في بدايات عهد الإنقاذ.. أعتقد في العام 1990 التقيت بوزير النقل حينها الأستاذ علي عبد الرحيم فسألته عن خطته لتطوير السكك الحديدية في السودان.. فلا أنسى أبداً إجابته عندما قال لي (خطتنا أن ننجح بالعودة بها إلى وضعها قبل ثلاثين عاماً).. كأني به يقصد أن الوضع حينها تحت الصفر والأمل أن يرتقي به إلى درجة الصفر. أمس المهندس مكاوي محمد عوض قدم خطته لتطوير السكك الحديدية.. في سياق استعراض خطط وزارته في منبر وزارة الإعلام الذي أطلقت عليه (الحديث الأسبوعي). ورغم أن المهندس مكاوي مسنودٌ بنجاحات بارزة في مرافق عديدة تولاها؛ أشهرها الهيئة القومية للكهرباء.. وأهم ما يميزه اعتماده على الخطط المدروسة والتزامه بها.. لكني مع ذلك أرجوه مراجعة هذه الخطة قبل تقديمها لمجلس الوزراء لأن السودان يُعاني من (فارق التوقيت).. على سياق ما قاله لي وزير النقل الأسبق.. فكثير من الإنجازات التي نلهث لتحقيقها اليوم كانت موجودة على أرض الواقع في الماضي ولو حسبنا (فارق الزمن) لكان الأجدر أن نكون اليوم في وضع متقدم للغاية يجعل كامل خطة مكاوي التي يفترض أنها تستغرق اثني عشر عاماً حتى (2029) هي نقطة الانطلاق والبداية .. لا النهاية.. بكل يقين لو نظر مكاوي جيداً إلى الخطة لوجد أن المحدد الرئيسي فيها هي العبارة التي قالها في منبر وزارة الإعلام (التكلفة عالية)!! ويقصد أن خيارات الحصول على أعلى مواصفات السكك الحديدية أمر يعتمد على (المال).. فهو يرى أنه يمكننا الحصول على قطارات فائقة السرعة تصل إلى أكثر من (300) كيلو متر في الساعة ولكننا مضطرون للقبول بقطارات بسرعة (120) كيلو متراً في الساعة خضوعاً للمثل الشعبي (مد رجلك على قدر لحافك).. لكن قياس التكلفة بالقيمة المدفوعة لتمويل المشروعات لا يعد مؤشراً دقيقاً.. يجب حساب التكلفة ب(الفاقد!) من المكاسب التي نخسرها بسبب تأخرنا عن استخدام أعلى تكنلوجيا متاحة. الأفضل أن يعاد تصميم الخطة على أقصى ماهو متاح في تكنلوجيا السكك الحديدية.. فالعائد منها بمفاهيم التنمية الشاملة يجعل التكلفة أقل كثيراً من استخدام التكنلوجيا الأقل.. وسبق لي أن كتبت هنا وطالبت أن يكون مشروع السكك الحديدية في السودان (عظم الظهر) Back bone الذي تضع فيه بلادنا ثقلها وتستنهض له همة الشعب تماماً كما فعل الشعب الإثيوبي بمشروع سد النهضة.. في تقديري أن (التمويل) عالمياً لا يرتبط بالمقدار الرقمي للتكلفة بقدر ما ينظر للعائد من التمويل.. فمهما كانت الأرقام مهولة في خطة تطوير السكك الحديد فإن استخدام أرقى تكنلوجيا السكك الحديدية تجعل العائد أيضاً كبيراً بما يكفي لغض البصر عن التكلفة. ثم أن التمويل الكبير يختصر الزمن.. فخطة المهندس مكاوي (12 عاماً) مدة طويلة جداً بحساب (الفاقد الزمني) من عمرنا الوطني.. فلتكن ثلاث إلى أربع سنوات على أقصى تقدير.. ليت المهندس مكاوي يقبل مراجعة هذه الخطة.. قبل تقديمها إلى مجلس الوزراء.. التيار