جاء صبياً إلى والده يوماً يحمل خريطة العالم فى يده وقد غابت عنه بعضاً من معلومات الدول فيها ، ظل يُلح على والده كثيراً لمعرفة التفاصيل والوالد رُبما كان مشغولاً بأمرٍ ما فأمسك بالخريطة ومزقها.. أخذ الصبى يبكى ، فكر الوالد بطريقة يرضيه بها ، فقال له: إن استطعت أن تُعيد الخريطة إلى ما كانت عليه سابقاً سوف أشرح لك ما تُريد عن كل البُلدان التي سألتني عنها ظناً منه أنه يستحيل إعادة الخريطة كما كانت ، دقائق معدودة مرت جاء بعدها الصبى يحمل الخريطة ، تعجب الوالد من ابنه و قال له: قل لي كيف استطعت بهذه السرعة إعادة الخريطة إلى ما كانت عليه؟ فأجابه الصبى قائلا ..على الجهة الاخرى من الخريطة صورة إنسان يا أبى ، أصلحتُ الانسان فانصلح العالم كله.. لقد صدق الصبى وليتنا نسمع .. قل لى بربك هل ينصلح إنساننا ونحن كذلك..؟ تغييرات جمة طرأت على إنسان بلادى أصابته اصابة بالغة تغيرت فيها تبعاً لذلك كثير من المعانى النبيلة والقيم المُتأصلة فينا وقيمة ايثار الجماعة على الفرد لا العكس ، ما اندثر من قيم احدث شرخاً فى مجتمعٍ سادت فيه الأنانية واحكمت قبضتها وليذهب الأخر إلى الجحيم وإلى جحيم الفقر والمرض ذهب معظم أهل بلادى ، أنانية دمرت الكثير من مكتسباتنا واشعلت من الحروب والنزاعات ما كان سبباً فى تفتيت البلاد والعباد ، ترهل بها ما كان متماسكاً من نسيجٍ مجتمعى كُنا به نُفاخر ولكن هيهات .. حوار بيننا الأن هل يُمكننا عبره جمع أشلاءنا المُتناثرة والشتات ..؟ حوار هل يُصلح ما تحطم فى دواخلنا ويُعيد ترميمه..؟ هل يجتمع عليه المتبقى من أهل السودان..؟ هل يُحقق لنا سلاماً تنفض به المعسكرات وتدور به عجلة الانتاج وتُبنى به جسور الثقة المفقودة حتى نعبُر بها معاً إلى برٍ آمنٍ معافى من أمراض نفوسنا المستعصية والعلل ، هل تتحقق به أمانينا فى العيش فى هذه الرُقعة وقد تساوت حقوقنا والواجبات وسادت بيننا عدالة اجتماعية تهب الكل ما يستحقونه من حقوقٍ كانت مسلوبة وتُزيل كل ما ترسب فى النفوس من غُبنٍ طال أمده . لن يتأتى ذلك أبداً إن لم نُصلح فساد أنفسنا أولا.. هل تجرد المتحاور من ذاته وجاء صادقاً للجلوس من أجل السودان.. هل جاء يبحث ويتوق إلى حوار صادق جرئ يخرج به السودان إلى العالم وقد تراضى أهله فيما بينهم واتفقوا بعد ادارة حوار عميق نصل به إلى سوداننا المفقود ، أم جاء يسعى بحثاً عن غنيمة ناضل وحارب من أجلها وحمل السلاح والقلم فى سبيل الوصول إليها ينتفع بها هو دون غيره حاوروا أنفسكم أولاً واسألوها ماذا تُريد... إن لم يكن كذلك ..هو مولد وسينفض قريبا.. والله المستعان.. بلا أقنعة.. صحيفة الجريدة [email protected]