عطفاً على مقالنا السابق هانحن جلوس نتابع عروض المشهد السياسى على إيقاع الطبل ,والراقص المحترف فى هذا العرض هو والى الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين الشهير ب(اللمبى) وهو بارع فى الرقص ومنافس خطير للمبى (سيد الإسم) ,عبد الرحيم يعيد للذاكرة المشهد الروحى الذى غشى النميرى ورهطه وهو يلوذ بالشريعة مهرباً من تدهور الأوضاع بالبلاد على آخر أيام حكمه فخرج على الناس بما عرف إصطلاحاً بقوانين سبتمبر والتى أصابت الشرع فى مقتل بإشراف قضاة برعوا فى تفصيل شريعة تتسق مع مزاجية الراحل نميرى وهوسه, وتحضرنى طرفة تداولها وقتها ظرفاء المدينة تحكى عما دار فى إحدى جلسات النميرى الفقهية فى حضرة مولانا أبو قرون وبعض من قضاة خلافة المسلمين تلك وكان أبو قرون يعمل على رفع قدرات (الريس) الفقهية بمحاضرات وندوات تفض ما إشتبك من معلومات سطحية ومخزون متواضع من علوم الدين لدى النميرى فكان أن تطرق أبو قرون للكحل مستنداً إلى جواز الرسول صلى الله عليه وسلم للكحل وهنا إلتفت النميرى إلى نائبه ورجل المخابرات المعروف عمر محمد الطيب قائلًا:يا عمر بكرة تجى مكحل,فأجابه عمر: يا ريس لو ما لقيت كحل ممكن إتدخن! (ولا حياء فى الدين) ومما يحكى وقتها أن النميرى ورهطه كانوا منشغلين بأمر الخلافة الإسلامية التى لم يبايعهم عليها أحد تماماُ كفرضية ثورة مايو الظافرة بالرغم من أنها أى مايو جاءت على ظهر دبابة لا عبر مسيرة شعبية,المهم ان الشاغل الأكبر كان تمرير قوانين سبتمبر لذلك كانت جرعات المذاكرة عالية ومكثفة لدرجة أنهم كانوا يتدارسونها نهاراُ ويجترونها ليلاً أحلاماً وكوابيساً ومن تلك الأحلام (اللهم اجعله خير) ما أفضى به عمر للنميرى: يا ريس أنا امبارح شفت عمر ابن الخطاب فى المنام, فطلب منه النميرى أوصافه,فقال عمر:اصفر.. تخين ولابس بدلة كاروهات ,فبادره النميرى :ياخى ده عمر الجزلى, وعودة لوالى الخرطوم وفى الأثر مقولته :(لوعثرت بغلة كنت مسؤول منها يوم القيامة), ومن النوائب التى تتنزل على البلاد والعباد لواذ الحاكمينا بالدين بعد خراب مالطا تماما كالشريف فى أفلام (الكابوى) الذى يأتى الى مسرح الجريمة بعد نفاد مخزون الذخيرة بمسدس القاتل ويكون دور الشريف التقاط الجثث فقط لا غير, وتبريره فى ذلك (أن تأتى متاخراً خير من أن لا تأتى), والسيد (اللمبى) يتحمل مسؤولية البغلة بعد أن أعياها التعثر وبعد قيام القيامة وكيف يفسر اللمبى مشهدنا الراهن فى ولاية تفتقر للماء والدواء والكهرباء والمواصلات وقد فر المرء من امه و صاحبته وبنيه وبعد ان أثرت صحافة الخرطوم من اعلانات محاكم الطلاق (للغيبة وعدم الانفاق) والأسرة السودانية فى كرٍ وفر مع القوت, تخرج عن بكرة أبيها (الاب والام والبنين والبنات) (مع النباه وما ضاقلو قوت الفاه) لتؤوب مساءاً يتأبطون حفنة رغيفات لا يكدن يقمن الصلب وبعض طميطمات ,واليوم ها قد تعزز الطماطم(أكل المساكين سابقاً)واليوم أصبحت للاثرياء ومن يستطيع إليها سبيلاُ لتجلس بين صويحباتها من الخضروات الوضيعة وهى تعلن عن مهرها البالغ (40 )جنيها للكيلو منها وأية بغلة من البغال تدعى اقالة عثرتها يا أمير المؤمنين! واية قيامة ترهن سؤالك بها, وهل من قيامة إلا ما نحن فيه من هوان فى ولايتكم لتأجيل سؤال رب العزة والجلال:لو عثرت بغلة كان عبد الرحيم محمد حسين مسؤول عنها يوم القيامة,قامت قيامتك يا (اللمبى) فكيف تجيب بالله عليك؟ ومن بلايا العباد والبلاد ان يأتى الإعتراف بالآثام فى الذمن الضائع بعد أن يقضى الله امراً كان مفعولاً وبعد أن ترفع الأقلام وتجف الصحف,فبدلاً من إضاعة الوالى وقته وإهدار وقتنا بالإمتثال بمأثور القول نوجه له سؤالاً بريئاً..:دعك من البغلة واذا كانت هى مسؤوليتك أمام الله يوم القيامة كما تفضلت فلم لم تسو لها الطريق حتى لا تتعثر؟ فلم لم تحقق فى أزمة المياه التى أحالت البلاد خلال رمضان إلى حالة أشبه بكلب يلهث من العطش ,ولم لم تحقق فى قطوعات الكهرباء وتذبذها التى عطلت أجهزة المساكين الكهربائية ومن المسؤول عن هذه الخسائر امام الله يوم القيامة ,ولم لم تسو الطريق للمركبات العامة العاملة بخطوط مواصلات الولاية لتقل الجيوش الجرارة من المتعبين المنهكين العائدين من المصانع والحقول, ولم لم تحقق فى الدواء الغائب عن مظلة التأمين الصحى فى يومنا هذا يوم لا ظل الاظل الله فى الارض يستجير به النازحين من الولايات بحثاً عن جرعة دواء تشفى سقمهم يدفعون مقابلها تكاليف السفر ذهاباً وإياباً من ولاياتهم إلى الخرطوم وبالعكس والمواصلات بين صيدليات المظلة المزعومة والاقامة يا (شيخ بلا بغلة معاك)..البغلة حشرتوها فى الابريق ومارق تفتش فى السهلة! [email protected]