كاد نهر الإبداع في بلدي أن يجف يا سادتي ، كما جفت ونضبت أنهار كثيرة ، حتي أصبحت الحياة نفسها مهددة بخطر عظيم ، فمن يبدع في وطني لا بد أن يطرد أو يطارد أو يضيق عليه أو يموت كمدا وحزنا ، كما مات الطيب صالح ومصطفي سيداحمد وغيرهم ، ليخلو السودان من الإبداع وتزداد الحياة صعوبة و بؤساً علي ماهية عليه . وهذا الحال لا بد أنه يصيب الناس علي الدوام بحزن عميق وحرقه ، كيف لا ؟! ، والناس تعيش فى بلد شمسها طول العام حارقة ؟!! أعزة قومها مذلون ، صفوة علمائها مهاجرون ، شبابها لاجئون ، أدعياء نخبتها طوال الوقت يثرثرون ، حكامها أثمون ، بل في الحقيقة هم مجرمون ، فهم بالآلم لشعبنا يتسببون ، ولحريته يقمعون ولكرامته لا يبالون ولأمنه وغذاءه يسرقون ، أما ساستها فجلهم عن المواطن بعيدون ، وبتأيدهم للسلطة يتقربون ، ولمزيد من القربى يشتطون ، ولأجل دوام السلطة لا يتورعون ، عندها تصبح تلك الحياة - بلا شك - خاوية ، جل ساحاتها خالية ، إلا من ذئاب عاوية ورياح عاصفة تثير الغبار والغبن والجهل . هذه السطور المحزنة التى أحاول أن أصف بها حالنا ، تذكرني بكلمات للفنان المبدع مصطفى سيداحمد الذى ُفجع أهل السودان برحيله المبكر ، تقول كلمات أغنيته : حتي الفصول صابها الجفاف .. لا غيمة لا زفة هرع والسمبر البفرح صفيره .. غشانا واتقاطر رجع وشجرنا من لفحة سموم .. غصنه الرقص نديان وقع لا شابا لي ريحة دعاش .. لا هش لبرقا لمع مصطفى سيداحمد يا سادتي مات مريضا مهموما بأوجاع وطنه الكثيرة .. لكنه عاش مخلدا فى وجدانه ، وسيذكره أهل السودان دائما ، فقد تغنى كثيراً لخريف تغسل أمطاره الغزيرة كل شيء ، عندها سيخرج الناس معاً ليغنوا أنشودة المطر ، فمن يدري ما تحمله الأيام لنا أو ما قد يأتي به الخريف ؟!. نزار ود الحسين [email protected]