آخر عهدي بالحزن الجماعي للسودانيين كان حين مات القائد جون قرنق، عرفت حينها معنى الألم الشديد الذي يأكل الفؤاد بلا تؤده.. قبلها وانا صبي في مجاهل المدارس الثانوية خبرت طعم رحيل الفنان الغالي مصطفى سيداحمد، وكانت وفاته مناسبة عجيبه إنسكب فيها دمع جماعي صادق لأبناء الطبقة الوسطى وفئات اليسار ومحبي الفن الحنون. بين الموتين، موت مصطفى وجون ، إختار الله إلى عباده من أبناء شعبنا ناساً كنا نضن بهم على الأيام، ففقدنا الشيخ البرعي والفاضل سعيد وحسين شريف والخاتم عدلان والشيخ عبدالمتعال الإدريسي وغيرهم ممن رصعت لمعة بهائم خاتم هذا البلد العزيز. وكنت مع كل خبر لرحيل أحد هؤلاء الطيبين السمحين العارفين بالله وحق الخلق، أجد نفسي وكأني ساموت انا الآخر من إنفراط الفؤاد والفجيعه. لكن من داب الأيام وحسن مشورة الدنيا، تعليمها أن الباقيات صالحات وأن الحي أبق من الميت وأن لكل اجل كتاب. فيثوب إلى رشده القلب، ولا ينفطر. قبل أيام مات عزيز على الناس إسمه زيدان إبراهيم. عاش حياته بيننا ملهماً للحنايا وشغاف الفؤاد. كان زيدان فناناً شجاعاً، فريداً وشديد القرب من المحبين والعشاق.. فعبر مسيرة طويلة، إمتدت من أوئل الستينيات، أذاق الفنان الكبير محبي الغناء طعم السرور، بالتعبير عن معناههم وتحقيق مبتغاهم في الرسالة العاطفية الحلوة. ولم أرى فناناً سودانياً بجمال زيدان، ببساطته وحبه للحب إلا الجابري وابي داوود، فوقف معهما موقف صدق على قربان الدنيا بأصالة فيها ندرة وجاذبية شديدة. سمعت بموت زيدان ابراهيم وانا في منتصف الخرطوم التي كانت تمور بحروب على ضفافها الغربية والشرقية، حيث إتفق جماعتنا على الإقتتال والمناهزة، بينما كان هو بجسده العليل السمح ينام سابحاً في شاعريته المستبده المشارفه على الموت. ومات زيدان، ربما ليعلن نهاية كل هذا الجمال الذي كنا نحاول أن نعيشه والذي حاول هو أن يجعلنا من محبيه. ربما كان موت حبيبنا "زيزو" أمراً حتمياً بسبب متوالية الصحة والمرض، لكن الاكيد ان رحيله عن دنيانا يحمل في معناه حزناً كبيراً وفقد لا يوصف على فنان أمتعنا على مدار أجيال بشكل شديد الطعامة والنداوة. زيدان ابراهيم كان يمثل وردة كبيرة شديدة البهجة في حياة السودانيين، ولذا بكوا عليه ببكاء لا يشبه البكاء، شيباً وشباباً ونسوة وبنات. ولا اعرف كيف أصف حزني على أحد أحسن فناني السودان، وأكملهم باعاً في التعبير عن حال القلب من جوه. أسأل الله أن يرحمه رحمة عاليه في مقامه الامين، وأن يبدلنا بمن يشبه زيدان في لطافته وعمق مشاعره وكمال توليفه بين الموسيقى والاداء والمعنى.. وجمال الإنسان. ولا أملك في قولي هذا إلا أن أقول: يا حليلك يا زيدان.. talal afifi [[email protected]]