إلى التي عرفتني عراجين اللذة والألم، إلي سيدة الطهر والنقاء.. الرائعة أبداً: خ. 1 – اشتياقات أهمس باسمك بصمت.. وأنادي عليك بجنون. أشتاقكِ بكل ما في الروح من لهفة واشتياق.. وأضمك إلى قلبي كوردة يانعة. أكتبك بأصابع يدك.. ودفء أنفاسك.. وأعلنك أميرة على عرش القصائد.. متوّجة ً بالنجوم ومكلّلة بأزهار اللآلئ. أيتها القريبة.. البعيدة.. الغائبة.. الحاضرة.. الراكضة في براري القلب كغزالة شاردة.. المهاجرة كالأسماك في دورتي الدموية! بحنين لاذع أشتاقك.. وأتذكرك كما لو أنك معي تماماً.. وأنسى أن أنساك يا سيدتي، كعادتي معك دائماً! ويكفي أن يتسلل صوتك إلىّ من غابات النعاس.. وأنتِ تهمسين باسمي.. لأراك – مثلما بالأمس – وجهاً طفوليّ الملامح.. ملائكيّ الابتسامة.. وعينين كنت – وما زلت – أعشق حتى العبادة.. ما تخبّئان من حكايات وألغاز.. وما تعلنان من أغنيات وأشعار.. وتمتلكني رغبة عاصفة أن أميل عليك بقلبي.. وأحتضن قامتك الشامخة.. أن أقبّل يديك وعينيك ورأسك.. وأن أدفن وجهي في غابات شعرك المسترسل. أن أتنفّس أنفاسك.. أن أنزرع حتى في مسامات جلدك! حبك – يا سيدتي – يحاصرني كالريح.. من كل جهات الروح! يحتل أعماقي ويصرخ دائماً بصوتي.. هو من يُعدّ لي قهوتي ويعبّ من دخان شيشتي..! وهو من يحدّد تواريخ سفري وإقامتي. هو من يقلّب أوراقي ويكتب قصائدي.. وهو من يرسم لي أحلامي وغوايات روحي! حُبّكِ – يا حبيبتي – يُعيدني إليّ طفلاً.. فأتمنىّ لو كنت خاتماً باصبعك.. أو سواراً يلتفّ حول معصمك.. أو قلادة تتدلى على سفوح صدرك. أن أكون ظلاً أزرق لأجفانك.. أو شمساً تشرق من صباحات وجهك.. أن أمسح بيدي ما تتركه القهوة من ظل.. على وردة ثغرك، وأن ألتقط بقلبي دمعة ً تسقط من سواد أهدابك. أن أكون الهواء في رئتيك.. والنبض في شرايينك.. وأن أتوحّد بك تماماً.. حتى كما لو أن للقلبين خفقة واحدة! أن أسافر في غابات عينيك وحيداً.. وأن أركض فوق دروب العمر وراءك.. ومن مشرق القلب حتى مغرب الصوت أنادي عليك بجنون تعالي!! 2- إشراقات صوتك الناهض من براري النوم.. القادم من أول إشراقات الصحو.. كيف استطاع، هذا الصباح، أن يتسلّل إليّ.. من خلف أسوار الغياب الشائكة؟ وأن يتوغّل في أعماقي المحتلة.. ويستوطن القلب والأوردة؟ وكيف استطاع – يا سيدتي – أن ينحلّ في شراييني، وأن يمتدّ كقوس قُزح في أعلى سموات عيني، وأن ينثر أزهار الحنان والدفء على شرفات روحي؟ كيف تستطيع أنفاسك – أيتها الحبيبة – أن تبعث في صحراء أيامي القاحلة كل هذا الاخضرار.. وأن تجعل من مآتمي أعياداً، ومن أحزاني فرحاً، وأن تحمل إليّ كل مواكب الربيع وأعراسه؟ كيف تستطيع وشوشاتك الغامضة.. أن تمحو من ذاكرتي كل الأصوات العصيّة على النسيان.. وأن تُتَوّجكِ مليكة ٌ آمرةً، ناهية، على عرش القلب والذاكرة؟ ومع كل إرتعاشة شوق.. أو خفقة قلب.. أتوق لاحتضانك كما لو أنك أمامي.. وأتمنى لو أقطف لك قلادة ً من عناقيد النجوم.. ولآلئ الشموس النادرة! صوتك فاتحة الصلوات.. وخاتمة المراثي.. بكاء كمنجات.. وأنّات نايات مسكونة بلهفة الاشتياق.. وأمطار اللوعة. رفّت عصافير صباحية.. وأسراب فراشات ملوّنة. صوتك قصائد حب بيضاء في زمن السواد والكراهية.. أناشيد براءة في مدينة الزيف والخديعة.. ويكفي أن يتسلل إليّ صوتك – كعادته كل صباح – وأن تهمسي – يا