القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة التيوس إلى أرض الغفران القاحلة (قصة قصيرة )
نشر في الراكوبة يوم 25 - 05 - 2016

في صباح ممطر كان السحاب يزحف تحت أرجلنا والسماء تتموج خلف الأشجار حينما جاء ( سيدنا ) المكبل بقيود اعتقاداته الضيقة الموروثة .. وثيابه ملطخة بالوحل وهو يخوض في الغبار المبتل الذي أثارته البهائم بالأمس وحسبنا بدقة كما يفعل دائما .
واحد اثنان ثلاثة ... مئة .. كنا نتدافع أثناء العد كالفتيات السعيدات في قصر هارون الرشيد .. الماء يسيل فوق ظهورنا ورؤوسنا والغيوم تحيط بنا كلحقات السجائر .. والطين يصل إلى مفاصلنا وأعضاءنا التناسلية .. والمطر.. المطر لا يتوقف ,, و( سيدنا ) الطيب الغافي الذي يعيش في دائرة جهله وماضويته يشير بعصاه كما أشار المهدي وهو راكب حصانه في تلك الصورة أثناء فتح الخرطوم ,, وعندما تأكد بعينيه الضيقتين المتيقنتين أن عددنا هو بالضبط مئة وخمسون نفسا لا غيرأمر مساعديه الغلاظ الذين كانت رؤوسهم تشبه الكلاب بإدخالنا إلى ( اللوري ) .. اشتد المطر عندما تحركنا في ذاك الصباح من قرية العبودية التي نشأنا فيها .. كان اللوري ثقيلا بين أنقاض الأوحال .. وكان يئن وسط سحاب الرمل الغارق في طين العصور الوسطى .. والصقور المبتلة الشريرة تتابع جثثنا من أعلى منطقة في السماء .. كانوا يقولون بأننا ذاهبون إلى بلدة يقال لها أم كرمان أو أم رجمان أو أم درمان .. لا أدري .. بلدة بعيدة في مجمع البحرين على بعد مئة سنة من مملكة يأجوج ومأجوج كما قال أحد المساعدين الذي كان وجهه لا يشبه الكلب .. هناك حيث مشرق الشمس .. بلدة بها الذئاب تمشي على رجلين وتلبس البناطلين والجلاليب .. وبها الضباع تمشي على رجلين وتغتصب الفتيات الصغيرات ,, وبها ابن آوى والثعالب تتوالد بين الحشائش ,, يقولون هناك سوق ( نخاسة ) ضخم مبني من الحجر .. هناك يباع البشر والخيول والحمير .. الرجال الأقوياء والنساء الجميلات .. و عندما وصلنا مكانا يقال له ( نيالا ) أو ( نبالا ) ومازال المطر يولول ويئن من كثافة الطين في السماء ,, تذكرت ابنة ( سيدنا ) التي لعبت معي كثيرا في طفولتها .. وقضت معي معظم السنوات الجميلة من عمري الذي لم يتبق له الكثير .. وعندما بلغت الرابعة عشرة من العمر.. وبرز صدرها .. وأصبحت أفخاذها ملفوفة ولدنة .. صارت تركب ظهري وتتمايل وتمسك أذني وترتمي على عنقي الطويل وتقول :
" يا عبدي أذناك طويلتان كأذني البهيمة . "
كان اسمها ( حواء ) .. وكانت تفتح الباب بهدوء في الأمسيات .. وتمرح معي إلى أن نسمع صوتا عاليا كجن الملك سليمان .. فتلبس فستانها الذي كانت تصنع منه شيئا مثل السرج وتقول :
" الصلاة . "
في مرة وهي راكبة .. وفخذاها مفتوحتان مالت إلى عنقي حتى وصلت وجهي فقلبت لغوب مشافري كأنها أسد حصل على فريسة بعد جوع وظمأ .. ولأنها مالت كثيرا فقد سقطت تحتي .. وأحسست بغريزتي تجتاحني كالسيل وأحسست أيضا بغريزتها الفتية المندفعة .. ولكن ( ولكن ) كيف لي أن أتزوجها كمايتزوج الرجل المرأة .. وأنا لم أخلق لها ,, وظلت معلقة على عنقي وهي تشهق بالبكاء وتجرني نحوها إلى أن سمعنا ( سيدنا ) يقول :
" غدا سنسافر . "
بكت وقبلت فمي ثم اختفت .. ( اختفت إلى الأبد ) .. هناك رجل في قرية العبودية المظلمة بالأمطار والدماء والنواح تزوج نعجة ( نعجة صغيرة فتية بيضاء ) وأنجب منها حورية بحر .. ورجل آخر تزوج معزة هولندية وأنجب منها ابنا رأسه رأس تيس وجسده جسد إنسان ,, إنه ( المساعد ) الغليظ الشرير الذي يترجم لسيدنا كل ما نقوله بلغاتنا الغريبة التي يفهمها ويحسب له الأعداد في كل بلدة نصلها من بلاد القحط والجوع .. حسبنا في اللعيت جار النبي .. وحسبنا في النهود .. وحسبنا في الأبيض التي قتل فيها الآلاف من جنود المهدي في ساعات معدودة .. وحسبنا في الرهد.. وحسبنا في كوستي على ضفة النهر .. وحسبنا في كنانة .. وفي عسلاية .. وفي الدويم .. وفي الخرطوم ,, وعندما وصلنا أم درمان المرعبة القاتلة التي تبتلع كل من يذهب إليها كما تبتلع دوارة الماء القش ,, كان المساعد مهتاجا يصيح :
" أنزلوا العبيد ."
