كتبت من قبل منتقدا ضعف الصناعة الدوائية في السودان.. زاعما.. أي والله زاعما.. أن الصناعة الدوائية في البلاد لا تتجاوز تغطيتها ثلث احتياجات السوق المحلي.. وكنت أسيرا لمعلومات رائجة في هذا المجال يروج لها أصحاب مصلحة في تكبيل الصناعة الدوائية إن لم يكن تحطيمها.. حتى تلقيت رسالة مكثفة المعلومات من الدكتور أحمد البدوي محمد الأمين حامد.. بصفته رئيسا لشعبة الصناعات الدوائية باتحاد أصحاب العمل.. رسالة قلبت قناعتي رأسا على عقب.. لا بما حملت من معلومات حول موقف الإنتاج الوطني الدوائي وحسب.. بل لثقة في الرجل تمتد لعشرات السنين.. من موقعه مديرا عاما وأحد المالكين لمصنع أميفارما للأدوية.. كان من أهم ما قاله دكتور البدوي في رسالته تلك.. إنه صحيح أن الصناعات الدوائية الوطنية تحصل فقط على ثلث المخصص من العملات الصعبة لقطاع الدواء.. ولكنها تستحوذ على نحو خمسة وستين في المائة من السوق المحلي.. أي أن الصناعة الدوائية الوطنية تغطي ثلثي احتياجات السوق المحلي من الأدوية بثلث العملة الصعبة المخصصة للقطاع.. وهذا يعني أن الاستيراد الذي يستحوذ على ثلثي حجم العملة الصعبة يغطي فقط ثلث احتياجات السوق المحلي.. فيا لها من قسمة ضيزى..! وأنا أتأمل في هذا المشهد عادت بي الذاكرة إلى نحو عامين.. حين تكشفت معلومات تؤكد أنه وفي ذلك العام فإن نحو أربعين في المائة من العملات الصعبة المخصصة للدواء قد ذهبت لاستيراد مستحضرات تجميل.. أي نعم.. وإن شئت الدقة.. فقل مواد غير الأدوية.. والمواطن يستقطع من قوت يومه.. والدولة تستقطع من مواردها الشحيحة أيضا.. بدعوى استيراد أدوية.. لينتهي المشهد في نهايته باستجلاب مستحضرات تجميل..! تذكرت كل ذلك وأنا أدلف صباح أمس إلى داخل مصانع أميفارما للأدوية بالخرطوم بحري.. رفقة الأستاذة سمية إدريس أكد وزيرة الدولة للصحة.. للوقوف على أداء المصنع.. أو بالأحرى على قدرات الصناعة الوطنية ومدى جاهزيته لتلبية احتياجات المواطن.. فماذا وجدنا..؟ وجدنا مصنعا مكتملا.. بدءا من بيئة العمل.. ومرورا بالمعدات.. والكادر البشري الوطني المؤهل.. وانتهاء بأقسام الضبط والمراقبة.. بدءا من معمل ضبط الجودة الذي اتضح أنه يعادل نحو خمسة أضعاف كفاءة وقدرات المعمل المركزي السوداني.. وقسم معايرة الأجهزة.. رأينا ماكينات تنتج ألفي قرص في الدقيقة الواحدة.. ورأينا ماكينات تنتج ألف زجاجة لتعبئة الدواء في الساعة بجملة تسع ماكينات وتعمل لمدة أربع وعشرين ساعة.. رأينا وحدات لمعالجة المياه تنتج خمسة عشر ألف لتر في اليوم.. وأخيرا رأينا مصنعا ينتج ستة وثمانين صنفا من مختلف أنواع الأدوية.. مسجلة ويجري إنتاجها بانتظام.. كما لديه خمسة عشر صنفا آخر قيد التسجيل.. طال أمد انتظارها دون أن يشرح أحد شيئا..! أميفارما مثله مثل عدد مقدر من المصانع الوطنية تعمل في صمت.. ولكن في عزيمة.. والمفاجأة.. وعلى ذكر التسجيل.. أن مجلس الأدوية والسموم.. يمارس أقسى أنواع (التلتلة) لهذه المصانع.. وأميفارما واحد منها.. ولو استمعت لجانب من قصص (التلتلة) هذه لأيقنت أن جهة ما تعمل جاهدة لإجهاض أي محاولة لدعم الصناعة الوطنية أو تشجيعها.. حتى رددت في سري وأنا أتجول.. فليذهب المجلس إلى الجحيم ولتبق الصناعة الوطنية.. إضافة حقيقية.. الوزيرة سمية اعتبرت يوم أمس يوما فاصلا في تاريخها الشخصي وتاريخ وزارتها متعهدة بأن تدعم الإنتاج الدوائي الوطني بكل ما تستطيع من عزم واعتبرت ما رأته وما تراه في الأسابيع القادمة.. جولات مقترحة.. هدية القطاع الدوائي الوطني لوزير المالية لجهة ما يمكن أن توفره من عملات صعبة اليوم التالي