هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استاذ الاجيال النصرى حمزه (عليه الرحمة فى الفردوس الاعلى)
نشر في الراكوبة يوم 05 - 10 - 2015


معلم الاجيال العزيز الراحل النصرى افندى حمزه
خمسة واربعون عاما انقضت منذ ان تنادى قدامى خريجى الصرح الشامخ ملبين نداء اخوتهم وابنائهم طلاب حنتوب وهيئة التدريس فيها لتحقيق حلم الاحتفال باليوبيل الفضى الى واقع معاش ولقاء قدامى معلميهم فى ذلك المكان الطيب الذى تركوا فيه من بعد عيشهم فى كنفه ازهى ايام حياتهم من الآثار والبصمات اخلدها وابقاها فى النفوس والوجدان.وتحت قيادة معلم الاجيال الاستاذالامين كعورّه (حفظه الله ومتعه بالمزيد من الصحة والعافية ) وبفضل تعاون المعلمين وجهود الطلاب والعاملين واهل حنتوب الغر الميامين الابرارتكللت جميع المساعى بالنجاح الكامل ف" على قدر اهل العزم تاتى العزائم" وقام الاحتفال فى موعده المحدد والتقينا..نحن قدامى الخريجين بقدامى معلمينا الاخيارمع التابعين من الاجيال رغم كل التحديات وبعض المتاريس التى حاول البعض وضعها فى الطريق قولا وافتعالا بهدف افشال المسعى وقطع الطريق امام تنفيذ فكرة الاحتفال ظنأ ان خريجى حنتوب وطلابها لم يكن لهم هدف من ذلك الاحتفال الا التقرب لثورة مايوممثلة فى شخص جعفرنميرى (احد ابناء حنتوب) وما دروا ان ما دار بخلدهم (ان بعض الظن اثم) لم يكن له مكان فى ذهن اى فرد ولم يخطرعلى بال اى مجموعة ممن كانوا يعملون على انجاح الفكرة ووصولها الى منتهاها المنشود. اذ كانت عودة قدامى المعلمين ولقاء طلابهم فى ارجاء المكان الزاهى الجميل والوقوف اجلالا واكبارا لهم تعبيراعما قدموه من علم نافع وهداية وارشاد كان الهدف الاوحد والاسمى من اقامة الاحتفالية ومن الاحتفاء بهم. وليت من كنا نسمع منهم عبارات السخرية من فكرة الاحتفال والتقليل من جهود خريجى ومعلمى الصرح الكبير وحماسة طلابه لآنجاح الاحتفال ودون ان ننكأ جراحا اندملت والحمدلله اونجترما راح وانطوى من ماض"اسمو الكان"لكنا ابلغناهم واعدنا على اسماعهم ما كان يفترض ان يكونوا على علم به ان كانوا من المؤمنين حقا برسالة التعليم وبمعرفة مدى بقاء آثار المعلمين وامتدادها فى اغوارالابدية وابعاد اللانهائيه وما بعدهما..و لوعلموا او تذكروا ان سحرالامكنة لآيكتمل وتبقى ذكراها فى النفوس والوجدان عبر الزمان الآ بما قام به من عمروا تلك الامكنه واستعمروها حقيقة ومجازا..وهم المعلمون ألأوائل الذين وفدوا الى الصرح الشامخ فى ايامه الاولى الذين استحقوا ان يطلق عليهم اسم "ألآباء المؤسسون - الفاوندينق فاظرز" الذين حملوا رايات التعليم والتربية طوال حياتهم والتى كلما رفعوهاعالية خفاقة غى كل زمان ومكان ازدانت المؤسسات التعليميه وازدادت حنتوب بهم سموا وهيبة ومكانة وعلوا وارتفاعا. ولحدثناهم ان الحقيقة التى لا مراء فيها ان ذكرى كل لحظة قضاها كل من اسعدته الايام بالعمل او الدراسة فى حنتوب او حتى الزيارة العابره لهى