جابر يفتتح مركز أبوأدم لخدمات الجوازات والسجل المدنى ومركز الترخيص والفحص الآلى    يهدد أراضي 8 دول عربية مشروع"إسرائيل الكبرى"    مساعد الرئيس الروسي: بوتين وترامب يجتمعان في لقاء يحضره المترجمون فقط في ألاسكا    يا(ميدو).. وقع ليك والا أعيدو ليك..؟!    "اللجان المدنية" ترفض بيان مجلس الأمن حول أوضاع السودان    نيالا، المتنبى، وبنات خشم القربة:    مدير عام قوات الجمارك يقف على ترتيبات افتتاح جمارك الحاويات قري    هل يكسر مبابي لعنة الرقم 10 في ريال مدريد؟    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    مدير عام قوات الجمارك يقف على ترتيبات افتتاح جمارك الحاويات قري    شاهد بالفيديو.. قبل الهزيمة المذلة من صقور الجديان برباعية نظيفة.. لاعبو منتخب نيجيريا يغنون ويرقصون في "الممر" أثناء دخولهم ملعب مباراتهم أمام السودان    رئيس الوزراء كامل إدريس يدعو إلى الافتخار بالجيش السوداني وتقدير تضحياته    شاهد بالفيديو.. بعد خروجه من السجن.. مصريون يغنون لقائد فيلق البراء بن مالك في زفة بلدية بالشارع العام: (مصباح أبو زيد يا أبهة انت السيطرة كلها)    شاهد بالصورة.. إدارة مستشفى "الضمان" تصدر بيان تكشف فيه تفاصيل جديدة حول مقتل طبيبتها "روعة" على يد طليقها    بالفيديو.. ظهرت وهي تخاطب احتفال لزملائها.. شاهد مقطع مؤثر يدمي القلوب للطبيبة السودانية "روعة" التي قتلها طليقها مسدداً لها 16 طعنة في حادثة بشعة بمدينة مروي    شاهد بالفيديو.. رفضت النزول.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي حاشد من داخل سيارتها وساخرون: (القونات بقوا بتصرفوا ساي)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة للجدل.. سيدة الأعمال السودانية هبة كايرو تستعرض جمالها على أنغام إحدى أغنيات الفنان حسين الصادق    طعن خالها وتعرض لها بالضرب قبل أيام من جريمته وتوعدها بتهديدات لم تؤخذ بجدية.. تفاصيل جديدة حول مقتل الطبيبة السودانية "روعة" على يد طليقها طعناً بالسكين بمدينة مروي    شاهد بالفيديو.. رفضت النزول.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي حاشد من داخل سيارتها وساخرون: (القونات بقوا بتصرفوا ساي)    مصر تطالب نتنياهو بإيضاحات حول تصريحات "إسرائيل الكبرى"    سان جيرمان يتوج بالسوبر الأوروبي للمرة الأولى في تاريخه    الشرطة تنهي مغامرات العصابة الإجرامية التي نهبت تاجر الذهب بامدرمان    (روفا) : الجوهرة السودانية التي تجعل "صقور الجديان" يتوهجون في بطولة "شان" توتال إنيرجيز 2024    القائد "حمودي" يجدد الولاء للرابطة السليم    السودان وامريكا: لقاء البرهان وبولس    رباعية نظيفة.. كيف تفوق المنتخب السوداني على نيجيريا في الشان    إسرائيل تناقش إعادة توطين فلسطينيين من غزة في جنوب السودان    معاناة محمد صلاح قبل انطلاق الموسم    أكشن في شارع فيصل.. لص يدهس 3 أشخاص وينهي حياة سودانية أثناء الهروب    إرتفاع التمويل الزراعى إلى (59.3) ترليون بالقضارف بزيادة (80%) عن العام الماضي    وفد الادارة العامة للرقابة على شركات صادر الذهب يختتم زيارته للولاية الشمالية    الفاشر تمنحنا شارة إشارقة الغد المأمول    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    حُبّنا لك سوفَ يكُون زَادَك    مصرع وإصابة عشرات المهاجرين بينهم مصريون وسودانيون    شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية "دسيس مان" يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    كارثة تحت الرماد    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة إغتيال الوالي!
