خلال ال 27 سنة المنصرمة من عمر الوطن المكلوم في ظل حكم عصابة 30 يونيو .. هل عملت المعارضة بالفعل لانتفاضة شعبية تطيح بالنظام؟ في تلك الفترة تشكلت أكثر من مرة عناصر أكثر من انتفاضة، فكيف تعاملت معها المعارضة، وماذا قدمت لها؟ ان تفكيك النظام للخدمة المدنية ونقابات العمل النضالي اليومي لصالح دولة التمكين يجب الا تبقى شماعة نضع فيها فشل محاولات توحيد عمل المعارضة، ولابد من وسيلة لذلك، والسياسة هي فن الممكن. فأين الممكن من اللاممكن ولدينا تجارب ثرة في هذا الاتجاه؟ لقد نجحت قوى شبابية في دول ما سمي بالربيع العربي في تجميع أنفسهم في الأسافير وفي الأحياء السكنية وصولا للساحات الكبرى في المدن والعواصم متقدمين في ذلك على القوى الحزبية المعارضة. ففي اليمن، كمثال قبل الإنفلات الذي حدث فيه، خرجت مسيرات تقدمها النساء والشيوخ قبل الشباب.. وكانت الأعلام تزين الشوارع غض النظر عن الشعارات والمآلات. ان الإعلام الناقل للثورات تجاهل عن قصد توثيق وعكس ثورات السودان لارتباطات عقدية ومصلحية وأخرى استخباراتية.. علما بان الشعب معلم الثورات خرج في ثورات وانتفاضات ناجحة في أكتوبر ومارس-ابريل ولم يكن حينها في حاجة لتوثيق. ويجب عدم انتظار الاعلام للتفاعل مع الفعل الثوري السوداني، فقد اكتملت عناصر نجاح الثورة في السودان قبل تونس ومصر ولكن لم تكتمل حلقات القيادة في المعارضة الحية وهذا الفشل يجب ان لا يجعل البعض يفقد الأمل في الشارع لدرجة وصف الانتفاضة بالمستحيلة.. وشبه المستحيلة. فهل معارضة الخارج، أو المعارضة الإسفيرية تستطيع الرجوع إلى البلاد كأشخاص مهرا لقيام الثورة؟! انه سؤال موازي.. طالما أن الانتفاضة الشعبية المعنية بإسقاط النظام هي التي تقوم في داخل السودان، وفي الداخل تنطلق من المركز، أي الخرطوم ولن تأتي زاحفة من التخوم، مع امل مشرئب في دعم من انتفاضات مدني والأبيض والقضارف وشندي وعطبرة والفاشر وكوستي، ومن كل الهامش الجغرافي. فهل معارضو الخارج يفكرون في الحضور إلى الخرطوم لمحاصرة النظام والانتفاض حتى إسقاطه؟ ان الخيارات الصحيحة والتفاف قوى المعارضة الحية حولها يعمل على تعزيزها وفرضها على أرض الواقع. اما الخيارات الأخرى كالعمل المسلح والحل التفاوضي الشامل او القاصر وغيرها، لن تفضي إلا إلى حلول وسط لن ترضي الكثير من القواعد وهي في محصلتها نتاج اجتهاد نخب وقيادات، قد يرضي طموحها انصاف الحلول ولكن لا نتوقع أن تأتي بحل جذري فهي قد تحقق تغيير فوقي ليرضي جزء من الشارع المتفرج والمخدر بتلاوة بيانات ومخرجات الحوار. مثل ذلك التغيير هو "الفوقية" بعينها التي تطبخ في غياب الجماهير المتطلعة للتغيير الحقيقي والجذري، ويجب الا ننتقد خيار الانتفاضة الشعبية ووصفه بأنه فوقي ويعبر عن آمال فقط. وحتى وان كان محض آمال فهي بيد الشعب السوداني.. والنظام لا يملك حيالها لهزيمتها لعبة تقديم تنازلات أو احاطتها كما يفعل تجاه الخيارات الأخرى. كانت الثورة المصرية، غض النظر عن المآلات، متوقعة وكان متوقعا أن تزهق أرواح مليون فرد من الشعب المصري فداء للملايين المتبقية، لتعيش في حرية وعدالة اجتماعية بعد ذهاب نظام مبارك. ومع ذلك لم يتجاوز شهداء الثورة المئات وذهب نظام مبارك بحزبه الحاكم الى مزبلة التاريخ تشيعه اللعنات عندما ملأت الجماهير "اعين" الميادين وهي تهتف "ارحل.. ارحل"، فانكسرت هيبة النظام الأمنية. لقد استشهد حتى الآن في طريق النضال ضد نظام الجبهة المتأسلمة ومؤتمرها الوطني مئات الآلاف من أبناء شعبنا في قراهم ومدنهم وتحت الخنادق وأمام فوهات البنادق في انتفاضات عمت اغلب أشهر السنة، وفي المستشفيات والمعتقلات والشوارع والأزقة، وفي معسكرات اللجوء والنزوح وقد عملت بإحداها زهاء السنتين في دارفور. فمن لم يمت بالسيف مات بغيره، انه طريق الانتفاضة المغطى بدماء الشهداء وهو طريق طويل تتراكم فيه النضالات يوماً بيوم وساعة بساعة. في الوقت الذي كانت "المصالحة" في أواخر السبعينيات تشتت جمع من تحالفوا ضد نظام مايو.. وفيما كان الشيخ الترابي يعلن النميري إماماً وسبتمبر تخرج بقوانينها ومحاكمات الافتراء على قيادات قوى الشعب الحية، لم تكن قوى الانتفاضة يائسة ولم تكن الانتفاضة "جميلة ومستحيلة"، ولم تكن التحالفات الصحيحة عصية، ولم تكن مارس-ابريل إلا مفاجأة لمن ارتضى أي خيار اخر غير خيار الثورة. ان فرز الساحة والاستقطاب لصالح الخيار الصحيح الذي صمد في خانة الانتظار 27 عاماً باعتباره رقما صحيحا للقوى الداعية للتغيير وما عداها تراوح بين البواقي والكسور، فإما انحياز للشارع ورقمه الصحيح أو الخروج للقاء البشير ومصافحته ومصالحته وترقيع نظامه وشرعنة شياطينه. وليعلم من يدع لغير ذلك ان الخيار غير الصحيح يحمل في داخله التدويل والتفتيت واستمرار عصابة التمكين في التلون وفهلوة الحربنة. وفي نهاية الأمر لن يصح إلا الصحيح. فهلموا وانهضوا لانتفاضتكم يرحكم الله،،،،، [email protected]