اليوم يومك فافرحي يا أنقرة وتوشّحي حُلَل البَها يا مرمرة في عرس إسطنبولَ لما أعلنت نصراً وعاد إلى المغاني عنترة متوعّداً أعداءه متوسّطاً أحبابه بين الوجوه المسفرة (الدكتور محمد الفرّاج) أستاذنا حمد النيل، ذلكم المربي الفاضل، أستاذ الجغرافيا والتاريخ، في مدرسة بارا المتوسطة الأميرية، هو من حبب إلينا معالم تركيا مثل مضيق البسفور والدردنيل وبحر مرمرة والأناضول والأسِتانة أو إسطنبول. وفيما بعد تعلقت قلوبنا بشخصية محمد الفاتح، رحمه الله، القائد المسلم الشجاع الذي دالت على يده الإمبراطورية البيزنطية، ومن ثم تحولت مدينة القسطنطينية لتصبح عاصمة الخلافة الإسلامية. وبعدها انداحت جيوش المسلمين في أوروبا حتى بلغت حوافر خيلهم أسوار فيينا، وفتحت بودابست في المجر. هذا فضلاً عن سيطرة العثمانيين على جميع الأراضي الواقعة على سواحل البحر المتوسط وشمال إفريقيا والدول العربية الأخرى؛ مكونةً أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ الإسلامي. ولكن أعداء الإسلام بدأوا يعدون الخطط للقضاء على تلك الدولة التي كانت تعد آخر مظاهر الوحدة الإسلامية؛ خاصة مع ظهور الصهيونية على مسرح الأحداث العالمية بعد مؤتمر بازل بسويسرا، الذي يمثل أولى الخطوات للقضاء على الدولة العثمانية من أجل إقامة وطن قومي لليهود. وفي خضم أحداث الحرب العالمية الأولى رسمت بريطانيا وفرنسا حدود بلدان المشرق العربي، في إطار ترتيبات الدول الاستعمارية لاقتسام ممتلكات الدولة العثمانية ضمن اتفاقية سايكس بيكو. وأعقب ذلك وعد بلفور المشؤوم وتوالت الأحداث حتى دق مصطفى كمال أتاتورك (من يهود الدونمة في تركيا) آخر مسمار في نعش الخلافة الإسلامية في عام 1924. ومن بعد ذلك تمكن العلمانيون من زمام الأمر في تركيا بحماية مباشرة من جنرالات الجيش الذي صارت تسيطر عليه عناصر إما علمانية أو يهودية متخفية تسعى لانسلاخ تركيا من العالم الإسلامي والانضمام إلى ركب الحضارة الأوربية بزعم أن جزءاً من تركيا يقع في قارة أوروبا وأن كثيراً من أفراد الشعب التركي ينظرون لأنفسهم باعتبارهم أوربيين! ولكن مع ذلك ظلت علاقة تركيا مع الغرب ينطبق عليها المثل السوداني (لا بريدك ولا بحمل براك)؛ فبالرغم من عضوية تركيا في حلف الناتو إلا أنها لم تحظ بالدخول للوحدة الأوروبية، والأسباب معلومة بالطبع! وقد نسي هؤلاء أن الشعب التركي العظيم هو شعب مسلم لا يقر الخروج عن الملة مهما تحكمت في مصيره فئات لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة. فظل الوضع في تركيا يراوح بين هيمنة العسكر والعلمانيين ومحاولات انقلابية متكررة وغياب الديمقراطية، حتى برز حزب العدالة والتنمية إلى الساحة السياسية في تركيا؛ محدثاً تحولاً واسع النطاق في كافة جوانب الحياة العامة في هذا البلد المسلم، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً؛ فقفزت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان من المركز 111 إلى 16 اقتصادياً على مستوى العالم، وبدأ الشعب التركي يجني ثمار الاستقرار والتنمية في المجالات كافة. ليس هذا فحسب، بل عادت تركيا فتية كما ينبغي وبدأت تلبس عباءة الإسلام وتشق طريقها بكل ثبات وحسن تخطيط ونزاهة. وتبعاً لذلك تحسنت الأوضاع المعيشية وشعر الإنسان التركي بصدق توجه وسياسات قادته الذين جعلوا بناء الدولة التركية الحديثة نصب أعينهم وتفانوا في خدمة شعبهم بكل تجرد ووطنية وبدون تزمت أو شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأصبح الإنتاج والعمل والاعمار ديدناً لكل من يتولى شأناً عاماً أو موقعاً في دولاب الحكم. وإذا استمرت الخطط على ما هي عليه؛ فستكون تركيا القوة الاقتصادية وربما السياسية الأولى حسب خطة حزب العدالة والتنمية ورؤيته لعام 2023. ومع هذا التقدم المشهود في هذا القطر الشقيق، إلا أن أذناب الصهيونية وأدعياء الإسلام من الماسونيين والعلمانيين ظلوا يتربصون بتركيا الدوائر حتى يعيدوها إلى قبضتهم ويعودوا بها إلى مستنقع التخلف والفساد، والبعد عن الإسلام والدول الإسلامية. ولكن الشعب التركي كان لهؤلاء بالمرصاد فألقمهم أكثر من حجر في غضون ساعات معدودة، إثر تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها بعض المحسوبين على التيار العلماني الذي تجاوزه الزمن ورمى به الشعب التركي في مزبلة التاريخ، عبر ممارسة ديمقراطية شهد بنزاهتها العالم أجمع! ولقد زاد إعجابي برجب طيب أردوغان الذي لم يستنفر القوات النظامية وأجهزة القمع، بل لجأ لشعبه، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي، بكل ذكاء وثبات وحنكة، عندما علم بالتحركات المشبوهة وتجاوب معه شعبه الذي خرج للشوارع دفاعاً عن مكتسباته الوطنية وعن رفاهيته وتجربته الديمقراطية! وقد أجمع المراقبون على أن موقف الشعب التركي قد أكّد تلاحم الراعي والرعية؛ نظراً لما تبذله الدولة من أجل خدمة الشعب ورفاهيته. ومن المؤكد أن المحاولة الفاشلة قد عززت وضع الحكومة التركية داخلياً وإقليمياً ونرجو من الرئيس التركي ألا يستغل الموقف لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين وإلا سيهدم مبدأ العدالة، والمطلوب هو مزيداً من الديمقراطية والتنمية؛ فشعوب المنطقة بانتظار أمثلة أخرى تقدمها تركيا. وأيها الزعماء كونوا مع شعوبكم في أوقات الرخاء؛ يكونون معكم في أوقات الشدة، والسعيد من اتعظ بغيره. [email protected]