لحظات باقيات فى وجدانهم ولتجدنّ اعناقهم تشرئب شرقا بهاوتذكرا لماضى عهودهم فيها كلما جاء تذكار اسم حنتوب فى وجودهم. ولأعدنا على مسامع هؤلاء واولئك كلمات معلم الاجيال العزيز الراحل – احمد محمد سعد- الذى صاغ بلغة الضاد الكلمات ألأسكوتلنديه المصاحبة للحن الوداع الخالد المميزالموحّد فى كل انحاء العالم والمعبّرعن وفاء بنى الانسان للايام التى سعدوا فيها بلقائهم بعضهم البعض وعن العلاقات الازلية الممتدة بين الناس .. ذلك اللحن الفريد الذى وضع موسيقاه الخالده الموسيقار الاسكوتلندى والشاعرالمتفرّد روبرت بيرنز: "هل ننسى اياما مضت هل ننسى ذكراها 000 هل ننسى اياما مضت مرحا قضيناها... ومن اجل ايام مضت من اجل ذكراها000 فلنرفعن اعلام الوفاء لذكراها... كم فرحنا وكم طربنا اذ طويناها000 ايام انس زاهيات كيف ننساها"و لسان حال ابناء حنتوب الذين سعدوا بتدريس الاستاذ احمد محمد سعد(عليه الرحمة فى الفردوس الاعلى)الى كلماته بعد استماحته العذريضيفون ("كم من علوم وتجارب على ايديكم تلقيناها 000وكم من وافرمعارفكم ووآثاركم تتبعناها").
ولعل فيما سبق ان سطرته عن الصرح الشامخ من ذكريات شملت بعض اشراقات من سعدنا بلقائهم فى ارجائه..معلمين وعاملين ورفاق درب فضلا عن وصف البيئة التعليمية التربوية الفريدة مما ظلت تختزنه ذاكرتى عن المكان الطيب فى قديم عهوده الزاهية آملا ان اكون قد ساهمت بجهد المقل فى حفزالاخوة والابناء من التابعين من الاجيال للانطلاق نحو اكمال الصورة واستعادة الذكرى لماض كانت ايامه بكل المقاييس وافرة الاشراق لمسارالتعليم فى عهوده الزاهية الجميلة .لكن قبل ان اتوقف عن الارسال تاركا المجال لغيرى وانى لعلى يقين انكم ايها الاحباب بما ستجدونه منهم – ان شاء الله - فى ذكريات من سيشمرون عن سواعدهم ويسجلون انطباعاتهم عن حنتوب ما بعد عام 1952اوعن غيرها من المؤسسات التربويه المزيد مما هو الاكثر ابداعاوامتاعا واثلاجا للصدوروانطلاقا فى آفاق الحياة الرحبه بطبيعة الحال ما طللت استرجعه من ذكريات لم تكن وقائعها قد جاءت من فراغ فهى بلا شك حدثت بفعل فاعل وفاعلين كانت لهم الرغبة وعندهم المهارات لتفعيلها وتاصيلها فى النفوس لتبقى.. ولا يمكن لى ان اتوقف دون تذكارسيرة الكبارمن الآباء المؤسسين - الفاوندنق فاظرز" اصحاب الفضل .. واضعى الاسس ..حداة الركب المشرفين على كل ما تحقق فى حنتوب وفى غيرها من نجاحات عبرالسنين سواء عندما كانوا يتولون مواقع المسؤولية المباشرة او بعد مغادرتهم وتخليهم عنها حسب سنة الحياة فلن تدوم الارض او تبقى السماء.. وذلك بما كان لديهم من حسن التدبيرو"الدباره" منذ الايام الاولى.."