كان معنا بعض النسوة نجون من برد السحب المتراكم .. ونجون من مناقير الصقور التي تحطمت تحت ضباب اللواري العنيفة .. وكان المساعد الغرائزي النرجسي يضاجعهن في اللوري باستمرار لظنه أنهن بهائم ,, وكان يقول لنا وهو في حالة انتعاظ
" أنظروا إلى هناك يا عبادا .. شنو الجديد ؟ "
وكان في الطريق يقع في حب البهائم .. وفي حب النساء القبيحات اللائي يشبهن القطط والحمير والكلاب .. وفي مرة أحب معزى صغيرة كانت تقفز فرحا تحت المطر وتجمع الصقور الميتة من جانب الطريق .. وعلق على عنقها قلادة سرقها من المطعم في الطريق .. واشترى لها أقراط خشبية من الرهد ..وكحل عينيها بالمرود .. وطلى مشافرها بالأحمر .. ولكنه رغم هذا كله لم يكن وفيا في حبه ,, لأنه باعها لجزار عجوز في الرهد ذبحها أمامنا وهي تصيح وتفرفر وتتقافز طلبا للنجاة .. وسلخها وهي معلقة في الشنكل .. وعندما فتح بطنها وجدها حاملا بطفلة غاية في الجمال .. في رأسها تاج صغير مذهب . وجدها نائمة تحلم .. فأخذها بحذر ..رماها في برميل الأوساخ لتأكلها الكلاب الضالة ليلا .. ثم كوم لحم المعزة في عدة أكوام ووزعه على المساكين الجوعى .. ( كان رجلا تقيا ) ,, كان المساعد يختفي بين القطعان النائمة .. ويعود في الليل وهو يحمل ( قربة )لبن .. وكان يصادق القصابين و( السبابة ) وأصحاب مطاعم الشواء .. وفي أم درمان وعلى غفلة منه .. وبعد أن سمن كثيرا تحت الأمطار وشراب اللبن وتجميع أموال من العمل السري .. باعه ( سيدنا ) لرجل ثري قام بذبحه على الفور هو الآخر وكان يصيح ويبعر ويتبول ( أنا بشر مثلكم .. لا يحق لكم أكلي .. أبي بشرمثلكم .. أنا أعرف لغتكم ) ولكن أهل أم درمان كانوا لا يفهمون لغته وثغاءه وجعيره .. فساقوه إلى حتفه كما ساقوا الذين من قبله وكما سيسقون من يأتي بعده من أجيال لاحقة مازالت في طي الغيب .. هذا النوع من الحب تسمونه أنتم كما سمعت في أم درمان المرعبة ( بالزوفيليا) .
كان المطر متقطعا .. وبعض الصقور وصلت منهكة .. وعسكرت في صارية قبة الإمام المهدي .. عندما جس نبضي ( شيخ ) عجوز تقي يشبه الأنبياء ..وتحسس ظهري وبطني بحرفية جزار ومر بيده على عنقي بمهنية قاتل مصرح له بالقتل حتى تبولت في أرجلي . وقال بصوت واهن .
