نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالفيديو.. بلقطات رومانسية أمام أنظار المعازيم.. عريس سوداني يخطف الأضواء بتفاعله في الرقص أمام عروسه وساخرون: (نحنا السودانيين الحركات دي أصلو ما جاية فينا)    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة التيوس إلى أرض الغفران القاحلة (قصة قصيرة )
نشر في الراكوبة يوم 25 - 05 - 2016

في صباح ممطر كان السحاب يزحف تحت أرجلنا والسماء تتموج خلف الأشجار حينما جاء ( سيدنا ) المكبل بقيود اعتقاداته الضيقة الموروثة .. وثيابه ملطخة بالوحل وهو يخوض في الغبار المبتل الذي أثارته البهائم بالأمس وحسبنا بدقة كما يفعل دائما .
واحد اثنان ثلاثة ... مئة .. كنا نتدافع أثناء العد كالفتيات السعيدات في قصر هارون الرشيد .. الماء يسيل فوق ظهورنا ورؤوسنا والغيوم تحيط بنا كلحقات السجائر .. والطين يصل إلى مفاصلنا وأعضاءنا التناسلية .. والمطر.. المطر لا يتوقف ,, و( سيدنا ) الطيب الغافي الذي يعيش في دائرة جهله وماضويته يشير بعصاه كما أشار المهدي وهو راكب حصانه في تلك الصورة أثناء فتح الخرطوم ,, وعندما تأكد بعينيه الضيقتين المتيقنتين أن عددنا هو بالضبط مئة وخمسون نفسا لا غيرأمر مساعديه الغلاظ الذين كانت رؤوسهم تشبه الكلاب بإدخالنا إلى ( اللوري ) .. اشتد المطر عندما تحركنا في ذاك الصباح من قرية العبودية التي نشأنا فيها .. كان اللوري ثقيلا بين أنقاض الأوحال .. وكان يئن وسط سحاب الرمل الغارق في طين العصور الوسطى .. والصقور المبتلة الشريرة تتابع جثثنا من أعلى منطقة في السماء .. كانوا يقولون بأننا ذاهبون إلى بلدة يقال لها أم كرمان أو أم رجمان أو أم درمان .. لا أدري .. بلدة بعيدة في مجمع البحرين على بعد مئة سنة من مملكة يأجوج ومأجوج كما قال أحد المساعدين الذي كان وجهه لا يشبه الكلب .. هناك حيث مشرق الشمس .. بلدة بها الذئاب تمشي على رجلين وتلبس البناطلين والجلاليب .. وبها الضباع تمشي على رجلين وتغتصب الفتيات الصغيرات ,, وبها ابن آوى والثعالب تتوالد بين الحشائش ,, يقولون هناك سوق ( نخاسة ) ضخم مبني من الحجر .. هناك يباع البشر والخيول والحمير .. الرجال الأقوياء والنساء الجميلات .. و عندما وصلنا مكانا يقال له ( نيالا ) أو ( نبالا ) ومازال المطر يولول ويئن من كثافة الطين في السماء ,, تذكرت ابنة ( سيدنا ) التي لعبت معي كثيرا في طفولتها .. وقضت معي معظم السنوات الجميلة من عمري الذي لم يتبق له الكثير .. وعندما بلغت الرابعة عشرة من العمر.. وبرز صدرها .. وأصبحت أفخاذها ملفوفة ولدنة .. صارت تركب ظهري وتتمايل وتمسك أذني وترتمي على عنقي الطويل وتقول :
" يا عبدي أذناك طويلتان كأذني البهيمة . "
كان اسمها ( حواء ) .. وكانت تفتح الباب بهدوء في الأمسيات .. وتمرح معي إلى أن نسمع صوتا عاليا كجن الملك سليمان .. فتلبس فستانها الذي كانت تصنع منه شيئا مثل السرج وتقول :
" الصلاة . "
في مرة وهي راكبة .. وفخذاها مفتوحتان مالت إلى عنقي حتى وصلت وجهي فقلبت لغوب مشافري كأنها أسد حصل على فريسة بعد جوع وظمأ .. ولأنها مالت كثيرا فقد سقطت تحتي .. وأحسست بغريزتي تجتاحني كالسيل وأحسست أيضا بغريزتها الفتية المندفعة .. ولكن ( ولكن ) كيف لي أن أتزوجها كمايتزوج الرجل المرأة .. وأنا لم أخلق لها ,, وظلت معلقة على عنقي وهي تشهق بالبكاء وتجرني نحوها إلى أن سمعنا ( سيدنا ) يقول :