نشر في الراكوبة يوم 10 - 08 - 2015

كانت السيارة القديمة تكاد تتفكك الى قطع صغيرة وهي تسابق الريح في الأرض غير الممهدة بين كرمة النزل وأرقو. كانت هناك ثلاث سيارات تسبقها في الطريق لكن صديقنا السائق كرم الله أصر على ان يسبقها جميعا. تصاعدت سحب التراب الناعم مثل الدقيق الى السماء، بفضل عراك السيارة مع نفسها ومع الأرض. بعد قليل، حين سبق السيارة الاولى ،أعلن لى: قول واحد!
قلت واحد فيما ضغط هو (دوّاس) البنزين حتى كاد الموتور يمزّق غطاء الماكينة وينطلق الى الفضاء بدلا من البقاء داخل صندوق العذاب هذا المسمى بوكس موديل 1981. رأيت السيارة الثانية داخل الغبار وتعرفت عليها. حين أعلن : قول اتنين. فرحت أنا ايضا هذه المرة. كانت السيارة الثانية تخص أحد جيراننا. قبل أيام كنت اقود سيارة قديمة إستلفتها من أحد الاصدقاء. توقفت السيارة في منتصف الطريق. ربما لأنها معتادة على ذلك، (ومن خلّى عادته قلّت سعادته) لم تكن العربة القديمة راغبة أن تقل سعادتها، خاصة أن السعادة في تسعينات الانقاذ باتت كائنا غريبا لا يمشى على ساقين، بل يطير بجناحين بعيدا عن الناس وحيواتهم. باتت السعادة سلعة نادرة، أصبحت مثل الغول والعنقاء والخل الوفي. المهم حرنت السيارة. إعتقدت أنها تحتاج لدفرة كعادتها. حيث يبدو أنها أصبحت مدمنة على حكاية الناس بالناس، أو العربات بالناس. حين خرجت من السيارة إكتشفت أن اثنين من عجلاتها كانت فارغة تماما من الهواء المباح، حتى لامس عجل الحديد الأرض وإختلط بالتراب. وقفت محتارا، وفجأة سمعت صوت سيارة قادمة، توقف جارنا جاد الله. كان جارنا مشهورا بطول عضوين مهمين في جسمه: اليد واللسان! توكلت على الله وأخبرته انني بحاجة الى (لستكين)! دهش من حكاية أن يفرغ (لستكان) من الهواء في نفس الوقت! تردد قليلا ثم أعطاني (لستكين) احتياطيين كان يحملهما لحسن الحظ، وهو يتذمر أنه في طريقه الى مشوار بعيد وربما يحتاج الى اللساتك الاسبير. ولمعرفتي بعدم اهتمام صديقنا بمعدات سيارته. استوقفت جارنا جاد الله حتى أبحث عن الرافعة. ومفتاح العجل، وكما توقعت لم أجد لهما أثرا (بعد عين). أحضر جارنا الاشياء المطلوبة وهو يسب ويلعن! ولسوء الحظ كانت سيارته ملأى بالبشر فقد كانوا يتجهون لحضور مناسبة زفاف في مكان ما. أعلن لي بصوت جهوري سمعه كل من في السيارة وفي القرية وهو يغادر: متين تجهزوا عرباتكم قبل تطلعوا مشوار زي الرجال؟ ثم تساءل محتاجين حاجة تاني. نفك ليكم المكنة ولا عندكم؟!