" بكم هذا العبد ؟ "
وصاح سيدنا ضاحكا بعينيه الغبيتين المحصورتين في مرحلة ما من تاريخ البشر : " هذا ليس عبدا ,, هذا بهيمة .. هذا تيس سمين "
وصاح الرجل .
" نعم نعم أريده . "
كان ذاك الشيخ رجل معرفة متجاوزة للمألوف والمنطق ورفع حجب .. لقد رآني في عالم الغيب عندما كنت في الزمن الماضي عبدا .. كان يعلم أن بداخلي إنسان آخر .. وأنني صورة من عدة صور ,, وأنني مجموعة أشياء متراكمة بعضها فوق بعض ,, في الظلام وقد توقف المطر تماما وزالت كل ملامح تلك القرية البعيدة تبعته إلى بيته .. فتح الباب .. وأدخلني .. وربطني تحت مظلة .. وجاءت ابنته خميصاء أو (رميثاء ) بالماء والطعام .. ثم ذهبت لتنام .. ولكنني لم أنم .. ماذا يريدون أن يفعلوا بي .. كانت رميثاء في ناحية من المظلة المسقوفة بالزنك وفوقها نجو ملتفة بالغبار تحلم بالشاب الذي تحبه .. في أثناء نومها خلعت كل ملابسها .. كانت ربما في العشرين من العمر .. ناضجة غرائزية .. وركبت حمار النوم .. ركبت ظهري المتعب .. كانت تظن أن فارس أحلامها يأخذها إلى قصر بعيد مدفون في خيالات المغلوبين على أمرهم على ظهر الفرس الأبيض .. كنت مرهقا من تلك الرحلة الطويلة إلى بلاد الذئاب ,, ولكنني تذكرت حواء المرحة البريئة التي قادتها غرائزها إلى أن تنام تحتي بلا أي جدوى .. وإلى أن تتفحص بطني بحذر في ليلة من الليالي .. إلى أن تضع يديها الناعمتين على قروني ..( فضحكت ) .. كانت ( رميثاء ) ثقيلة الجسد جاهزة للتناسل والدخول في صراع الحياة .. ليتني كنت أستطيع حملها بيدي ( بحوافري ) .. و برغم إرهاقي ظللت واقفا كما وقفت من قبل تحت أمطار الطين والويلات .. وهي تهز وركيها .. وتحتك بنهديها على ظهري وعنقي .. وسمعتها تضحك وهي في غاية السعادة بصوت سكير .. وأحسست بلزوجتها تسيل على فروة ظهري .. وعندما وصلت إلى ذروة التشنج سقطت تحتي وقبلت مشافري المزبدة من التعب وهي تتغنج .. ولكن كيف لي أن أتزوجها وأنا في مثل هذه الحالة ( أنا ولدت في ثياب تيس من أم بشرية وأب بشري أيضا ) لأول مرة أعرف أن البهائم في هذه البلاد تأخذ من الحب السري أكثر من بني الإنسان .. وأنها تعرف من الأسرار ما لا تعرفه ( الحكومة ) .. وهنا وفي لحظة وعي كانت رميثاء المجنونة بغرائزها الأخلاقية والدينية المكبوتة تقبلني وتصيح :
" يا تيسي الحبيب . يا زوجي الأبدي "
في الصباح حدث نقاش بين الشيخ وأحد الرجال يمسك بسكين طويلة حادة قاتلة لا أدري ماذا يريد أن يفعل بها ..هل يجوز ذبح التيس أو الخروف أم نحره في الشريعة؟ وما هو الفرق بين النحر والعقر ؟ وهل يجوز قطع البلعوم مع المريء مع الودجين أم لا ؟ ودخلا في مماحكات طويلة مفزعة من قبيل هل يجوز استقبال القبلة أم الذبح في أي مكان ؟ وماذا يقول الرجل الذي يذبح ؟ هل يقول بسم الله ويصمت أم يتم بالله أكبر ,, كل هذا وأنا لا أعلم ماذا يعنيان بكل هذه الأمور الفارغة .. فأنا جئت عابر سبيل من زرائب العبيد في أقصى الدنيا و لا تجربة لي .. ولدت في يوم شتاء بارد .. ورضعت من ثدي أمي التي كانت تأكل قشر الفول لبنا غزيرا ثم رمتني في برميل في أحد الشوارع وجاء سيدنا أثناء الفصل المطير وأنقذني من الغرق وسمح لي أن أعيش في زرائبه مع الحيوانات .. ولعبت كثيرا في طفولتي دون أن أسأل من أنا ومن والداي ؟ لعبت ( كثيرا ) إلى أن جاءت حواء ذات صباح وأصبحت رفيقتي وأمنية حياتي ,, تركب ظهري وهي في الرابعة عشرة من عمرها وتتحسس لحمي .. وترقد تحتي وتقول لي :