دبارة " شملت المشورة واتساع دائرة المشاركه وبث الثقة فى نفوس المعلمين وشحذ الهمم وغرس روح المبادرة ومواجهة التحديات ومقابلة الصعوبات بوجه باش دون شكوى من المتاعب (حسما تعلمناه وقرفى اذهاننا من اول بنود قانون الكشافه)فضلاعما فاض من مشاعرالابوّة الصادقة لصغار المعلمين والطلاب والاخوّة الكريمة للكبار منهم ووضوح الرؤية والتجرد ونكران الذات والرغبة الصادقة فى العمل فى مجال التربية والتعليم وبين الطلاب وبما قر فى دواخلهم من روح التعامل الانسانى المتميزمع ذلك المزيج من اعراق وتقافات وخلفيات المعلمين والطلاب المتعددة فكان الانصهارالتام والتآخى الفريد والوداد الذى عم كل ارجاء حنتوب وكانت بحق "اليونيتى فى الدايفيرسيتى" فى اسمى معانيها. فما اجتمع اثنان من خريجيها الآ وكانت حنتوب ثالثتهما.. كانت على الدوام هى القاسم المشترك الاعظم بين كل "الحنتوبيانز" فى كل زمان ومكان وقد كنا شهود عيان ابّان فترة دراستنا فى جامعة الخرطوم ان مجرّد تذكار اسم حنتوب دون غيرها من اخواتها( سواءالتى برزت من قرابها او ذلك الصرح الذى فى ربوة كثيب اجمعت انوارو) كان كافيا لآرتفاع امواج الود والاخاء بين الحاضرين وللقضاء على اى نزاع فكرى او عقائدى ينشب بين طلاب الجامعه حتى ياتيهم الخبراليقين و قد علموا امر"حنتوبيتهم " وحالما تتبين حقيقة انتمائهم للصرح العظيم فى اى وقت من الاوقات الآ وتذوب كتل جليد التخاصم بين المتنازعين ويعود الصفاء ويتمدد .فاشكر كل الشكر لكل من كان له دورفى خلق تلك البيئة المعافاة من ألأحقاد المليئة بروح التلاحم والاخاء والمحبة بين تلك الاجيال من ابناء السودان.. فالى سيرة معلم (كاد ان يكون من اولى العزم من الرسل )وقد عرف بين زملائه من قدامى المعلمين وبين من سعدوا بالعمل معه من المحدثين من المعلمين الذين كان الكثيرون منهم فى سن ابنائه وزملاء درب ومهنة لواحد منهم الى جانب من ابتهجوا بالدراسة تحت رعايته فى الخور الخصيب حيث انعقد له لواء قياداة العملية التربويه وسعدوا بالكثيرمن اشراقاته قولا وفعلا.. هومعلم الاجيال..ووالد الناس اجمعين.. المرحوم باذن الله النصرى افندى حمزه.
انتقل معلم الاجيال الى حنتوب نئبا للناظر خلفا لاستاذ الاجيال احمد محمد صالح فى اواخرعام 1947 (رحم الله المعلمين الجليلين فى الفردوس الاعلى) من بعد عطاء ثر ومتميز.. تدريسا وادارة فى المدارس الوسطى اولا و فى كلية غردون الى ان سعدت حنتوب بمقدمه مواصلا البذل والهداية والارشاد.. فكان الساعد الايمن للمستر براون خلال العامين اللذين قضاهما فى حنتوب الى ان تم اختياره كاول معلم سودانى لقيادة العمل التربوى فى مدرسة ثانوية.. فقامت وتقدمت وسمت خورطقت على اكتافه صرحا تعليميا متميزا من بداية عهدها الزاهى اعتبارا من اول عام 1950. كان اول لقاء لنا به فى حنتوب فى الصباح الباكرمن اليوم الاول لجلوسنا لآمتحانات الدخول للمرحلة الثانوية فى منتصف شهرديسمبرمن عام 1948. كان يرتدى بنطالا من "الكاكى" وقميصا افرنجيا ذا اكمام قصارمن قماش "الدموريه" وينتعل مركوبا مثل الذى ينتعله السودانيون مع الجلابية والعمامه.