من مبنى فندق ووتر جيت في العاصمة الأمريكية واشنطون دي سي 1968 الى مبني الاتحاد الدولي لكرة القدم 2015 تطايرت اتهامات وتدلت من تحت حبال المقصلة رؤوس سياسية ورياضية شامخة لم يكن أحد يتجرأ في التشكيك في ذمتها ولكن تبقى بنما 2016 وحدها وحتى إشعار آخر عاصمة الفساد في العالم كما يقول تقرير صحيفة ديلي ميل البريطانية . فإذا كانت 64 مكالمة تجسس تم رصدها كافية لإدانة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون وإجباره على الاستقالة فإن 11 مليون وثيقة تسربت من شركة الاستشارات القانونية موساك فونسيكا في الفترة من 1977-2015ضمن عمليات تهرب من سداد الضرائب وغسيل أموال بمليارات الدولارات ، والمراوغة لتجنب العقوبات، وتفادي الضرائب كافية أيضا لتوريط 12 رئيسا من بينهم حكام ديكتاتوريون اتهموا بنهب بلدانهم كما تشير إلى 61 شخصا آخر منهم أقارب ومقربون من زعماء بعض الدول، وسياسيون آخرون. (2) من هؤلاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وشقيق زوجة الزعيم الصيني الرئيس شي جينبينج، والرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، والرئيس الأرجنتيني موريشيو ماكري، ووالد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المتوفى، وثلاثة من الأبناء الأربعة لرئيس الوزراء الباكستاني الأربعة نواز شريف. كما أوردت الوثائق اسم رئيس وزراء أيسلندا سيجموندور جونلوجسون. نصيبنا نحن في هذا المولد (اللي صاحبه غايب ) لأن هوية المصدر المسؤول عن التسريب لازالت مجهولة. أقول نصيبنا شخصية لم تكن في الحسبان هو رئيس مجلس السيادة السوداني السابق أحمد الميرغني الذي كان بعيدا عن الأضواء كان ذلك على سدة الحكم أو خارجه . (3) الوثائق مست كذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم في شخص عضو لجنة القيم في الفيفا المحامي الاورجوائي يوان بيدرو دامياني وشركته التي وفرت مساعدات قانونية لسبع شركات على الأقل في الخارج لها صلة بنائب رئيس الاتحاد الدولي الذي قبض عليه في مايو الماضي خلال التحقيق الذي أجرته أمريكا في تهم فساد. فضلا عن نجم الكرة العالمي الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يتصدر قائمة أثرياء الكرة . التسريب لهذا العدد الكبير من الوثائق فتح الباب على مصراعيه لعدة تساؤلات، منها كيف يستخدم الأغنياء وأصحاب النفوذ الملا ذات الضريبية الآمنة لإخفاء ثرواتهم خاصة وإن الوثائق تسربت من إحدى أكثر الشركات العالمية سرية، وهي شركة قانونية في بنما تدعى موساك فونسيكا. (4) السؤال هنا كيف تعمل الملاذات الضريبية؟ الإجابة إنه على الرغم من وجود سبل مشروعة في استخدام الملاذات الضريبية، فإن معظم ما يجري حاليا يدور حول إخفاء هوية أصحاب الأموال الحقيقيين، وأصول الأموال، وتفادي دفع الضرائب عن تلك الأموال. إذ تتركز بعض الادعاءات على إنشاء شركات وهمية تتمتع بمظهر تجاري مشروع، لكنها في الواقع وهمية. ولا تفعل تلك الشركات شيئا غير إدارة الأموال، بينما تخفي هوية مالكيها. ماذا يقول الضالعون في الأمر؟ شركة موساك فونسيكا تقول إنها ظلت تعمل لمدة 40 عاما بعيدا عن الأنظار، ولم تتهم أبدا بارتكاب أي جرم.أما الرئيس الايسلندي فلم ينفى التهمة فحسب بل استنكرها جملة وتفصيلا فقد استقام واقفا من أمام محاور في تلفزيون CNN رافضا مواصلة الحوار قبل أن يجد نفسه محاصرا من شارع يغلى في عاصمة بلاده فأجبر على الاستقالة أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فقد اعترف تحت الضغوط بأنه امتلك أسهم في معاملات والده ما قيمتها 33 ألف جنيه أإسترليني لكنه تخلص منها بالبيع قبل أن يتولى حقيبة مجلس الوزراء ومع ذلك لم يستطع تمرير تبريراته على الجماهير الغاضبة التي لا زالت تتجمع كالعواصف الاستوائية المدمدمة طالبة رحيله .مثل هذه الجرائم لا تمر مرور الكرام في دول الاستكبار العالمي حتى وإن طبخت بليل ومن وراء الكواليس ..طال الزمن أو قصر فإن الاعترافات ستكر لاحقا كحبات المسبحة ويأتي بعدها الرحيل كما إن المواطن الذي منح صوته لهؤلاء جاهز لسحب الثقة إذا أحس إن الذي يمثله نصاب . ولكن الأمر يختلف معنا ..أنظروا الى تاريخنا ماضية وحاضره على وجه الخصوص هل رأيتم مسئولا يعترف بخطأ ؟ (5) ما هي العبر والعظات المستفادة من جريمة العصر؟ المدخل للإجابة يقول انه لا وطن للفساد ..ثم ثانيا لاشيء يبقى حبيسا للظلام في هذا الكون الفسيح الى مالا نهاية ..فهناك عيون تراقب ووسائل تصنت تحصي دبيب النمل وتكنولوجيا تستطيع اختراق الصخر الأصم .قبل سنوات الماضي رأينا كيف صال وجال مؤسس ويكليس السويدي جوليان أسانج في المستور وخرج للعالم بأسرار تشيب لها الولدان من خزانات أعتى الدول وجاء بعده الأمريكي إدوارد سنودن الذي سرب وثائق سرية للغاية لوكالة الأمن القومي الأمريكية لصحيفتي الجارديان و الواشنطن بوست ..والآن جاء الدور على صحيفة سوددويتشي تسايتونج الألمانية التي حصلت على 11.5 مليون وثيقة، وأشركت في الاطلاع عليها جمعية الصحفيين الاستقصائيين. الجمعية عملت مع صحفيين آخرين من 109 مؤسسة إعلامية في 76 دولة، من بينها صحيفة الجارديان البريطانية، من أجل تحليل الوثائق خلال فترة عام. ولكن يعد هذا التسريب الأكبر في التاريخ، إذ يفوق ما سربه موقع ويكيليكس. فقد كشفت الوثائق النقاب عن 214000 جهة وشخص، من بينها شركات ومؤسسات عالمية كبيرة. (6) الصورة لجسد هذا العالم الذي أصبح مكشوفا كقطعة الثوب المهتريء لن تكتمل إلا بإبراز الدور الأمريكي من خلال مكتب التحقيقات الفيدرالي المشار إليه بالحروف اللاتينية FBI والذي كان وراء الكشف عن الفضائح المالية التي كانت تنخر في جسد الفيفا وانتهت الى مجزرة تعتبر الأكبر في تاريخه طالت رؤوس الكثيرين من أكبرهم بلاتر الى أصغر الأعضاء ..أمريكا تبرر تدخلها في قضية الفساد إن الفاسدون والمفسدون الذين ينتمون للمنظمة الكروية التي تحولت من اتحاد مغمور الى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس بعد أن تورمت شرايينها بالمليارات يتعاملون بدولارها وان الأموال الملوثة بالغسيل والمراوغة والتهرب تودع في بنوكها وهو أمر لا تقبله . [email protected]