" هيا . أنا زوجتك . "
ثم جئت إلى مدينة الذئاب والقصابين والسبابة .. وأنا لا أتصور تماما ما سيحيق بي .. المسيح كان نبيا أو ابنا لله ( هذه قضاياكم يا مدمني الحروب والقتال الديني ) وفدى الناس .. فما بالي أنا الذي يظنه بعض الناس عبدا والبعض الآخر يظنه بهيمة .. ما بالي أنا ( يا عاشقي تأسيس المسالخ وتصنيع الأحذية ) مجرد مخلوق كل جريمته أنه ولد بلا غريزة دفاع عن النفس وبلا مخالب وبلا قدرة على الهروب وبلا قدرة على الكلام وبثياب أخرى لا تعترف بها السلطة .. ولكن ها أنا أتكلم .. أنا إنسان مثلكم خلقني الله بهذه الصورة المسالمة حتى يختبر قوة شهواتكم وضميركم ( يارواد الظلام الحالك ) ها أنا أتكلم .. كيف يفدي عبد مثلي أو بهيمة لها أخلاقي المسالمة وهيئتي الطيبة أحرارا مثلكم وعقلاء مثلكم .. إبراهيم أرسلوا له كبش من السماء فلماذا لا يرسلون لكم كباشا ملائكية مثله من هناك يا أكلة لحوم البشر .
جاءت رميثاء الخائنة تحمل ( الصواني ) و( جردل ) ماء كأنني لم أكن حبيبها قبل ساعات .. ربما كانت لا تدرك أن جسدها يمكن أن يشتت جيشا كاملا من الرجال الغلاظ .. من المساعدين الذين يشبهون الأفيال .. من الخيول التي تموت في السباق وتنتحر أثناء الخوف .. ووضعت الصواني وأدبرت .. لو كنت إنسانا مثلها لاغتصبتها كما يغتصب العبد ابنة سيده الشرير .. لحملتها بين ذراعي وهربت بها إلى مكان مهجور .. سمعت في اللوري أن هناك تيسا ذهبي اللون تزوج من مراهقة عذراء من بنات البدو وبقي معها سعيدا إلى آخر العمر بالرغم من أنه لم ينجب منها شيئا .. وتحدث الشعراء والكتاب عن هذه العلاقة البريئة كثيرا .. وعندما توفيا أقيم لهما تذكار ( كتاج محل ) .. وعشقت مطلقة في الأربعين من العمر حمارا فتيا مشاكسا فاشترته بأضعاف سعره .. واسكنته معها في غرفة النوم .. وكانت تربطه أمام شجرة قرب باب الشارع ليأكل وينام ويراقب المارة والفتيات طوال النهار .. وعاشت معه سعيدة إلى أن قامت القيامة .. ولكن لماذا افدي أنا هؤلاء المجانين ؟ هل من بينهم نبي كإبراهيم أو ابنه ؟ أنا أريد أن أتحدث .. أريد مترجما فحزن عيني لا يكفي .. إنهم حتما سيدخلون وادي ( لملم ) في الجحيم .. إنهم لا يريدون فداء أو خلافه .. إنهم في حالة عرامة لأكل اللحم البشري الممنوع .. أنا أريد أن أتحدث .. أريد قوة تدعمني ومناصرين يتحدثون بقضيتي .. فحتى ( حتى) المثليين الآن يصارعون السلطة ويطالبون بحقوقهم .. لماذا تنتفون لحمي وتغتصبون جسدي بهذه الطريقة المخلة اللاإنسانية .. بالطبع عشت أكثر من مئة حياة .. ولكن لماذا يربط هذه القصاب الجاهل المجرم أقدامي ؟ لماذا يستقبل بي القبلة ؟ ما شأني أنا وقبلتكم ؟ الشيخ قال له لا ضعه على يده اليمني فحولوا مكاني .. لا أعرف ماذا يريدون فعله .. ربما سأرجع يوما لحواء في يوم ممطر في قرية العبودية تحت التلال الخضراء نمرح بين عيدان الذرة وقصب العنكوليب وقناديل الدخن .. وستركب ظهري .. وستعانقني .. وتقبل فمي المبتل .. وستقول أنا فديتك بمئة درهم يا رفيق عمري .. لماذا يبحث هذا القصاب عن بلعومي ؟ فتحت عيني .. ورأيت نصلا رهيبا حادا وضعه على عنقي .. لايمكن أن يحدث ما أتخيله .. وضعه في ذاك المكان الذي قبلتني فيه حواء ومن بعدها رميثاء حيث سال لعابها أثناء النوم .. وعندما تحرك النصل بسرعة البرق شعرت بلذة أكبر من أي لذة شعرت بها من قبل .. هل هي لذة الموت ؟ كلا .. إنها لذة الحياة .. لذة أن تحسم كل الأمور بسرعة البرق .. وغبت كما يغيب الدخان في الفضاء .. ودخلت في ساحة أخرى غائمة وباردة وبها رذاذ المطر .. وسمع الصوت الذي شكل كل شيء وفرض الأقدار والعبث .. قيل لي لا تبتئس ستولد من جديد .. تجرأت وسط دمائي وقلت لا عبد ولا تيس قال الصوت الرحيم العادل الذي يقسم الموت والحياة بالعدل والتساوي بين المجرم والضحية ( سترى ) .. فتح القصاب المجرم فتحة في رجلي وبدا ينفخ وينفخ إلى أن صرت ضخما كالفيل .. ورأيت دمي البائس يتجمد تحت أشعة الشمس .. وحسب أوامر (الشيخ ) الذي يدرس في الجامعة قطع رأسي قبل أن يعلقني في حبل متدل من الباب .. وهناك سلخ جلدي .. يالها من لذة .. يالها من آلام لا تتحملها سوى الآلهة .. وفصل مفاصلي وسمعتها تكركع .. وبقر بطني .. ولاك شيئا من الكبد .. كبدي الذي أحببت به حواء .. وغفرت به لرميثاء .. وفي نهاية وجودي القصير الذي لا وفاء فيه صرت أكواما من اللحم أهدوها للمساكين .. كأنني لست واحدا منهم .. لم يهد إلى أي شيء , كانوا يشكرون الله حتى لا يشعروا بفداحة المصيبة .. تقلبت في نيران الشواء ساعات .. وتجمدت في الثلاجات أياما .. وبيع جلدي ب5 جنيهات .. وأرجلي حملتها القطط ليلا .. هذا جسد مستباح يا أصدقائي .. هذا حرم لا يحميه أحد .. هذه مدينة لا كرامة لها تسكنها الصقور والجثث التي تنتظر دورها في دائرة الرحمة والأقدار المتساوية .. النمل حمل باقي الشحم المبعثر .. الصقور اختطفت أجزاء من الذيل .. يا أصدقائي الذين يحتمون من الخوف بالأعراف ويحتمون من الحقيقة بالعقائد عندما يفسد الإنسان فلا تتوقع الصلاح في أي شيء ..
في ليلة ممطرة تئن سحبها تحت سياط البرق والرعد ولدت مرة أخرى باكيا وأنا أشعر بأثر السكين في قلبي وأرجلي وجلدي .. من صرختي عرفت أنني ولدت في جسد إنسان .. فالروح لا يملكها أحد .. إنها تدخل في أي جسد حتى الباعوض .. وعرفت أنني مررت بأصعب المراحل في الوجود .. تلك المراحل التي كتبت على كل المخلوقات .. وأن الذين ذبحوني من قبل لن يتجرأوا مرة أخرى على فعل ذلك .. ربما ( ربما ) كنت أحس أنني في منطقة وسطى بين البهيمية والإنسانية وأن عقلي مشتت بين عالمين وبين دهرين وبين ظاهرتين .. ولذلك لم أندهش عندما أحببت نعجة شابة فتية حوراء ناصعة البياض ولدت من أبوين من بين ( البشر ) ثم ولدت لي هي طفلا جميلا صار إماما لأحد الجوامع ولكن عندما رأيته في يوم من الأيام يشرح للناس كيفية الذبح على الطريقة الإسلامية وقطع الشرايين والأوردة خاصمته بشدة ومازال خصامي له مستمرا حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها وأنا في مكتبي في الجامعة .. أريد أن أسافر إلى قرية العبيد تحت التلال روحي معلقة بتلك النواحي .. فهل مازالت موجودة هناك ؟
خالد بابكر أبوعاقلة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.