" غدا سنسافر . "
بكت وقبلت فمي ثم اختفت .. ( اختفت إلى الأبد ) .. هناك رجل في قرية العبودية المظلمة بالأمطار والدماء والنواح تزوج نعجة ( نعجة صغيرة فتية بيضاء ) وأنجب منها حورية بحر .. ورجل آخر تزوج معزة هولندية وأنجب منها ابنا رأسه رأس تيس وجسده جسد إنسان ,, إنه ( المساعد ) الغليظ الشرير الذي يترجم لسيدنا كل ما نقوله بلغاتنا الغريبة التي يفهمها ويحسب له الأعداد في كل بلدة نصلها من بلاد القحط والجوع .. حسبنا في اللعيت جار النبي .. وحسبنا في النهود .. وحسبنا في الأبيض التي قتل فيها الآلاف من جنود المهدي في ساعات معدودة .. وحسبنا في الرهد.. وحسبنا في كوستي على ضفة النهر .. وحسبنا في كنانة .. وفي عسلاية .. وفي الدويم .. وفي الخرطوم ,, وعندما وصلنا أم درمان المرعبة القاتلة التي تبتلع كل من يذهب إليها كما تبتلع دوارة الماء القش ,, كان المساعد مهتاجا يصيح :
" أنزلوا العبيد ."
كان معنا بعض النسوة نجون من برد السحب المتراكم .. ونجون من مناقير الصقور التي تحطمت تحت ضباب اللواري العنيفة .. وكان المساعد الغرائزي النرجسي يضاجعهن في اللوري باستمرار لظنه أنهن بهائم ,, وكان يقول لنا وهو في حالة انتعاظ
" أنظروا إلى هناك يا عبادا .. شنو الجديد ؟ "
وكان في الطريق يقع في حب البهائم .. وفي حب النساء القبيحات اللائي يشبهن القطط والحمير والكلاب .. وفي مرة أحب معزى صغيرة كانت تقفز فرحا تحت المطر وتجمع الصقور الميتة من جانب الطريق .. وعلق على عنقها قلادة سرقها من المطعم في الطريق .. واشترى لها أقراط خشبية من الرهد ..وكحل عينيها بالمرود .. وطلى مشافرها بالأحمر .. ولكنه رغم هذا كله لم يكن وفيا في حبه ,, لأنه باعها لجزار عجوز في الرهد ذبحها أمامنا وهي تصيح وتفرفر وتتقافز طلبا للنجاة .. وسلخها وهي معلقة في الشنكل .. وعندما فتح بطنها وجدها حاملا بطفلة غاية في الجمال .. في رأسها تاج صغير مذهب . وجدها نائمة تحلم .. فأخذها بحذر ..رماها في برميل الأوساخ لتأكلها الكلاب الضالة ليلا .. ثم كوم لحم المعزة في عدة أكوام ووزعه على المساكين الجوعى .. ( كان رجلا تقيا ) ,, كان المساعد يختفي بين القطعان النائمة .. ويعود في الليل وهو يحمل ( قربة )لبن .. وكان يصادق القصابين و( السبابة ) وأصحاب مطاعم الشواء .. وفي أم درمان وعلى غفلة منه .. وبعد أن سمن كثيرا تحت الأمطار وشراب اللبن وتجميع أموال من العمل السري .. باعه ( سيدنا ) لرجل ثري قام بذبحه على الفور هو الآخر وكان يصيح ويبعر ويتبول ( أنا بشر مثلكم .. لا يحق لكم أكلي .. أبي بشرمثلكم .. أنا أعرف لغتكم ) ولكن أهل أم درمان كانوا لا يفهمون لغته وثغاءه وجعيره .. فساقوه إلى حتفه كما ساقوا الذين من قبله وكما سيسقون من يأتي بعده من أجيال لاحقة مازالت في طي الغيب .. هذا النوع من الحب تسمونه أنتم كما سمعت في أم درمان المرعبة ( بالزوفيليا) .
كان المطر متقطعا .. وبعض الصقور وصلت منهكة .. وعسكرت في صارية قبة الإمام المهدي .. عندما جس نبضي ( شيخ ) عجوز تقي يشبه الأنبياء ..وتحسس ظهري وبطني بحرفية جزار ومر بيده على عنقي بمهنية قاتل مصرح له بالقتل حتى تبولت في أرجلي . وقال بصوت واهن .
