زفَّت إلينا صحيفة الراكوبة الغراء خبر إطلاق سراح بعض طلاب جامعة الخرطوم.. وقد طالعت هذا الخبر عند السَّحَر من فجر هذا اليوم.. وكذلك عند تصفُّحي لتويتر وجدت بعض النشطاء قد غرَّد به.. فلا تسلني عن بالغ سعادتي، وفرحي الغامر، وسروري الذي لا يوصف.. لذلك أرسل عاطر تهنئاتي لجميع أولئك الطلاب الأماجد، وأسرهم الكريمة.. ولا شك أنّه يومٌ بطعم العيد، ونكهة الأفراح.. وعقبال أن تنطلق زغاريد الفرح في كل ربوع السودان معلنة يوم عيده الكبير.. وفي غمرة هذا الفرح، نتمنَّى الحرية كذلك، ونطالب بها، للبقية الباقية، والقابعة لا تزال، هناك، تحت نير القهر، وفي أقبية النظام. لكن لماذا يتم اعتقال واختطاف الطلاب والطالبات أصلاً؟.. جهاز الأمن الوطني، بفعلته هذه الشنعاء وحدها، يفقد مصداقيَّة مُسَمَّاه وصِدْقِيًَّة وظيفته.. فأين هو أمن المواطن، وهو نفسه يمارس اختطاف الطلاب والطالبات، من قارعة الطريق، ومن قلب مكاتب المحامين؟.. ليبعث رسالة واضحة، وهي: طالما أنت تعترض على سياسات النظام، فلا يوجد لك مكان أيَّاً كان، سيعصمك منا ومن قبضتنا. الأسر تكدح وتعرق، وتبذل الغالي والنفيس، وتقتطع من جسدها ولحمها الحي، في سبيل تعليم وتنشئة أبنائها وبناتها.. لكن يأتي جهاز الرعب والإرهاب، ليعبث بكل ذلك.. فيُعَرِّض أمن الأبناء والبنات للخطر، وبلا أدنى اعتبار لهذه الأسر الكريمة الكادحة. ثم هذا الجهاز يُلْصِق بإسمه كذلك صفة (الوطني).. والمفترض فيه لذلك، وهذه هي صفته التي يزعمها لنفسه، أن يكون جهازاً لكل الوطن ولكل المواطنين، بإختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية وأحزابهم وانتماءاتهم.. لكنه للأسف أثبت ويثبت أنَّه جهاز أمن المؤتمر الوطني فقط.. ولذلك إذا اختلفت نظرتك إلى الأمور السياسية، عن نظرة المؤتمر الوطني، وكنت نشيطاً متحمساً لطرح نظرتك وأفكارك المغايرة، فأنت بلا شك قد دخلت دائرة رصده ومراقبته ومتابعته، وبالتالي صار أمنك مُهَدَّدا. وإذا لم يكن كذلك، فلماذا أصلاً يحشر هذا الجهاز أنفه، في النشاط السياسي الطلابي، طالما المفترض فيه أنَّه جهاز لكل الشعب ومواطنيه وكل أطيافه بلا تمييز؟.. وهل الشعب السوداني يدفع من دم قلبه، وحُرِّ ماله، ومن ثرواته لهذا الجهاز، لكي يتفرغ لمتابعة ومراقبة ورصد نشاط أبناءه وبناته الفكري والسياسي داخل الجامعات.. ومن ثم يقوم بإعداد قوائم تصنيف لهم حسب وجهة نظره.. فهذا عنده جبهة ديمقراطية.. وتلك شيوعية.. وذاك بعثي.. وحزب أمة واتحادي واسلامي هلمجرا؟.. ماذا سيستفيد الشعب السوداني من وضع قوائم بهذه التصنيفات لفلذات أكباده؟. يا حبذا لو كان هذا الرصد والمراقبة والمتابعة لمعرفة نشاط تجارة المخدرات إن وجدت داخل الجامعات ومن ثم الوصول إلى شبكات توزيعها والإيقاع بها وبرؤوس مافياتها الكبار.. ويا حبذا لو كان هذا الرصد والمتابعة والمراقبة لمعرفة مصادر السلاح التي تتسرَّب إلى داخل الجامعات ويقع بسببها ضحايا.. ويا حبذا لو كان هذا الرصد والمتابعة والمراقبة لمعرفة واقتناص أصحاب النوايا الخبيثة الذين قد ينشطون داخل أسوار الجامعات للإصطياد والإيقاع بضحاياهم في شبكات الدعارة.. كل أولئك جدير وقمين أن يتذوَّق مرارة القهر والإعتقال.. والضرب على يديه، بمقامع من حديد.. وليس أولئك الأيفاع من أبناء وبنات السودان. ارفعوا أيديكم عن أولادنا وبناتنا في الجامعات.. واتركوهم لجامعاتهم ونشاطاتهم.. واتركوا تكوينهم الفكري والسياسي، ينضج ويتشكل ويتكون تكوينه الطبيعي في بيئته الطبيعية.. لستم أوصياء على الشعب السوداني.. والمفترض فيكم حسب مُسَمَّى وظيفتكم أن تكونوا فقط حماته وحراسه ونواطير زرعه وخَفَر أبوابه. [email protected]