نفهم ان تصاحب ارزاق بعض الناس (المحقة ) . أي انك تجد شخصان (كلاهما مستقيم ) لهما نفس الدخل ولكن تجد احدهما دائما في اعسار وما يخرج من مديونية وإلا دخل في سلفية بنكية اكبر من السابقة , بينما تجد الآخر في حالة مستقرة ولا يميل للديون ولا المظاهر . الاول رزقه ممحوق والآخر في رزقه بركة . هذا ممكن ومقبول في حياة الافراد حيث لا توجد وزارات من مهامها ترتيب امر الدخل والصرف بطريقة علمية , لكنه امر مستغرب ان ينطبق على الدول . السودان واثيوبيا نموذجين للرجل الاول والثاني . السودان منتج للنفط والمعادن والذهب ومستفيد من عبور نفط الجنوب وينتج السكر والقمح والذرة واللحوم .... الخ وسكانه خمسة وثلاثون مليون ... اثيوبيا لا تنتج أي من الذي ينتجه السودان اللهم إلا ثروة حيوانية وقليل من الحبوب التي لا تكفي الانفجار السكاني ..... انفجار يجعل الخطط التنموية في غاية الصعوبة . رقم ذلك فأثيوبيا مستقرة اقتصاديا وتحقق نموا والسودان يلهث لتوفير الغاز والدقيق ( يسابق الزمن ... الباخرة في الميناء .... الباخرة انزلت حمولتها ) .... انه قانون المحقة والبركة .... البركة تعادل حسن التدبير والشفافية والعدل ومع المحقة الفساد والمحسوبية . اثيوبيا كانت تتميز علينا فقط بتصدير عاملات المنازل ولكن الآن ( ما فيش حد احسن من حد ) , نحن ايضا نصدر عاملات المنازل وبشهادات علمية عليا . طالعتنا الصحف في الايام السابقة بعناوين تفيد نية البرلمان تبني قانون يؤمن على ملكية الاراضي للدولة . استنفدت الدولة عندنا كل الموارد والأراضي ولم يبق ( لنوام ) البرلمان إلا البحث عن قانون يجيز للدولة الاستيلاء على ارض الشعب وتسليمها ( لوزارة مصطفى عثمان اسماعيل – سابقا طبعا ) ... لم يكفيهم ولم يخجلوا على كل الذي باعوه من ممتلكات الشعب وأصوله القيمة وبثمن بخس . سمعت احدهم يقول : ( لا يهم من يملك مشروع الجزيرة ؟ ولكن المهم ان يكون مشروعا عالميا رائدا وقادرا على التشغيل وتنمية المنطقة وان يكون مشروعا ضمن اقتصاد السوق العالمي ) . اقول له ولكل من يدس السم في الدسم : مهم جدا ومصيري ومسألة موت وحياة ان يتملك مشروع الجزيرة غير المزارعين القاطنين فيه , الذين ارتبطوا بهذه الارض لمدة قرن من الزمان ( عمر المشروع ) وزرعوها بالأمطار قبل مئات السنين ..... ظلوا يزرعونها قبل المشروع حيث كانوا يزرعونها بالأمطار (الذرة الفتريتا ) . اذن هي ارضهم ومعظمها كان ملك حر والبقية ملكية منفعة , ما تم بيعه في عهد الاستعمار او في عهد الحكومات الوطنية بما فيها الانقاذ لا يعتد به كبيع وهو بيع غير ملزم وغير معترف به من المزارعين كونه خدعه واستغلال للفقر والجهل . مهما يكن من امر فهي ارضهم كملكية منفعة وملك حر . وزع الانجليز ارض المشروع حسب معايير عادلة لتحقق منفعة للدولة وللذين يقطنون تلك المنطقة حيث لا مصدر رزق لهم غير ارضهم تلك . تم التوزيع كالآتي 1/ المالك 2/ الزارع / المقيم في المنطقة وقت تسوية الاراضي 4/ الحاضر من كل السودانيين وقت توزيع الاراضي . وبعد ممارسة الزراعة وفلاحة تلك الارض اصبح الكل متساوون في الملكية والمنفعة . دفع المزارعون من خلال القطن ثمن قنوات الري والسكك الحديدية وتسوية الارضي ومباني التفاتيش والاقسام والادارة .... أي كل الاصول والتي بيع اغلبها في عهد الحكم الرشيد هذا . ومن هنا وقبل هنا يظل المشروع ملك لهؤلاء المزارعين ... على السادة (النوام ) وحكومتهم ألا ينسجوا مقارنة بين مشروع الجزيرة والأراضي الصحراوية التي لم يدفع احد ثمنها من عرقه ودمه ......