حملت صحف الأسبوع المنصرم خبراً يتحدث عن اجتماع مشترك، انعقد لواؤه برئاسة هيئة الأركان المشتركة بين قادة الأجهزة الاعلامية في الشرطة والجيش ، بغرض خلق شراكة اعلامية تنسيقية توجيهية وتوعوية بين المؤسستين العريقتين ، ومن ثم تنزيل مخرجاتها وربما بركاتها على جهات الاختصاص ، بالصورة التي تتوافق مع طبيعة العمل الأمني بالجيش والبوليس ، حيث ستساهم هذه الرسالة المبتغاة في توفير السند الاعلامي في كافة القضايا والتحديات الأمنية ، كالصراعات القبلية وتهريب البشر والجريمة العابرة ، حسبما تفضل اللواء الدكتور الأغبش ... لا أعلم بالضبط أسباب هذه الصحوة الفجائية بين هاتين الادارتين الاعلاميتين ، ولكني أرجِّح أن يكون حادث الاعتداء المشين والمتبادل بين بعض منسوبي الكليتين العسكريتين بضاحية الحاج يوسف ، هو الذي شكل الباعث والدافع الرئيسي لبحث أسباب وتداعيات مثل هذه المشاغبات ، وأثرها على العلاقات بين زملاء الخنادق والبنادق . مما لاشك فيه أن أي بادرة نحو إحداث تقارب ايجابي ، لخلق مفاهيم وطنية مشتركة بين أفراد وشُعب وادارات مؤسستي الشرطة والجيش ، تُعتبر من الأهمية بمكان ، خاصة وأن هناك افتراضاً واقعياً ينعت هاتين المؤسستين بالانضباط والانقياد ، والانصياع للنظم والقوانين والتحلي بأخلاقيات المهنتين ، بحسبان أنهما من ذوات الشوكة ولكن !! ظني وحدسي يقولان بأن هؤلاء القادة المشبعين ( نظرياً ) حتى الثمالة بأدب ما يسمى بالاعلام الأمني ، أو الاستراتيجي أو العسكري ، قد اجتمعوا ومارسوا أدب وفقه المسح على الجبائر لقضايا علاقات عامة فقط لا تخرج عن كونهامحاولة لترقيع المُرقَّع قبلاً وأصلاً ،لأن العلاج الناجع يتم عبر ممارسات فعلية بالتغلغل وسط القوات ومعاهد التدريب وأماكن العمل وإفهامهم حدود واجباتهم مع احترام واجبات الآخرين . لا أعتقد أن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والجرائم العابرة والصراعات القبلية ، هي التي أرقت مضاجع هؤلاء القادة الكرام الآن لأن هناك آخرون أيضاً مهمومون بنفس هذه الأمور وتحتم مثل هذه الشراكات حضورهم وتنسيقهم ، مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطني وولاة الولايات كرؤساء للجان الأمن والنيابة العامة كلاعب جديد في ميادين منع ومكافحة الجريمة . إن مواعين الآلتين الاعلاميتين المتوفرتين للطرفين لن تفلح في سبر غور الفجوات والنتوءات البائنة والكامنة في الجسدين المدعومين بأسباب القوة أو الشعور بالقوة ، ما لم تتحدث بصراحة عن ضعف مناهج ومواد التدريب والتطوير والتثقيف ، والشحن السلبي للكوادر البشرية المؤدي للتعالي والشعور بالعظمة بلا مبررات أو مطلوبات وطنية عملية . الجيش مؤسسة عظيمة وكبيرة ، ولها من الامكانيات المالية ما يكفيها زاداً ، لتطوير ذاتها مع الانصراف لواجباتها الدستورية والقانونية والأخلاقية تجاه الوطن ، دون الحاجة للاطلاع بواجبات الآخرين ، والشرطة مؤسسة عظيمة وفخيمة ، ولها أيضاً من الامكانيات الشبيهة ما يكفيها لممارسة واجباتها ، والتزاماتها الدستورية والقانونية والأخلاقية تجاه الوطن والمواطن بكفاءة عالية شريطة ، أن يبتعد الآخرون عن مزاحمتها في طرق بسطها للأمن الداخلي وتنفيذ القوانين على الجميع . لعل المتابع والراصد للأمور يلاحظ بجلاء أن الكثير من المؤسسات النظامية وغير النظامية قد خلقت لها واجبات ووظائف تتداخل مع صميم الواجبات الموكولة دستوراً وقانوناً لجهاز الشرطة وأغلبها تدخل في أعمال الأمن الداخلي للبلاد الشئ الذي فتح كوات خطيرة في جُدر العلاقات البينية لمؤسسات الدولة والتي وصلت الى نقطة اللامعقول . سيطول ليل الشرطة اذا تعود سعاتها على شد الرحال نحو مهبات الرياح كلما لاحت نذر ( كتاحة ) عليهم فاليوم اجتماع مع ادارة الاعلام بالقوات المسلحة للتنسيق والشراكة لمحاربة الاتجار بالبشر والجرائم العابرة والاحتكاكات القبلية ، وغداً اجتماع مع ادارة الاعلام بالنيابة العامة لخلق توأمة تشاركية في نفس الموضوع وبعد غدٍ مع ادارة اعلام جهاز المخابرات الوطني لتوقيع شراكة حصيفة والشهر القادم مع ولاة الولايات الطرفية لشراكة جهنمية لا تبقي ولا تذر ، والعالم كله يعلم أن كل هؤلاء يتغولون على اختصاصات الشرطة عبر فتاوي قانونية مضروبة .. أخشى أن يأتي اليوم الذي تبحث فيه الشرطة عن نفسها في قانون الشركات لسنة 1925م !! [email protected]