اعتلى مسرح حنتوب مرحبا بمن صحبنا من معلمينا وبنا نحن تلاميذ روابع مدرستي مدينة ودمدنى الاهلية والاميريه المتوسطتين بعد ان جاهدنا انفسنا للعبورعلى الرفاص الى حنتوب فى ذلك الصباح الباكر. حدثنا حديث الأب لابنائه مهوّناعلينا اداء الامتحان راجيا ومتمنيا لنا التوفيق والنجاح ومن ثم القبول فى حنتوب باذن الله.وفى نبرات واضحة بلسان عربى دارج وبسيط شرح لنا مواقع جلوسنا داخل القاعه الى جانب تنويرنا عن مواقع اداء الامتحان الشفهى ظهيرة ايام الامتحان محذرا ومكررا تحذيره الآنبتعد عن محيط قاعة الامتحانات الذى يتوسط مبانى المدرسة (بعد انتهاء فترة كل امتحان)اومغادرة داخلية دقنه التى تم تخصيصها لبقاء من كان عليهم اداء الامتحان الشفهى بعد تناولهم وجبة الغداء الى حين موعد لقاء كل مجموعة بمن حدد اسماءهم للقائهم من معلمى حنتوب.رحم الله الاستاذ الجليل فقد ادخل السكينة فى قلوبنا وافاض فى نفوسنا اقدارا من الثقة وفيرة كنا فى حاجة ماسة لها.تساءلنا فيما بيننا وسألنا احد معلمينا عمن يكون الرجل فجاءتنا الاجابة انه هوالاستاذ النصرى حمزه - نائب ناظرحنتوب وكبيرمراقبى الامتحان.فى ظهيرة ذلك اليوم الاول كان لى معه لقاء فى مكتبه لأداء الامتحان الشفهى.. ورغم انه خلال فترة الامتحان لم يكن يجلس على كرسى نائب الناظرفقد اخلاه للمسترويرسويك الذى كان يشاركه اجراء الامتحان الشفاهى لتلاميذ القسم الشرقى من المدرسة الاهليه. كان كل ما سألنى عنه معلم الاجيال فى تلك الظهيرة كان عن الوالد (الذى علمت فيما بعد ان جمعت بينهما كلية غردون فى اواخرعشرينات القرن المنصرم )وعن موقع عمله فى ذلك الزمان وطلب منى ابلاغه اعطر تحاياه حين لقائه لماعلم انه يواصل عمله فى مصلحة المالية بالخرطوم. وتواصل لقاؤه بشخصى الضعيف مرة اخرى فى صبيحة الثانى من فبراير عام 1949 عند مدخل ذات المكتب حيث اديت الامتحان الشفهى قبل اسابيع قلائل. كان ذلك اللقاء عندما جئت حنتوب لآول مرة وانا واحد من طلاب الدفعة السابعة من خريجى الصرح الكبيرفى ديسمبر1952.وتشاء الاقدارلى ان اجلس على كرسى معلم الاجيال داخل ذات المكتب من بعد ثمانية عشرعاما من اكمالى الدراسة فى الصرح العظيم(1970).خلال العام الوحيد 1949 الذى سعدنا برؤية الاستاذ صباح كل يوم على مسرح حنتوب يتقدم زملاءه المعلمين لحضور"ألاسيمبلى" او عند اعتلائه منصة الخطابة فى غياب المستر براون عن المدرسة لسبب او لآخر.. مثلما سعدنا بتدريسه لنا شيئا من مادة العلوم فى فترات غياب السنى افندى عباس لبعض الوقت فى وزارة المعارف بالخرطوم. عرفنا فى الاستاذ بساطة المظهروعمق المخبر مع الحكمة وفصل الخطاب فى اقواله وافعاله التى كانت بقدر ما تتسم به بالحزم كانت تصاحبها ابتسامة ابوية على الدوام تسبق عباراته التى كان يجمع فى حناياها اللغة العربية الدارجة بالانجليزية فتزيد نبرات صوته بالانجليزية العربية حلاوة وطلاوه وظللنا دواما نشهده -غادياالى المدرسة صباحا او رائحا عند الظهيرة - يسير فى اطراق وتأمل مثلما كنا نراه داخل قاعة الطعام متفقدا انحاء المكان واداء العاملين او يحادث عبدالرحمن هبانى المشرف على المكان.