لحسن الحظ كانت توجد ماكينة في السيارة. لا بد أن الماكينة تدخل ضمن تجهيزات (الرجال) لسياراتهم كما أعلن جاد الله. ذات مرة ذهبت مع صديقي لترخيص السيارة. طلب الشرطي أن يرى الماكينة. قبل أن نجازف بفتح الكابوت، بسبب خوفنا من إنكشاف عورة السيارة، أمام شرطي غريب. تصرّف أحد الاصدقاء الذين رافقونا، بدافع الرغبة في (السترة)، (غمت) للشرطي الهميم مبلغا من المال. كان المبلغ قليلا جدا، لكن من قال أن رجال الشرطة طمّاعون؟ الشرطي مثله ومثل أية مواطن قنوع طيب، يرضى بالقليل، كان المبلغ القليل كافيا ليصبح الشرطي، شرطيا أليفا وطيبا. حين رفعنا غطاء الكابوت عن (عورة) السيارة. لم نر شيئا في البداية بسبب الدخان الكثيف، ثم تكشّف المنظر عن حبال ودلاقين تثبّت بقايا ما كان يعرف بالماكينة. إحتار الشرطي في البداية. لم يعرف ان كان ينظر الى ماكينة عربة أم مركب شراعي. وضع يده فوق جيبه حيث العملة الورقية التي تسلمها للتو، كأنه يتأكد انها موجودة ولم تتبخر بفضل التضخم. ثم تساءل وهو ينظر الى الحبال والدلاقين: فراملها شغالة؟
تنهد صديقنا مرتاحا وقال: شغالة زي الكلب! إكتفى الشرطي بالاجابة الكلبية،.يبدو أنه يؤمن بتفوق الكلاب، وأن أي كلب مثلما لديه حاسة شم قوية لديه أيضا فرامل جيدة. قبل أن يشرع قلمه ويضع توقيعه على الورق معلنا بأن كل شئ تمام التمام!
كنت قد سرحت قليلا حين أعلن السائق: قول ثلاثة. نظرت الى الخلف فوجدت العالم يكاد ينهار من فرط فوضى الغبار. بقيت أمامه في المدى سيارة واحدة، كانت تسير مثل الصاروخ، صرخ السائق بصوت أشبه بصوت موتور سيارته. عربيتي قاعد أصرف عليها، لازم هي كمان تديني زي ما أنا بديها!. لم أكن أعرف حتى تلك اللحظة أن السيارات تحفظ الجميل مثل بعض البشر. وأن السيارة حين تهتم (بعمرتها) وزيتها وشرابها. تكافح بكل طاقتها كي تبقيك في المقدمة. بعد مناورة ترابية سريعة أعلن كرم الله: قول أربعة! كنت قد تعبت من القول. فلم أقل شيئا، كأنني أعلم أن نصره سيتبدد سريعا على يد من هو أقوى وأقدر.
أحرز المركز الأول في سباق الغبار . لكن فرحته بنصره الترابي لم تدم طويلا، ففجأة مرقت سيارة مثل السهم بجوارنا. كانت تبدو إحدى عربات الحكومة. قلت وكأنني أحمّسه لمواصلة السباق:
لن تستطيع أن تسبق عربة الحكومة!
فكر قليلا، لابد أنه فكر في الضرائب وفي المشاكل التي يمكن أن تسببها له السلطة. في جرّاره الزراعي غير المرخص. وفي ضرائب الأرض والنخيل التي كان يتهرب من دفعها. سائق العربة الحكومية ايضا ساهم في دفع كرم الله الى التطرف حين أبطأ السرعة قليلا أمامنا حتى يعطينا فرصة أكبر لندفن في أطنان التراب الكثيف الذي كانت تلقيه عجلات سيارتهم فوق عربتنا، حتى إنعدمت الرؤية من أمامنا. كان سائق السيارة الحكومية يمرق كالسهم ثم يبطئ ليغرقنا في الغبار ثم يهرب قبل أن نلحق به. كرم الله كان مترددا، إبتلع في البداية خسارته غير المتوقعة للسباق، لكنه في النهاية حسم أمره وتوكل على الله وأعلن: الحي الله الكاتل الله! قبل أن يضع ثقل قدمه الفيلية فوق دوّاس البنزين، ولولت السيارة وكأنها تعرف مصيرها المحتوم في المعركة غير المتكافئة مع السلطة الإنقلابية!