" بكم هذا العبد ؟ "
وصاح سيدنا ضاحكا بعينيه الغبيتين المحصورتين في مرحلة ما من تاريخ البشر : " هذا ليس عبدا ,, هذا بهيمة .. هذا تيس سمين "
وصاح الرجل .
" نعم نعم أريده . "
كان ذاك الشيخ رجل معرفة متجاوزة للمألوف والمنطق ورفع حجب .. لقد رآني في عالم الغيب عندما كنت في الزمن الماضي عبدا .. كان يعلم أن بداخلي إنسان آخر .. وأنني صورة من عدة صور ,, وأنني مجموعة أشياء متراكمة بعضها فوق بعض ,, في الظلام وقد توقف المطر تماما وزالت كل ملامح تلك القرية البعيدة تبعته إلى بيته .. فتح الباب .. وأدخلني .. وربطني تحت مظلة .. وجاءت ابنته خميصاء أو (رميثاء ) بالماء والطعام .. ثم ذهبت لتنام .. ولكنني لم أنم .. ماذا يريدون أن يفعلوا بي .. كانت رميثاء في ناحية من المظلة المسقوفة بالزنك وفوقها نجو ملتفة بالغبار تحلم بالشاب الذي تحبه .. في أثناء نومها خلعت كل ملابسها .. كانت ربما في العشرين من العمر .. ناضجة غرائزية .. وركبت حمار النوم .. ركبت ظهري المتعب .. كانت تظن أن فارس أحلامها يأخذها إلى قصر بعيد مدفون في خيالات المغلوبين على أمرهم على ظهر الفرس الأبيض .. كنت مرهقا من تلك الرحلة الطويلة إلى بلاد الذئاب ,, ولكنني تذكرت حواء المرحة البريئة التي قادتها غرائزها إلى أن تنام تحتي بلا أي جدوى .. وإلى أن تتفحص بطني بحذر في ليلة من الليالي .. إلى أن تضع يديها الناعمتين على قروني ..( فضحكت ) .. كانت ( رميثاء ) ثقيلة الجسد جاهزة للتناسل والدخول في صراع الحياة .. ليتني كنت أستطيع حملها بيدي ( بحوافري ) .. و برغم إرهاقي ظللت واقفا كما وقفت من قبل تحت أمطار الطين والويلات .. وهي تهز وركيها .. وتحتك بنهديها على ظهري وعنقي .. وسمعتها تضحك وهي في غاية السعادة بصوت سكير .. وأحسست بلزوجتها تسيل على فروة ظهري .. وعندما وصلت إلى ذروة التشنج سقطت تحتي وقبلت مشافري المزبدة من التعب وهي تتغنج .. ولكن كيف لي أن أتزوجها وأنا في مثل هذه الحالة ( أنا ولدت في ثياب تيس من أم بشرية وأب بشري أيضا ) لأول مرة أعرف أن البهائم في هذه البلاد تأخذ من الحب السري أكثر من بني الإنسان .. وأنها تعرف من الأسرار ما لا تعرفه ( الحكومة ) .. وهنا وفي لحظة وعي كانت رميثاء المجنونة بغرائزها الأخلاقية والدينية المكبوتة تقبلني وتصيح :
" يا تيسي الحبيب . يا زوجي الأبدي "
في الصباح حدث نقاش بين الشيخ وأحد الرجال يمسك بسكين طويلة حادة قاتلة لا أدري ماذا يريد أن يفعل بها ..هل يجوز ذبح التيس أو الخروف أم نحره في الشريعة؟ وما هو الفرق بين النحر والعقر ؟ وهل يجوز قطع البلعوم مع المريء مع الودجين أم لا ؟ ودخلا في مماحكات طويلة مفزعة من قبيل هل يجوز استقبال القبلة أم الذبح في أي مكان ؟ وماذا يقول الرجل الذي يذبح ؟ هل يقول بسم الله ويصمت أم يتم بالله أكبر ,, كل هذا وأنا لا أعلم ماذا يعنيان بكل هذه الأمور الفارغة .. فأنا جئت عابر سبيل من زرائب العبيد في أقصى الدنيا و لا تجربة لي .. ولدت في يوم شتاء بارد .. ورضعت من ثدي أمي التي كانت تأكل قشر الفول لبنا غزيرا ثم رمتني في برميل في أحد الشوارع وجاء سيدنا أثناء الفصل المطير وأنقذني من الغرق وسمح لي أن أعيش في زرائبه مع الحيوانات .. ولعبت كثيرا في طفولتي دون أن أسأل من أنا ومن والداي ؟ لعبت ( كثيرا ) إلى أن جاءت حواء ذات صباح وأصبحت رفيقتي وأمنية حياتي ,, تركب ظهري وهي في الرابعة عشرة من عمرها وتتحسس لحمي .. وترقد تحتي وتقول لي :