مهما حاولت الحديث عن استاذ الاجيال لن اوفيه حقه ولن اتمكن من الاسترسال فى وصف"كاريزميته"وما كان يحيط بشخصه من وقاركان له فعل السحرتاثيرا مباشراعلى مجريات العمل التربوى وعلى تعامله مع زملائه المعلمين ممن كانوازملاء مهنة له فى كلية غردون او ممن كانوا زملاء جيل ورفاق دراسة لابنائه الكبارحقيقة ومجازا..اوعلى طلابه مثلما افاض النطاسى البارع والاديب المتفرد الدكتور موسى عبدالله حامد الذى كان اكثرالتصاقا ومعرفة بمعلم الاجيال مدة اربع سنوات(1950 – 1953)..هى فترة تولّى الاستاذ الكبيرقيادة العمل التربوى فى الصرح الشامخ– خورطقت - التى انطلقت فى الآفاق على اسس تربوية راسخة "من يوم بزوغ نجمها"وهى يصارع طلابها القادمين اليها من كل فج عميق زملاءهم فى حنتوب والوادى الاخضرويبزونهم علما ورياضة و مهارات قيادية وتحملا للمسؤولية.سرد الدكتورموسى عن الرجل وعن اشرقاته واحاديثه وافاض فى سنوات "نظارته" فى الخورالخصيب وامتدت الى فترة توليه قيادة العمل الادارى فى رئاسة وزارة المعارف بعدما غادرالخورالخصيب مخلفا اخلد الذكريات وابقى البصمات وارسخ التقاليد.. ولا يزال طلابه المنتشرون فى مشارق الارض ومغاربها يتذاكرون عقوبته الذكية المتفردة للطالبين اللذين جاءه خبر سفرهما الى العاصمة دون اذن قبل يومين من بداية عطلة مدرسية.. اراد الطالبان اللحاق بموعد قيام مباراة فى كرة القدم بين الهلال والمريخ..ما ان علم الاستاذ الكبير بسفر الطالبين الآ وسارع الاستاذ بارسال برقية لوالد احد الطالبين يبلغه بمغادرة ابنه وطالب آخرالمدرسة دون اذن الى الخرطوم بنية مشاهدة مباراة فى كرة القدم ويطلب منه الحيلولة دون حضورهما تلك المباراة بوضعهما رهن الاعتقال التحفظى ويمكن اطلاق سراحهما فور انتهاء المبارة.. وقد استجاب الوالد.الذى استقبل ابنه وصديقه المرافق ومعه شرطى من شرطة محطة السكة حديد وتم التحفظ عليهما فى مكتب ناظرالمحطة الى مساء اليوم التالى وتم اطلاق سراحهما بعد انتهاء المباراه حسبما طلب حضرة الناظر! فتأملوها اى كاريزما وهيبة ومكانة كانت لأهل التعليم فى سوابق الازمان. فعندما كان يقال "هيدماستر خورطقت او هيدماستر وادى سيدنا او هيدماستر حنتوب تحدث اوامر..خلاص الكلام انقطع! لا معقب لكلمات اى منهم فهى واجبة النفاذ. وقد حدثنا فى عام 1958 احد كبارقدامى المعلمين (سعدت بالعمل تحت ادارته) من لا يتطرق الى حديثه ادنى قدر من الشك وهو من كان شاهد عيان حاضرا فى أجتماع عقد فى مكتب معلم الأجيال فى خورطقت حضره نائب مدير مديرية كردفان البريطانى الذى اوفده المستر بلفور- مدير المديرية ابان ازمة اضراب الطلاب فى اواخراكتوبر1950للتحدث الى استاذ الاجيال بشان امكانية اعادة النظرفى قراره الذى قضى بتعطيل الدرسة واصراره على فصل 119 طالبا فصلا نهائيا وحرمانهم من مواصلة الدراسة فى الخورالخصيب. وبعد ان استمع الأستاذ ااجليل الى حديث الخواجه نائب المديرالذى كان من المتحدثين بالعربية السودانية الدارجة..لغة التخاطب بين اهل السودان بطلاقه شانه شأن مديرى المديريات ونوابهم وكبار الاداريين البريطانيين.رد الاستاذ على الرجل قائلا "اسمع يا صحبى.. كلّم بلفوربتاعك دا وقلّو النصرى حمزه بيقولّك انّو خورطقت فى مديرية كردفان زى"الفاتيكان" فى ايطاليا والنصرى حمزه هوالباباعلى راسها وما حدش مسموحلو يقول اى حرف فى اى شأن من شؤونها بعد ما الناظرونائبو ومدرسينها يقرروا ما تمليه عليهم ضمائرهم ويروه تربويا هوالاصح لابنائهم ولمستقبلهم..تفضل من فضلك يامستر ايه اسمك انت..خلاص الاجتماع انتهى! هلآ هلآ! تاريخ!هل من عودة هل!