ومنذ قيام المشروع وحتى يومنا هذا ظل المزارع على ارضه يزرعها ويسقيها من عرقه ودمه ... مات الاجداد ومن بعدهم جيل الاباء والأبناء .... الآن عليها الجيل الرابع . الحواشة وقبل ان تكون مصدر رزق فهي هوية وجنسية وبطاقة تعريف وسيرة ذاتية . المشروع والجزيرة هما قومية اهل الجزيرة وقبيلتهم عندما يتنادى اهل السودان بقبائلهم وهم في ذلك يؤكدون انتماء للوطن الكبير انتماء لا تشوبه شائبة . وهم يعلمون ان التمسك بالأرض الزراعية طيلة هذا الزمن قد حرمهم من الولوج لاقتصاد المدن ( التجارة والحرف والمهن ) وأيضا حرمهم من الهجرة للعواصم وامتلاك اراض المدن . فبعد كل هذه التضحيات والحرمان من مصادر الدخل الاخرى تنزع منهم الارض وتعطى للمستثمر الاجنبي وشريكه الوطني والذين هم معروفون بالضرورة لأهل الجزيرة . المهم في الامر ان الحواشة لا تختلف عن قطعة الارض التي منحت للذين قدموا للمدن كعمال وحرفيين وصغار موظفين عبر الخطط الاسكانية المتتالية وبعضها عبر العشوائيات . لا زلت اذكر القصص التي يحكيها لي اصدقائي من ابناء المدن عن اليوم الذي اتاهم فيه والدهم ويحمل بطيخة كبيرة او لفافة باسطة احتفالا وشكرا للحظ الذي هدى انامله لاختيار الورقة ( المليانة بدل الفاضية ) والتي تعني قطعة ارض . ولا احد يستنكر عليهم ذلك فهم عمال وموظفين يقدمون خدمات للوطن ومنهم العامل والموظف والمعلم والشرطي والممرض والكاتب . اعتقد لأهل الجزيرة الحق في اراضيهم الزراعية مثلما لسكان المدن الحق في منازلهم تلك التي شيدوها على الاراضي (ملكية المنفعة) . ظل اهل الجزيرة يفلحون تلك الاراضي حارمين انفسهم من خدمات المدن وامتيازاتها الكثيرة , ينتجون الغذاء للمدن وتدفع لهم المدن المقابل المادي حيث طبيعة الحياة تبادل المنافع . ان وافق سكان المدن على تسليم منازلهم للدولة لتتصرف فيها وتسلمها للمستثمر الاجنبي ليقيم عليها ( الفنادق والمتاجر والشركات والمولات والكافتيريات وحتى الحلويات الشامية وربما بابا غنوج او الفطيرة بالزعتر ) .... أليس بعض الاستثمار الاجنبي ينحو هذا المنحى ؟.... مسخررررة . ليس مهم من يحكم السودان من السودانيين وليس مهم ألا يجد اهل الجزيرة نصيب في الحكم ( وهذا واقع ) .... كل ذلك لا يختبر حلم اهل الجزيرة وعقلانيتهم وروح التسامح ... اما ارض المشروع فهي اختبار كرامة ومصادرة للحياة .... ولن ينجح احد في اختبار الكرامة او القبول بالموت اختيارا . ختاما نقول لحكومتنا ونوامنا : البلد لا تنقصها شروخ وطنية وأهل الجزيرة حافظوا على اعلى مستوى من الوطنية متجاوزين عن النقص والتدهور المريع الذي اصاب الخدمات جميعها في الولاية مدنا وأريافا ... تدهور جعلها الاقل والأدنى في السودان لمن ينظر بعين العدل والحياد والموضوعية .... ما الذي اضيف للجزيرة خلال ستة وعشرون عاما ؟ مدارس الاساس المنشاة من ( الطين ) والتي شيدت بالعون الذاتي في بداية عهد مايو ما زالت كما هي .... تقلق ابوابها في شهر اغسطس وسبتمبر حفاظا على ارواح التلاميذ .... [email protected]