" هيا . أنا زوجتك . "
ثم جئت إلى مدينة الذئاب والقصابين والسبابة .. وأنا لا أتصور تماما ما سيحيق بي .. المسيح كان نبيا أو ابنا لله ( هذه قضاياكم يا مدمني الحروب والقتال الديني ) وفدى الناس .. فما بالي أنا الذي يظنه بعض الناس عبدا والبعض الآخر يظنه بهيمة .. ما بالي أنا ( يا عاشقي تأسيس المسالخ وتصنيع الأحذية ) مجرد مخلوق كل جريمته أنه ولد بلا غريزة دفاع عن النفس وبلا مخالب وبلا قدرة على الهروب وبلا قدرة على الكلام وبثياب أخرى لا تعترف بها السلطة .. ولكن ها أنا أتكلم .. أنا إنسان مثلكم خلقني الله بهذه الصورة المسالمة حتى يختبر قوة شهواتكم وضميركم ( يارواد الظلام الحالك ) ها أنا أتكلم .. كيف يفدي عبد مثلي أو بهيمة لها أخلاقي المسالمة وهيئتي الطيبة أحرارا مثلكم وعقلاء مثلكم .. إبراهيم أرسلوا له كبش من السماء فلماذا لا يرسلون لكم كباشا ملائكية مثله من هناك يا أكلة لحوم البشر .
جاءت رميثاء الخائنة تحمل ( الصواني ) و( جردل ) ماء كأنني لم أكن حبيبها قبل ساعات .. ربما كانت لا تدرك أن جسدها يمكن أن يشتت جيشا كاملا من الرجال الغلاظ .. من المساعدين الذين يشبهون الأفيال .. من الخيول التي تموت في السباق وتنتحر أثناء الخوف .. ووضعت الصواني وأدبرت .. لو كنت إنسانا مثلها لاغتصبتها كما يغتصب العبد ابنة سيده الشرير .. لحملتها بين ذراعي وهربت بها إلى مكان مهجور .. سمعت في اللوري أن هناك تيسا ذهبي اللون تزوج من مراهقة عذراء من بنات البدو وبقي معها سعيدا إلى آخر العمر بالرغم من أنه لم ينجب منها شيئا .. وتحدث الشعراء والكتاب عن هذه العلاقة البريئة كثيرا .. وعندما توفيا أقيم لهما تذكار ( كتاج محل ) .. وعشقت مطلقة في الأربعين من العمر حمارا فتيا مشاكسا فاشترته بأضعاف سعره .. واسكنته معها في غرفة النوم .. وكانت تربطه أمام شجرة قرب باب الشارع ليأكل وينام ويراقب المارة والفتيات طوال النهار .. وعاشت معه سعيدة إلى أن قامت القيامة .. ولكن لماذا افدي أنا هؤلاء المجانين ؟ هل من بينهم نبي كإبراهيم أو ابنه ؟ أنا أريد أن أتحدث .. أريد مترجما فحزن عيني لا يكفي .. إنهم حتما سيدخلون وادي ( لملم ) في الجحيم .. إنهم لا يريدون فداء أو خلافه .. إنهم في حالة عرامة لأكل اللحم البشري الممنوع .. أنا أريد أن أتحدث .. أريد قوة تدعمني ومناصرين يتحدثون بقضيتي .. فحتى ( حتى) المثليين الآن يصارعون السلطة ويطالبون بحقوقهم .. لماذا تنتفون لحمي وتغتصبون جسدي بهذه الطريقة المخلة اللاإنسانية .. بالطبع عشت أكثر من مئة حياة .. ولكن لماذا يربط هذه القصاب الجاهل المجرم أقدامي ؟ لماذا يستقبل بي القبلة ؟ ما شأني أنا وقبلتكم ؟ الشيخ قال له لا ضعه على يده اليمني فحولوا مكاني .. لا أعرف ماذا يريدون فعله .. ربما سأرجع يوما لحواء في يوم ممطر في قرية العبودية تحت التلال الخضراء نمرح بين عيدان الذرة وقصب العنكوليب وقناديل الدخن .. وستركب ظهري .. وستعانقني .. وتقبل فمي المبتل .. وستقول أنا فديتك بمئة درهم يا رفيق عمري .. لماذا يبحث هذا القصاب عن بلعومي ؟ فتحت عيني .. ورأيت نصلا رهيبا حادا وضعه على عنقي .. لايمكن أن يحدث ما أتخيله .. وضعه في ذاك المكان الذي قبلتني فيه حواء ومن بعدها رميثاء حيث سال لعابها أثناء النوم .. وعندما تحرك النصل بسرعة البرق شعرت بلذة أكبر من أي لذة شعرت بها من قبل .. هل هي لذة الموت ؟ كلا .. إنها لذة الحياة .. لذة أن تحسم كل الأمور بسرعة البرق .. وغبت كما يغيب الدخان في الفضاء .. ودخلت في ساحة أخرى غائمة وباردة وبها رذاذ المطر .. وسمع الصوت الذي شكل كل شيء وفرض الأقدار والعبث .. قيل لي لا تبتئس ستولد من جديد .. تجرأت وسط دمائي وقلت لا عبد ولا تيس قال الصوت الرحيم العادل الذي يقسم الموت والحياة بالعدل والتساوي بين المجرم والضحية ( سترى ) .. فتح القصاب المجرم فتحة في رجلي وبدا ينفخ وينفخ إلى أن صرت ضخما كالفيل .. ورأيت دمي البائس يتجمد تحت أشعة الشمس .. وحسب أوامر (الشيخ ) الذي يدرس في الجامعة قطع رأسي قبل أن يعلقني في حبل متدل من الباب .. وهناك سلخ جلدي .. يالها من لذة .. يالها من آلام لا تتحملها سوى الآلهة .. وفصل مفاصلي وسمعتها تكركع .. وبقر بطني .. ولاك شيئا من الكبد .. كبدي الذي أحببت به حواء .. وغفرت به لرميثاء .. وفي نهاية وجودي القصير الذي لا وفاء فيه صرت أكواما من اللحم أهدوها للمساكين .. كأنني لست واحدا منهم .. لم يهد إلى أي شيء , كانوا يشكرون الله حتى لا يشعروا بفداحة المصيبة .. تقلبت في نيران الشواء ساعات .. وتجمدت في الثلاجات أياما .. وبيع جلدي ب5 جنيهات .. وأرجلي حملتها القطط ليلا .. هذا جسد مستباح يا أصدقائي .. هذا حرم لا يحميه أحد .. هذه مدينة لا كرامة لها تسكنها الصقور والجثث التي تنتظر دورها في دائرة الرحمة والأقدار المتساوية .. النمل حمل باقي الشحم المبعثر .. الصقور اختطفت أجزاء من الذيل .. يا أصدقائي الذين يحتمون من الخوف بالأعراف ويحتمون من الحقيقة بالعقائد عندما يفسد الإنسان فلا تتوقع الصلاح في أي شيء ..
في ليلة ممطرة تئن سحبها تحت سياط البرق والرعد ولدت مرة أخرى باكيا وأنا أشعر بأثر السكين في قلبي وأرجلي وجلدي .. من صرختي عرفت أنني ولدت في جسد إنسان .. فالروح لا يملكها أحد .. إنها تدخل في أي جسد حتى الباعوض .. وعرفت أنني مررت بأصعب المراحل في الوجود .. تلك المراحل التي كتبت على كل المخلوقات .. وأن الذين ذبحوني من قبل لن يتجرأوا مرة أخرى على فعل ذلك .. ربما ( ربما ) كنت أحس أنني في منطقة وسطى بين البهيمية والإنسانية وأن عقلي مشتت بين عالمين وبين دهرين وبين ظاهرتين .. ولذلك لم أندهش عندما أحببت نعجة شابة فتية حوراء ناصعة البياض ولدت من أبوين من بين ( البشر ) ثم ولدت لي هي طفلا جميلا صار إماما لأحد الجوامع ولكن عندما رأيته في يوم من الأيام يشرح للناس كيفية الذبح على الطريقة الإسلامية وقطع الشرايين والأوردة خاصمته بشدة ومازال خصامي له مستمرا حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها وأنا في مكتبي في الجامعة .. أريد أن أسافر إلى قرية العبيد تحت التلال روحي معلقة بتلك النواحي .. فهل مازالت موجودة هناك ؟
خالد بابكر أبوعاقلة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.