العلم النافع والفكر الضار (بين وليام مورتون، ونيكولو ميكافيللي) بقلم/ مهدي إسماعيل مهدي (بريتوريا) صورة مُشرقة: أسأل أي أُمٍ مختونة عن حجم الآلام الرهيبة التي واجهتها وهي تضع مولودها و/أو مواليدها، كما لك أن تتصور حالة الرعب التي سوف تنتابك والخوف الذي سوف يتغشاك، وأنت مُستلقٍ على ظهرك في منضدة بغرفة العمليات الجراحية مُقيد اليدين معصوب العينين، أو في حالة غيبوبة مؤقتة نتيجة ضربك على مؤخرة جمجمتك بآلة صلبة لتخديرك مؤقتاً، والأنكى أنك قد تستفيق وتعود لوعيك أثناء العملية الجراحية، وقد يكون الجراح في تلك الأثناء يشق صدرك وبقطع لحمك وينشر عظمك؟؟. ولد الطبيب العالم/ وليام مورتون، مُكتشف التخدير بالأثير (أُكسيد النتروز) في التاسع من أغسطس 1819، بمدينة تشارلتون (ولاية ماساشوستس الأمريكية)، ودرس جراحة الأسنان في كلية بالتيمور لطب الأسنان عام 1842، وتابع دراسته بمدرسة هارفارد للطب ومنح درجة الطب الفخرية من جامعة واشنطن ببالتيمور عام 1852. وقد توفي في 15/يونيو/1868، في نحو الخمسين من عمره بعد أن قدم للعالم خدمة عظيمة بإكتشافه التخدير، وأراح بلايين المرضى من ويلات الألم الذي كان من المُمكن أن يعانوه لولا هذا الإكتشاف المميز، وقد فتح مورتون الباب لمزيد من الإكتشافات في مجال التخدير بعد ذلك. صورة قاتمة: عاش المُفكر والفيلسوف السياسي الإيطالي/ نيكولو برناردو ميكافيللي، إبان عصر النهضة الأوروبية (1469-1527)، وصار المؤسس للتنظير السياسي الواقعي، وأصبح أشهر كُتبه "الأمير" مرجعاً أساسياً في النفعية/الواقعية السياسية، وقد طُبقت نظرياته (التي لا تضع إعتباراً للمُثل العُليا والمبادئ والقيم) في القرن العشرين، ويرى ميكافيللي أن القوى المُحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية و "السُلطة"، وكان يعتبر من المسموح به إستخدام كافة الوسائل في الصراع السياسي، وهو القائل "الغاية تُبرر الوسيلة"، ويبدو أن له أتباعاً مُخلصين كُثر في دول العالم الثالث المتخلفة، والغريب أن ميكافيللي بعد أن قدم خدماته للعائلة الحاكمة آنذاك (عائلة ميديشي)، أُتهم بالتآمر ضدها وسُجن، ولكن البابا ليو العاشر أفرج عنه فاختار حياة العُزلة وتوفي عن عمرٍ يُناهز الثامنة والخمسين، بعد أن فشل في إسترجاع منصبه في السُلطة، التي كان مفتوناً بها، ومن أقواله:- إن الدين ضروري للحكومة، لا لخدمة الناس ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس. أثبتت الأيام أن الأنبياء المُسلحين إحتلوا وانتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المُسلحين. من واجب الأمير أن يُساند ديناً ما، ولو كان يعتقد بفساده. ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة. لا يُجدي أن يكون المرء شريفاً دائماً. من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك. الغاية تُبرر الوسيلة. حُبي لنفسي قبل حُبي لبلادي. لذلك لم يكن مُستغرباً أن يختار موسوليني كتاب "الأمير" موضوعاً لأطروحته التي قدمها للدكتوراه، وكان هتلر يقرأ هذا الكتاب قبل ان ينام كُل ليلة، وناهيك عن من سبقهم من الملوك والأباطرة كفريدريك وبسمارك وكريستينا، وكُل صاحب نفسٍ أمارة بالسوء تنشد السُلطة والتسلط والتمكين بلا كوابح أخلاقية. القول الفصل: عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن علمٍ لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفسٍ لا تشبع). ولعل أفضل معيار وقاعدة ذهبية لتقييم أعمال البشر تكمن في تطبيق الحديث الشريف "خيرُ الناسِ أنفعهم للناس"، فهل نحن فاعلون، حتى نعطي كُل ذي حقٍ حقه؟!. لا أدري لماذا خطرت بذهني هذه المُقارنة بين مورتون وميكافيللي، وأنا أقرأ أنباء تسرب إمتحانات الشهادة السودانية، وإنكار وزيرة التربية والتعليم لعملية التسرب وبيع وشراء أسئلة الإمتحانات، واسترجع قصص الإنهيار الذي شاب العملية التعليمية برُمتها، وكيف تُباع شهادات الدكتوراه، وكيف صار بعض أساتذة الجامعات عسساً يتجسسون على زُملائهم وطلابهم،، وكيف, وكيف، وكيف؟؟!!. "إذا إنهار التعليم، فقُل على الأمة السلام". تنويه واجب: المعلومات الواردة في هذا المقال منقولة بتصرف عن الشبكة العنكبوتية ( قوقل/ويكبيديا)، وأارجو أن أكون قد وفقت في الإبتعاد عن ساس يسوس، التي أصابتنا بالإحباط والعزوف عن الكتابة. [email protected]