كتب الدكتورموسى "كنت اعجب لذلك الحزم الذى لايعرف تراخيا فى الحق وتلك الاريحية وذلك الجود وهويكسوها بروحه الخفيفة ودعابته العذبة,, ولتلك البساطة التى يفصح بها فى تلقائية عن حقيقة ما يراه من رأى او يحس به من شعور.. كنت اعجب كيف اجتمعت له هذه الخلال الآسرة بذلك الاعتدال الذى كان يخلع عليه اينما تلقاه دثار الهيبة والوقار.وجاء فى الخبر ان استاذ الاجيال لما انتقل الى رئاسة وزارة العارف فى نهاية عام 1953خلفه الاستاذ عبدالحليم على طه (عليهماالرحمة فى الفردوس الاعلى) على سدّة نظارة الخور الخصيب. وتجدد المطلب القديم لبناء حوض السباحه (سلميا بدون اضراب) ولما كان الاستاذ عبد الحليم نائبا للاستاذ النصرى الذى كان قد سبق ان كتب للوزارة (ابان فترة توليه نظارة الخور) عدة مرات بشان اقامة الحوض (بطبيعة الحال كانت الوزارة ممثلة فى شخص مساعد المدير للادارة العامة والمالية ترفض الامر) وهاهو الاستاذ النصرى اصبح مساعد المدير للادارة والمالية المنوط به والنتوقع منه اتخاذ قرار بناء الحوض ايجابا) وجه الاستاذ عبد الحليم باستنساخ مجموعة من المكاتبات التى كان الاستاذ النصرى يرسلها للوزارة بشان بناء الحوض وكالعادة جاء رد الوزارة بالرفض.فى اعقاب احد اجتماعات نظارالمدارس برئاسة الوزارة دلف الاستاذ عبد الحليم (ناظر خورطقت) الى مكتب الاستاذ النصرى(مساعد مديرالمعارف) الذى كان ينتظر منه الاستاذ عبد الحليم الموافقة على بناء الحوض الذى كان فى يوم من الايام يطالب ببنائه (وهاهو قد اصبح امر التصديق ببنائه فى يده) ودار الحديث بينهما فى الامر.. فتساءل الاستاذ عبد الحليم عن سرعدم موافقة الاستاذ النصرى على امر كان هو يطالب به فجاءه رد الاستاذ النصرى بقوله"اسمع يا صحبى.اذ انت بصفتك ناظر خورطقت ما كتبتش للوزاره تطالب ببناء الحوض ما تكونش فعلا ناظر خورطقت واذا انا ما رفضتش الاستجابه لطلبك والموافقه على بناء الحوض ما اكونش انا مساعد مديرالمعارف للادارة والماليه.. تفضل روح على مدرستك!" الحديث عن استاذ الاجيال وعن رفاقه من قدامى معلمينا الاخيار يتمدد ويتجدد كلما التقى طلاب ذلك الزمان وتنطلق استعادة ذكريات تلك الايام الجميلة الزاهية واختم سيرة الاستاذ العزيز الراحل بما اختتم به الدكتور موسى حديثه الشائق عن المعلّم الكبير" رحم الله الاستاذ النصرى حمزه ورضى عنه. فوالله كان الاستاذ امّة لوحده من كرائم السجايا ونفائس الخلال.. ليتنا دواما نذكره ونذكر رفاقه من اجيال العطاء الوطنى الفريد لنوفيهم حقوقهم ونتأسّى بهم فى ابتغاء وجه الله من وراء كل عمل يثمر رفعة للبلاد وخيرا للعباد.
ستكون ان شاءالله خاتمة القليل مما اختزنته الذاكرة عن صرحنا الشامخ العظيم هى استعادة لتذكارسيرة قائد المسيرة التعليميه من كان"تحت البرج من همّتوالناس بتقيس"هو مسترلويس وليام براون الذى من عجب انه غادرالدنيا الفانية فى اليوم السادس والعشرين من حزيران 1994 فقط بعد شهرين من تعطيل الدراسة الثانوية فى حنتوب نهائيا فى ابريل.1994 فى الوقت الذى كان الخريجون يضعون تصورهم ويتحدثون عن خارطة الطريق للاحتفال باليوبيل الذهبى فى مارس 1996. فابقوا معنا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.