بسبب ضيق الطريق كان كرم الله مضطرا أن يسير وراء السيارة الحكومية لبعض الوقت، لكن لأنه كان يحفظ الطريق جيدا فقد عرف أن هناك منطقة قادمة سيتسع فيها الطريق قليلا ويمكنه بجهد قليل أن يتجاوز السيارة الحكومية. خاصة وأن سائق السيارة الرسمية بدا مستمتعا بالسير ببطء وإلقاء أطنان الغبار فوقنا. قال كرم الله: هذا كل ما نجده من الحكومة. الغبار والتراب والحقارة!
فجأة وقبل أن يتنبه سائق السيارة الحكومية لاتساع الطريق المفاجئ، مرق كرم الله مثل السهم بجانبه واضعا السيارة في المقدمة. ثم بدأ إنتقامه من السلطة: يبطئ السرعة في الطريق الضيق حتى دفنت السيارة الحكومية في التراب. يتذكر بحقد حين جلد في السوق قبل أشهر بتهمة السكر، ومضايقات رجال الأمن له حتى لا يستخدم جراره الزراعي في حراثة الأرض لأهل القرية، حيث إعتاد على التعامل مع جيرانه الفقراء بالدفع الآجل حتى نهاية الموسم الزراعي، لكن الحكومة أنشأت شركة للخدمات الزراعية وتريد احتكار العمل، واجبار المزارعين على الدفع نقدا لقاء حراثة الأرض ودرس المحاصيل بأسعار باهظة. ولمضايقته ومنعه عن العمل تعرّض للاعتقال والمساءلة حول ترخيص جرّاره الزراعي وأنه لا يدفع ضرائب الجرّار منذ سنوات. شرح لهم أن الجرّار يخص شقيقه الذي يعيش في السعودية وأن شقيقه إعتاد في كل مرة يحضر فيها على دفع الضرائب وتجديد رخصة الجرّار وأنه مجرد وكيل ينفذ طلبات شقيقه، لكن أحدا لم يستمع له وأجبروه على دفع غرامة كبيرة.
كان كرم الله يواصل إنتقامه بلذة وصبر، تسير السيارة بأقل سرعة ممكنة، تعطّل المسئول الحكومي الكبير صاحب الوقت الثمين، وقت كان يكفي لإبرام عدة صفقات، وبيع عدة مؤسسات خاسرة أو غير خاسرة. هذا الوقت الثمين كان كرم الله يبدده عن سابق قصد وتصميم.
فجأة بدأ الشارع يتسع مرة أخرى، زاد كرم الله من سرعة السيارة حتى لا يجد سائق السيارة الأخرى فرصة ليسبقه. لكنه أضطر للتوقف بعد قليل فقد كان الطريق مغلقا بحاجز من سيارات الشرطة! وكانت إشارات الطوارئ الضوئية في سيارات الشرطة تلهث بقوة ملوّنة، توضّح جسامة المشكلة التي تجمعت الشرطة بسببها.
يبدو أن الشرطة باتت تعمل بكفاءة ويقظة تامة. كلما وقع حادث ما يهدد راحة المواطن وأمنه، تنطلق الشرطة فورا وتقيم حواجزها لمنع أية مجرم من الفرار.
مرقت السيارة الاخرى من الحاجز وإنطلقت مثل السهم. أما نحن فقد ذهبنا مع الشرطة. لينتهي سباقنا مع الحكومة. بالتهمة الرهيبة التي لم يحسب لها كرم الله حسابا أثناء صراعه الترابي ضد السلطة: محاولة إغتيال الوالي!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.