في وقت ما ربما كنت حينها طالبة في السنة الثانية في كلية الإقتصاد جامعة الخرطوم و في ليلة هادئة و أنا متكئة على سور مدرسة العلوم الرياضية، أتى صديق و زميل في الكلية شاركني وقفتي و تبادلنا بعض الحديث فقد كنت في ذلك الزمان غارقة في بحار تلقفتني راضية؛ الإبريز لعبد العزيز الدباغ ،إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لإبن عجيبة ، الغنية لعبد القادر الجيلاني وكتب أخرى مشابهة في المعنى و الفكرة. كنت وقتها أفتش عن قيمة، عن معنى ، عن حقيقة و عن جمال. كنت لا أستمع الى كثير غناء أو موسيقى ليس لتعنت او رأي في الغناء و الفن و لكن شغلتني أسفاري في تلك البحور العميقة حتى ظننت أني نسيت سحر الموسيقى و أثرها في الروح. كان لصديقي ذاك شفافية و روح طليقة في عالم الجمال وله صوت كما العندليب يلون الفراغ ببعض مما كنت ابحث عنه. في لحظة صمت بيننا دندن صديقي بأغنية اخترقتني و أسرتني فآمنت بجمال سماوي يتحد و الإنسان و أدركت أن لله نوراً في كل جميل! غنى : غريب .. وحيد في غربتو حيران .. يكفكف دمعتو حزنان.. يغالب لوعتو ويتمنى بس لي أوبتو طال بيه الحنين فاض بيه الشجن واقف يردد من زمن بالله يا الطير المهاجر للوطن زمن الخريف تطير بسراع .. تطير ماتضيع زمن أوعك تقيف وتواصل الليل بالصباح تحت المطر وسط الرياح وكان تعب منك جناح في السرعة زيد في بلادنا ترتاح ضل الدليب أريح سكن فوت بلاد و سيب بلاد وإن جيت بلاد تلقى فيها النيل بيلمع في الظلام زي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام تنزل هناك وتحيي يا طير باحترام وتقول سلام وتعيد سلام على نيل بلادنا .. سلام وشباب بلادنا .. سلام و نخيل بلادنا .. سلام هنا إرتعشت دواخلي نشوة و رقصت مشاعري طرباً فقد سحرتني الأغنية فسمعتها و كأني لم أسمعها من قبل، أخذني ذلك الحنين المتدفق بين حروفها و أدهشني اللحن الشجي رغم أني وقتها لم اكن أدرك مرارة الغربة و لا انين القلب لما تعتصره الذكري و يذوبه الحنين لكنني فقط و لنقاء لف القلب حينها أسرتني فآمنت بالجمال المنساب في كل مقطع فيها وآمنت بهذا "الوردي" الذي لون الكون بفنه و عبقريته وبالشاعر الملهم "صلاح أحمد ابراهيم" و شعرت بالإمتنان لصديقي الذي كساني شجناً صادقاً بتلك الدندنة فبعض الشجن يصقل القلوب! و الآن و بعد كل هذه السنين أستمع لذات اللحن فتنهمر مني شلالات حنين دفاق لزمان مضى و صديق لا أدري عنه شيئاً و غربة أنهكت خلايا الروح و صوت "وردي" ذلك الآتى من السماء و طير "صلاح أحمد إبراهيم " الذي لم يزل يحمل الرسائل و يحيي بإحترام ليس حبيبته تلك و لكن حبيبتي انا "بلادي" التي أضناها التعب عساه و مع كل هذا الرهق "يبوس ايديها و ينقل إليها وفاي ليها و حبي الأكيد!" [email protected]