عن المحروقات إلى جانب ترتيبات الشرائح الفقيرة. وقال إن المرحلة الأولى تم تنفيذها في منتصف العام 2012م وفرت (800) مليون جنيه أضافت لها المالية مبلغ مليار جنيه وتم تقسيمها بين الشرائح الضعيفة وقطاعات الإنتاج ولم يتم رفع الدعم في ميزانية العام 2013م باعتبار أن الرفع لم يمضِ عليه عام وبالتالي يحتاج تنفيذ المرحلة الثانية إلى عام. وأشار إلى أن رفع الدعم يحقق العدالة للشعب السوداني ويأخذ الأموال من الأغنياء إلى الفقراء ومن الاستهلاك للإنتاج. وأكد الحسين أن الاقتصاد أصبح منهكاً بالتهريب حيث يتم تهريب المحروقات لدول الجوار مشيراً إلى أن سعر أنبوبة الغاز المستورد تبيعها الحكومة بمبلغ (8) جنيهات وتصل إلى المواطن بسعر(15) إلى (20)جنيهاً ويتم استيرادها بتكلفة (105) جنيهات مشيراً إلى أن سعرها في دول الجوار يقدر ب(25) دولاراً لذلك يتم تهريبها. وقال إن القضاء على التهريب بالتدابير الأمنية لا يمكن أن يعالج المشكلة بسبب الحدود الواسعة وبالتالي لابد من سياسات مالية تحد من عمليات التهريب التي تخرب الاقتصاد الوطني. وأكد الوكيل أن سياسة رفع الدعم عن الوقود ليست بدعة ولا نكاية في المواطن وإنما من أجل المواطن وحتى يصبح الاقتصاد معافى وأكد أن آثار المرحلة الأولى بدأت تظهر لأن آثار الرفع تحتاج لمدى متوسط وأن إمكانات الاقتصاد السوداني والقطاعات الإنتاجية لابد لها أن تنطلق مما يجعل ضرورة رفع الدعم لتقوية الاقتصاد. وأبان الوكيل أن السودان يستورد نصف إنتاجه من الجازولين وبالسعر العالمي ويباع للمواطن بدعم يصل إلى 50% أي بنصف سعره الحقيقي مما يشكل عبئاً على الميزانية. وأضاف بالتالي فإن رفع الدعم عن المحروقات يعتبر أولوية اقتصادية مع الأخذ في الاعتبار التوقيت المناسب ومعالجات الشرائح الفقيرة مشيراً إلى أن تنفيذ المرحلة الأولى صاحب معالجات اجتماعية ورفع لسعر صفر الدولار من 2،9 جنيهات إلى 4،4جنيهات. وأردف إذا كان الوقت مناسباً وقمنا بتأمين التدابير والمعالجات الاجتماعية سيكون رفع الدعم جائزاً. وأضاف أن الإصلاح ليس له توقيت وإنما للضرورة وقال أنا أعتقد أن ضرورة الاقتصاد السوداني تقتضي الرفع التدريجي للدعم مع مراعاة الشرائح الضعيفة. وقال وكيل المالية الأسبق شيخ المك في الندوة التي نظمها المركز العالمي للدراسات الإفريقية في ذات الفترة من العام الماضي إن انفصال جنوب السودان أفقد السودان 375 ألف برميل نفط، وأن أكثر من 80% من الوقود المستهلك حالياً منتج من الحقول المحلية، والدولة لا تستورد الوقود كما يشاع، واقترح سعرين للوقود حال استدعت الحاجة إلى رفع الدعم عنه «سعر مدعوم وسعر غير مدعوم»، ويحدد الأخير للقطاعات الدبلوماسية والمنظمات. توقيت خاطئ: إلا أن الخبير الاقتصادي بروفسور آدم مهدي يرى أن الوقت غير مناسب لتنفيذ سياسة رفع الدعم التدريجي عن المواطن بل ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله "أنا أصلاً لدي رأي في رفع الدعم عن المواطن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية ولا استبعد أن يرفع المواطن تأييده عن النظام إذا أقدم على رفع الدعم مرة أخرى". وقال الصواب أن يؤجل رفع الدعم لأن هناك قضايا تهم المواطن وهناك جبهات قتال مفتوحة يحتاج النظام إلى حشد التأييد لمواجهتها لأن رفع الدعم في ظل هذه الظروف يؤثر سلباً على العاطل والعامل معاً. انتفاضة: وقال الخبير التنموي والسياسي د.الحاج حمد إن السلطة لها حساباتها والمواطن له حسابات أخرى مشيراً إلى أن ميزانية الدولة تتحمل الأن أكثر من طاقتها بسبب الترهل الإداري الذي أملته ظروف الاتفاقيات مع الحركات الحاملة للسلاح التي أدت لتوسع كبير في النظام الإداري بخلق وظائف دستورية وقيام محليات جديدة وغيرها مما جعل المرتبات والأجور تصل إلى 65% من حجم الميزانية ويفترض ألا تتجاوز 10% من إجمالي الميزانية ، ويرى أن رفع الدعم عن المحروقات عبارة عن زيادة ضرائب على المواطنين. وقال إن الحل في ظل مقاطعة اقتصادية وحرمان من القروض وأزمة اقتصادية داخلية يحتاج إلى شجاعة للوصول إلى توافق وطني بغرض تكوين حكومة مصغرة وإعادة هيكلة الدولة مع حكومة إلكترونية والعودة إلى نظام الإدارة البسيط وغير المكلف وهذا يحتاج إلى آلية وطنية تجلس مع كافة الأطراف السياسية لتقليص نظام المحاصصات في السلطة إلى أقل نسبة ممكنة. وقال إن رفع الدعم عن المحروقات في هذه الظروف لا أعتقد أنه من المصلحة ويشجع على انتفاضة الشارع. السوداني