في هذه الأسطر نريد توضيح بعض ملامح فلسفة التفكيك و الآليات التى يستخدمها الفيلسوف الفرنسي دريدا كرائد للتفكيكية في العالم و نحته لمفاهيم جديدة مثلاً : [ التفكيك و الاختلاف و التمركز العقلي و التمركز الصوتي ] . مفهوم التفكيك من بين المفاهيم الأأكثر إلتباسا في الفلسفة المعاصرة، و لكن يظل مدرسة مهمة في تاريخ الفلسفة لما قدمه من تفكيك لبعض المفاهيم التى كانت تقدس في الوعي الغربي و يمكن أن أقول التفكيك هو آخر ما توصل له العقل الفلسفي الغربي و لولا التفكيك لما حدث ثورة في المعرفة و نقد و إصلاح العقل الأروبي كما تفعل المدرسة النقدية و لما ظهر أركون و مطاع صفدي و على حرب و آخرين في المدرسة العربية و الاسلامية و لكنا ليس هناك منتوج إنساني لا يحتوي في داخله أمراض الذات أو ايديولوجية أو تاريخية و من هنا يظهر صعوبة استخدام مدرسة التفكيك مثلا على المعرفة "الاسلامية " لان يظل التفكيك منتوج من خارج النسق "العربي إسلامي" لاختلاف التراكم المعرفي و الوعي الثقافي بين الحضارة الغربية و الشرقية و لكن هذا لا يمنع المفكر العربي إسلامي من استخدام التفكيك و لكن يجب الإنتباه و الحذر جداً على الاختلاف بين العقل الغربي و الشرقي و أظن محاولة أركون كانت موفقة لدرجة ما لتفكيكه العقل العربي و الإسلامي و تفكيك نظرية المعرفة إلا يوجد هناك بعض العيوب . على الساحة الفكرية السودانية لم ينتشر التفكيك كثيرا بين المثقفون و المهتمون بالفلسفة و المعرفة لأن هناك أزمة حقيقة في السودان بكل مستوياتها السياسية و الفكرية و الثقافية و الاجتماعية مما خلق نوعاً من الجمود و التصلب المعرفي إلا هذا لا يمنع من نشر فلسفة التفكيك حتى تكون مكان نقاش و اهتمام . نجد مفهوم التفكيك، الذي نحته دريدا، والذي يحاول من خلاله قراءة النص الفلسفي والأدبي، و نقض بنية الميتافيزيقا [ميتافيزيقا الحضور]، ولكن كيف يتصور دريدا التفكيك أولا ؟ وماذا يقصد به ؟ إنه لمن الصعب توضيح مفهوم التفكيك الدريدي في بضع أسطر و فيلسوفنا نفسه يبدو حائرا في تحديد هذا المفهوم. ولكن لنعطي فكرة موجزة حوله سنعمد أولا إلى تعريفه بالسلب [ أي بما ليس هو ] كما يفعل دريدا. فبالرغم من ارتباط التفكيك في اللسان الفرنسي [Déconstruction بالبادئة Dé ] التي تدل على الهدم والنقض فدريدا يؤكد في مؤلفه " الكتابة والاختلاف " [ في رسالة إلى صديق ياباني ] بأن التفكيك ليس هدما. ذلك أن المصطلح الأخير عادة ما يرتبط بعمل سلبي، غرضه تقويض البناء والإطاحة به فقط، وربما لأن الهدم كثيرا ما يتم من خارج البناء ويهشمه كليا. غير أن التفكيك الدريدي يختلف عن هذا المعنى. ويضيف دريدا إن التفكيك بأي حال، ورغم المظاهر ليس [ تحليلا analyse ] ولا [ نقدا critique] إذ يحيل التحليل إللى سلسلة البحث عم جزء بسيط لا ينحل، أو أصل أول أو مكون أساس لايقبل الإنحلال. وتفكيكية دريدا لا تعترف بشيء لا يكون قابلا للتفكيك، بعبارة أخرى إن التفكيك يطال، وينبغي أن يطال كل شيء وأي شيء. وليس التفكيك نقدا، لأن هذا الأخير [ بمعناه العام أو الكانطي ] – حسب الفيلسوف – يمتح من جهاز مفاهيمي متعال، [كالقرار، الحكم، التحديد ] لذلك يستهدفه التفكيك. التفكيك إذن ليس هدما ولا تحليلا ولا نقدا، فهل نعتبره منهجا؟ إذ ذاك سنجد رائد التفكيكية رافعا يده معارضا. فالتفكيك " لا يستطيع أن يكون [ اختصاصا discipline ] أو منهجا ". إذ المنهج أو الإختصاص يرتبط بجملة من الخطوات التي نسير على هديها للوصول إلى مبتغانا، بيد أن التفكيك لا يمكن تحديده في قواعد أو خطوات يتبعها المفكك من أجل تفكيك بنية أو نص. و يؤكد الفيلسوف أنه قد توجد كيفيات لطرح السؤال التفكيكي، ولكن في نهاية المطاف ليس التفكيك " قواعد جاهزة ". وإن لم يكن التفكيك تطبيقا لقواعد ناجزة، فهل يكون إبداعا أو فعلا ؟ يرد دريدا قائلا: " التفكيك ليس فعلا أو عملية ". إذ يرتبط هذان الأخيران بذات معينة [الشخص، الجماعة] تأخذ على عاتقها مسؤولية القيام بذلك الفعل أو العملية. إلا أن الفيلسوف الفرنسي ربما يريد أن ينأى بتفكيكيته عن ربطها بأي ذات، لذا يقول إن التفكيك حدث لا ينتظر تشاورا أو وعيا أو تنظيما من لدن الذات الفاعلة ولا حتى من لدن الحداثة، إن الشيء في تفكك. قد نقول إن التفكيك لا نقوم به نحن، بل إن كل نص أو موضوع يحوي في داخله بوادر وبذور التفكك. بتعبير آخر إن النص أو البناء يوجد به مكون أساس، هو قابليته " للإنفكاك " ولكن يبقى أن تقوم الذات بكشف هذا المكون وإبرازه. نلمس نوعا من القلق بشأن، تعريف وتحديد التفكيك. ويكمن سر هذا القلق في كون أي مرادف للتفكيك، أو أية عبارة أو نص يروم شرح معنى التفكيك [ أو حتى ترجمته] هو ذاته قابل للتفكيك. يقول دريدا في "الكتابة والإختلاف : ما الذي لا يكون التفكيك ؟ كل شيء. ما التفكيك ؟ لا شيء . و لعلنا نقترب من فهم التفكيك أكثر بإيراد هذا القول لفيلوسوفنا ما يهمني في القراءات التي أحاول إقامتها ليس النقد من الخارج، وإنما الإستقرار أو التموضع في البنية المتجانسة للنص، والعثور على توترات أو تناقضات داخلية، يقرأ النص من خلالها نفسه، ويفكك نفسه بنفسه التفكيك إذن طريقة في القراءة، قراءة النص [على أن نفهم النص بمعناه الشامل الذي يعبر عنه بلانشو بقوله بأن العالم نص وأنه حركة الكتابة ذاتها ] وسبر أغواره، بما يتيح للمفكك الإقامة فيه، ومحاولة إظهار بعض نقاط التناقض وسمات الإختلال المضمرة فيه. إنه إذن يضرب النص بالنص ذاته [ أو البناء بالبناء عينه ]. بهذا المعنى التقريبي للتفكيك، راح الفيلسوف الفرنسي يفكك بنية الميتافيزيقا الغربية، أو ميتافيزيقا الحضور – كما ينعتها – القائمة على تمركزات أهمها التمركز العقلي والتمركز الصوتي . نتمني أن يكون هذا المقال مقدمة عن التفكيك تساعد في توضيح الفكرة و سوف نستمر فما بعد لكتابة حول مشروع التفكيك و فلسفة دريدا على العموم .. [email protected]