تراسيم.. قبل أن تباركوها ياجماعة !! عبد الباقي الظافر كان يوما ممطرا يجعل قيادة السيارة مهمة صعبة لشخص مثلي ترعرع في إقليم جاف صيفا وشتاءً.. فجأة شعرت أن سيارتي ترتجف قليلاً.. تبينت عبر المرآة أن عربتي صدمت في مؤخرتها.. ترجلت لأستطلع الأمر.. يا للهول.. خصمي كان من رجال الشرطة السرية.. هؤلاء يركبون سيارات عادية في مراقبتهم ورصدهم للمخالفات. حسبت أني في مأزق.. هممت بالاعتذار للضابط الأمريكي.. ولكن الرجل عاجلني باعتذار رقيق.. أوضح أنه لم يحسن التقدير.. أردت عندها استخدام منهج (باركوها ياجماعة).. قلت لخصمي إن كان خدشاً طفيفاً سأتولى أمر عربتي.. ولكنه فاجأني بأن القانون يقتضي تقييد الواقعة.. وبالفعل اتصل الرجل بالشرطة.. ما كان له أن يكون خصما وحكماً.. جاءت الشرطة على وجه السرعة.. شرطي وشرطية.. سمعا لأقوالي وخصمي.. ثم وجهاني لشركة التأمين التي ستتولى صيانة عربتي. أمس الأول كانت شوارع الخرطوم تحكي عن واقعة تحمل ذات العنوان وتختلف في التفاصيل.. أحد أفراد شرطة المرور كان يقوم بواجبه.. الشرطي يلمح سائقاً يتحدث في الهاتف ولا يرتدي حزام الأمان.. الشرطي أوقف الرجل المخالف.. لسوء الحظ كان صاحب المخالفة ضابطاً عظيماً في مؤسسة عسكرية غير الشرطة.. شاهد عيان يروي الوقائع للزميلة آخر لحظة.. الضابط الكبير يبتدر المعركة بالسباب.. ثم يشرع في اعتداء عنيف حين يسحب بعربته الشرطي المسكين نحو خمسة عشر مترا.. انتهى الأمر إلى مخافر الشرطة ونقل الشرطي الجريح إلى أقرب مشفى لتلقي العلاج. قبل أسابيع مضت حدث سيناريو يحمل ذات المضامين.. ضابط شرطة كان يؤدي واجبه في أحد شوارع الخرطوم.. الضابط لمح سيارة تسير في الاتجاه الخاطئ تماما.. أخبر السائق أن هذا طريق لاتجاه واحد.. السائق لم يستجب لتعليمات الشرطي.. عندما توغل الرجل في الشارع اكتشف استحالة مواصلة السير.. ارتد السائق إلى ناحية ضابط الشرطة مشهرا بطاقة وكيل نيابة.. انتهت الواقعة أيضا باشتباك يدوي ولفظي. كنا في السابق نطلب من أهل القانون الإحسان لهذا الشعب.. ولكننا الآن نطلب من رفقاء تطبيق القانون أن يستوصوا بزملائهم خيرا.. من ينتسب لمؤسسة عسكرية ويسيء استخدام السلطة في وجه زملائه.. ومن يفترض فيه حراسة القانون يرى أن (اليد) أصدق إنباء من الكتب.. فيأخذ حقه بذراعه القوي غير آبه للقانون.. لا أعتقد أن هؤلاء يمكن أن يحسنوا معاملة أهل السودان في أي زمان وأي مكان. أعتقد أننا مطلوب منا أن نهتم لهذه الممارسات الغريبة ولا نعدها حوادث فردية.. الحصيلة الإجمالية تقول إن هنالك تجاوزات كثيرة قام بها عسكريون ضد ملكية.. الأستاذ غازي سليمان المحامي المعروف أقر أنه قاد أربعة من منتسبي الأمن العام إلى المقصلة.. دفاتر الشرطة رصدت عشرات الانتهاكات التي حدثت في الأماكن التي يلوذ بها الناس بحثا عن العدالة. المطلوب الآن وبأعجل ما تيسر تقديم جرعات تدريبية مكثفة للعاملين في الحقل الذي يوفر حصانات لمنتسبيه.. جرعات تركز على كيفية التعامل مع المواطن العادي.. تحدد بشكل قاطع أين تنتهي مسؤولية رجل القانون.. ثم يتبع ذلك إعداد تشريعات صارمة تحاسب المخطئين.. وشفافية تجعل المخطىء عبرة لمن تسول له نفسه انتهاك القانون الذي هو أحد حماته. التيار