الصدفة قادتني لمشاهدة برنامج تلفزيوني بالاسم أعلاه وفكرة البرنامج تقوم على حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "تهادوا تحابوا" . تقوم المذيعة يصحبها مسئولو التسويق في إحدى الشركات الكبيرة بزيارة أسرة فقيرة في منزلها المتواضع أو ما يسمى بالمنزل في الحقيقة إذ أنه لا يعدو أن يكون سقف من القنا أو فروع الاشجار مثبت به كرتون لا يكاد يقى من حر أو مطر ولكنه ظل تحتمي به أسرة فقدت عائلها ، أو أسرة أتت مشردة من مناطق القتال والحرب ، أو رب أسرة أقعده المرض والداء العضال وأطفال يفع كان قدرهم ومصيرهم أن تكون هذه أسرتهم والجميع لا يطلب في هذه الدنيا غير لقمة تقيم أوده وكسوة تستره ، والمستقبل مجهول تركوه للظروف والقدر . يأتي ركب القناة بكاميراتهم ومخرجيهم ومسوقيهم ويعرضون قصة هؤلاء البؤساء ، قصة فقر مدقع تدمي القلوب لأسرة طعامها وجبة واحدة يجود بها الخيرون ، وأقارب مرضى يحتاجون للدواء الغالي المكلف، وآخرون استسلموا لمصيرهم وتركوا السعي للعلاج بسبب ضيق ذات اليد ، وقصص أخرى تجعل الدمع يترقرق في أعين المشاهدين إستجابة للدمع الذي نزل من أعين المستضافين الضعفاء ومشاركتهم مصابهم وآلامهم والدعاء لهم وهذا أضعف الإيمان بأن يفرج الله كربتهم ويوسع رزقهم ويعينهم على الحياة . ولكن ما بال هؤلاء القوم الذين اتخذوا شعار "تهادوا تحابوا" للدعاية لشركتهم الكبيرة بمقياس زمن البرنامج والذي لو طرحت دقائقه في دعاية مباشرة للشركة لكلفت الملايين ، ولكن تفتقت أذهانهم لاستغلال بؤس هؤلاء البؤساء في مثل هذا البرنامج وهم في كامل هندامهم من ملابس فاخرة وطيب حديث ثم يقدمون (هديتهم) للأسرة التي قطعوا أوصالها فضحاً وعلى الهواء مباشرة والهدية عبارة عن (خلاط كهربائي) قيمته السوقية لا تساوى ذرة في حجم احتياجات الاسرة المنكوبة التي خصوها به ، ولسان حال الاسرة المتعشمة بعد سرد مأساتها أن تكون العطية بحجم ما يعين الاسرة على وضع لبنة مشروع يدر دخلا يبلغ بهم فقط حد الكفاف. خجلت نيابة عنهم واعتذرت نيابة عنهم للأسرة الفقيرة والتي أراها قد قبلت الهدية على مضض ولسان حالهم يقول ماذا نفعل بخلاط ونحن لم نرى أو نعرف ما يخلط به من فواكه وخضروات ومن أين لنا بالكهرباء اللازمة لتشغيله ، أما تستحون. أحد الامراء وهو متنكر بينما يتفقد حال الرعية وجد رجلا فقيرا فأهداه هدية قيمة فقال له مرافقه : لو أنك أعطيته القليل فهو لا يعرفك . وكان رد الأمير : ولكنى أعرف نفسي . أعرفوا أنفسكم يا هؤلاء وقدموا من الهدايا ما يجعل المهدى إليه يحبكم لا أن يحتقركم ويدعو عليكم. [email protected]