حتى وقت قريب كان العلاج بالخارج مقتصرا فقط علي الميسورين ماديا، أو الطبقة البرجوازية، حتى وقت قريب كان اصحاب الحظوة والرأسمالية يسافرون طلبا للسياحة والاستجمام و اجراء فحوصات طبية قد تكون روتينية أو قد تكون مستعجلة وضرورية، وهم في سبيل ذلك لا يكترثون كثيرا لعشرات الألوف من الدولارات تذهب للعلاج طالما ان البزنس ماشي، والمال يتدفق من عدة اتجاهات،لكن وفي زمن (القيامة المبكرة بالسودان) أصبح العلاج بالخارج هم جديد للفقراء من أبناء هذا البلد الصابرين المكتوين بجحيم الغلاء والمرض، الذين فقدو الثقة في السياسة الصحية عموما، بعد ان أصبحت مستشفيات الداخل الخاصة لا ترحم المريض حتى وان كان يلفظ أنفاسه الأخيرة مالم يدفع كامل المبلغ المستهدف لعلاجه أو علاج ابنه أو ابنته... الخ في بلد يدين اهله بشريعة الإسلام. هذا باع بيته الذي استظل به زهاء الربع قرن كي يعالج ابنه بالاردن بعد ان فشلت المستشفيات الخاصة بالسودان في علاج ابنه، والمضحك المبكي ان اطباء الاردن لم يكلفهم علاج نفس الابن سوي عشرة ايام فقط، بعد ان اكدو له ان سبب تاخر علاج فلذة كبده مرجعه التشخيصات الخاطئة التالفة التي أجريت. واخر سافر للقاهرة بعد ان اخذ سلفية ضخمة من البنك ورهن بيته كي يعالج زوجته من فشل كلوي اتضح لاحقا بعد التشخيص الخاطئ انها مجرد حصوة في الحالب، واخر باع سيارته ثم استدان مبلغ كبيرا من المال وسافر للخارج كي يعالج ابنته من مشاكل نفسية كانوا يعتقدونه سحر وعين ضربت ابنتهم الجامعية الجميلة واتضح فيما بعد ان سبب المرض هو الإدمان علي المخدرات وهكذا دواليك. وما بين مستشفيات خاصة تنظر للمريض بنهم علي انه فريسة استثمارية يجب التعامل معها بشكل مادي بحت اولا وأخيرا، وبين مستشفيات حكومية تفتقر الي ابسط الف باء البيئة العلاجية المناسبة، حيث تطلب بعض هذه المستشفيات الحكومية من اهل المريض ان يقوموا بتوفير الدواء والحقن والشاش والامصال والماء والاكل من حر مالهم. بين هذا وذاك لم يبقي امام الالاف الاسر السودانية الا ان تفكر بعلاج أبناءهم وافراد أسرهم بالخارج غض النظر عن التكلفة المادية. في راي ان اهم الاسباب التي تؤدي الي التفكير الجدي لهذه الاسر بان تتجه الي الخارج هو ارتفاع تكلفة العلاج بالداخل بالرغم من حدوتة (تحرير فاتورة العلاج) محليا، فاذا كانت عملية القلب وان وجد الأخصائي الشاطر اصلا، تكلف ما بين عشرة الي خمسة عشرة الف دولار بالمستشفيات الخاصة بالخرطوم، فان ذوي المريض يسالون انفسهم لماذا لا نذهب به الي القاهرة أو الاردن أو المجر بذات المبلغ الذي يشمل بعد اجراء العملية الجراحية ايضا نفقات الإعاشة من سكن وطعام؟؟ معظم الذين التقيتهم وهم فرحين حامدين لله علاج ذويهم هي المعاملة الانسانية اللامتنهاية التي وجدوها من الاطباء والممرضين بالمستشفيات الخاصة أو الحكومية بالخارج من ابتسامات واهتمام وفحص وكشف دوري وتلبية طلبات مرضاهم علي وجة السرعة وباريحية متناهية، وهي معاملة افتقروها بشدة في العديد من المستشفيات الخاصة أو الحكومية بالداخل. نحن هنا لا نقصد بطبيعة الحال ان المستشفيات الخاصة بالداخل عليها ان تعالج الناس بالمجاني، بل نقصد ان المبالغة والأنانية في التكسب والربح من البسطاء غض النظر عن مراعاة الجانب الإنساني للمريض امرا غير مقبول، انه ومن غير المنطقي ومن باب العبط ان يكون دخل استشاري اخصائي في اليوم الفين دولار امريكي في اليوووووم وليس الشهر ونفس الاخصائي والاستشاري (مكنكش) في الف جنيه نقصت لمريض لاجراء عملية جراحية!!!!!! وان هناك بعض المستشفيات الخاصة ترفض النظر في حالة المريض المتدهورة ما لم يدفع كامل المبلغ مما يؤدي الي وفاة المريض فورا وفي الحال نتيجة للتعنت والجشع الطمع. مضاف الي هذا وذاك كثرة الأخطاء الطبية وعدم معاقبة الاطباء المتسببين في هذه الكارثة والتسويف والعك والمماطلة في تاخير انزل العقاب، بعد ان هاجرت الكفاءات الطبية المحترمة البلاد. كلامنا هذا غير مطلوق علي عواهنه لكل من يعمل في الجسم الطبي بالسودان، بل نخص به أصحاب الضمائر الميتة من بعض المستشفيات الخاصة وبعض المستشفيات الحكومية والعديد وليس كل الاطباء بالبلد. لهذه الاسباب وغيرها قلت الثقة في الكادر الطبي بالسودان وفي المستشفيات والمراكز الطبية الكثيفة والتي هي عبارة عن مباني فخمة لا اكثر لا اقل الا من رحم الله. اما الذين يروجون للسياحة العلاجية بالسودان فربما يتحدثون عن الغول أو العنقاء أو عن الخل الوفي، في الخواتيم ما لم تتم مراجعة عامة لاداء المستشفيات الخاصة قبل الحكومية، وما لم يتم كشف تجاوزتها وفضحها امام الصحافة والاعلام والاعلام البديل، وما لم يتم النظر بعين الرحمة اولا واخيرا للمريض قبل النظرة المادية الجهنمية، فان قوافل الباحثين عن العلاج بالخارج سيكون طويلا وبلا نهاية، جنبا لجنب مع قوافل شهداء الإهمال الطبي والأخطاء الطبية بالداخل. [email protected]