مليكتي – باسمي.. لأعلن كطائر الأساطير – من رماد الصمت قيامتي.. وقيامة الكائنات جميعاً! فإذا بالشمس تتألق أكثر إشراقاً.. ونسائم الصباحات أكثر دفئاً.. وأغاني الأطيار أروع إنشاداً.. وصوت (فيروز) المسافر في براري النجوم أشدّ سحراً.. فلا تتشكّل على يديك قصائدي.. وأن لا تنبت لعصافير الروح أجنحة! أن لا أشرب قهوتي من صباحات عينيك.. وأن لا أقول لوجهك الطفوليّ.. في كل لحظة وفي كل وقت: صباح الخير أيها الملاك الحارس لأحلامي.. صباح الخير! 3- في غيابك... في غيابك أشتاقك.. أشتاقك وأخاف عليك.. يا وحيدتي وحبيبتي.. وسيدتي وطفلتي.. يا وردتي أنتِ.. ويا أميرتي وقصيدتي! أعلم – يا سيدتي – أن لك مزاجية البحور.. وتقلّب الفصول.. وأن لك نَزقَ الأمطار.. وجنون العواصف. لكنني أعلم أيضاً أن روحك بيضاء كغيمة.. وقلبك كتاب مقدّس.. وبأن لك شفافيّة الضوء.. وبراءة العصافير.. و بأنك يا حبيبتي امرأةُ من هديل اليمام.. ووشوشاش الجداول! من أين جئت إليّ.. أيتها المسكونة بالأناشيد والمعبّأة بالقصائد؟! وأين أنتِ الآن.. يا من التَمَعَتْ ابتسامتها كالبرق.. في ظلمة أيامي الحالكة؟ ويا من أشرقت – ذات صباح – في فضاءات الروح.. كأغنية عاشقة؟ يا من استطاعت – كساحرة – أن تختصر كل نساء الأرض.. في امرأة واحدة؟ وإلى أيّ بحار مجهولة.. ستقذفنا، بعد اليوم، رياح هذا الزمن الأعمى؟ * * * في غيابك تتشابه الأيام وتتشابك الأوقات.. ثم تتساقط كأوراق الأشجار.. فوق أرصفة الزمن الخريفيّ الشاحب. في غيابك تُلملم الغيوم أثوابها.. في حقائب الرياح وترحل! والطيور تعلن مواسم الهجرة إلى أصقاع الأرض النائية. تخلع الأشجار قمصانها وتتعرّى من ابتسامات أزهارها. لم تعد الصباحات – في غيابك – تتألّق بالضوء والمباهج.. ولم يعد للأغنيات ذلك الحنين الآسر.. ولا للقهوة ذلك العبق الأسطوري الساحر.. وكل شيء.. كل شيء – في غيابك – باردّ كالموت.. ومُنْكسرٌ كالصدى.. غائم كالدمع.. وحزينٌ كالمطر. * * * في غيابك تتوحّد الروح كشجرة عارية ومهجورة.. في صحاري الضياع والغربة. تتدلّى أنجم الليل كمصابيح مكسورة.. وتتناثر أضواء الشمس كالمرايا المحطمة. تتمطّى الساعات وتتثاءب الثواني.. ويطول اليوم – في غيابك – أكثر من قرن (يا حبيبتي)! * * * كيف لي – بعد اليوم – أن أشقّ بِعَصاي بحر الزمن المتجمّد.. لأقطع صحاري الشوق اللأهبة الممتدّة بيني وبينكِ.. وأصنع معجزة اللقاء بك.. وأنا لست ساحراً.. ولا نبيّاً..؟! أيتها القريبة مني كرصاصة تنام في اللحم تماماً! البعيدة.. البعيدة.. كلآلئ البحور، وأسرار المجرّات الغامضة! ليس هذا زمني – يا سيدتي – كشاعر.. ولا زمنك كامرأة عاشقة وناصعة وطيبة وطاهرة.. هذا زمن المهرّجين (الكبار).. والشعراء الصغار.. زمن الملوك السفّاحين.. والأمراء القتلة! زمن يصادرون فيه الأحلام كالبضائع المهربة.. يغتالون عصافير الذكريات الملونة. زمن ترتحل فيه الأنهار.. وتهاجر الكواكب.. وتتسرطن الأغنيات والقصائد. لكنني.. وبالرغم من كل هذا الخراب والموت.. بالرغم من كل عناقيد الجراحات وأزهار الدم.. أعلن أن حبك أقوى من نيران بنادقهم وخيالات أشباحهم.. وبأن عينيك وحدهما، ما زالتا ملاذي ومأواي وموطني.. وبأنهم سيذهبون – يا حبيبتي – مع الريح لا محالة.. وأما حبك – يا سيدتي – فيمكث في القلب دائماً!. [email protected]