لقد توقفنا في المقال الماضي عند أوضاع المجاعة التي إجتاحت السودان عام 1983 كما أشرنا إلي الجهد المقدر الذي عكفت ليه إداراة الأمن الغذائي مع الإدارة العامة للإحصاء الزراعي, كما إنحنت عليهما اللجنة القومية للأمن الغذائي بوزارة التخطيط, و مع هؤلاء جميعاً جهود منظمة الأغذية و الزراعة العالمية (الفاو). تزامن ذلك الدور مع جهد المجموعة الأوروبية و المعونة الأمريكية بهدف تطويق المجاعة و زيولها. تعددت المشروعات و الإغاثات, و أصدر البنك الدولي دراسته للإنعاش الإقتصادي و إعادة تأهيل مشروع الجزيرة و المشاريع المروية.. إلخ. الآن, يحضرني من بين تلك الأحداث مشاهد الفيلم الذي تم عرضة علي المجاعة في السودان في معهد كارل دويسبيرج جيزل شافت بمدينة ميونخ بالمانيا الغربية حيث تناثرت خلال العرض و إختلطت جثث الناس و الحيوانات في العراء في غرب السودان حيث كانت النسوة يحفرن مساكن النمل لإستخراج الذرة التي خزنها النمل و أخريات يتناوبن في هز الغربال حتي يفرزن الحبوب من التراب. لن يغيب عن ذاكرة كل الذين شاهدوا الفيلم صورة الرجل الذي يحمل بين يديه طفلاً ميتاً الأمر الذي سقطت بسببه الشابة الألمانية هيلين مغشياً عليها. و الحقيقة فقد كان مشهداً مأساوياً لم أر له مثيلاً إلا في قرية ختين بجمهورية بيلاروسيا بعد إجتياح قوات هتلر النازية لتلك القرية التي ابيد جميع سكانها و لم ينج من الموت سوي رجل و طفل حمله الناجي بين يديه لتتحول الصورة بعد هزيمة الفاشية إلي نصب تذكاري من البرونز يزوره السياح عاماً بعد عام. الشاهد أن الجميع قد شمروا السواعد حتي لا تتكرر مأساة المجاعة في السودان حتي هبت الإنقاذ في يونيو 1989 فتشنفت الآذان ب: "نأكل مما نزرع", و لم نأكل شيئاً حتي الآن, بإختصار فإننا نقول الآن:"الجوع كافر يا اصحاب الفضيلة". بعد هذا: كثر الكلام عن أن السودان سلة غذاء العالم و إنهمرت تصريحات المسئولين دون توقف إن الحل لمشاكل الغذاء هو بين أيدي السودانيين وليس سواهم, لقد إكتظت مكتبات المنظمات العالمية و الجامعات بمراجع عن أوضاع الغذاء في السودان. ما لنا نذهب بعيداً, و دوننا مركز المعلومات في مبني المنظمة العربية للتنميية الزراعية (ش 7 العمارات-الخرطوم) و التي متي ما توفرت لنا زيارة ذلك المركز لوجدنا من الدراسات عن حل مشاكل الغذاء دراسات عميقة أجراها علماء سودانيون أفذاذ و عرب و نواصل.