كل شخص يتحمل مسؤولية نفسه فلا أحد سيتحملها عنك ... وهذه هي الحالة الفردية التي تؤول عبر الرأسمالية والفردانية المطلقة في مجتمعات الحداثة ؛ حيث يعيش الفرد في حالة استقطاب ذاتية واعية ورغبة جانحة نحو الاجتماعية مما يخلق حالة من التشظي المعنوي في داخل الفرد واستغراب مستمر في مواجهة قاسية مع القدر . لا توجد طفرات يسارية تخفف من هذه الحدة ؛ لا يوجد بالتالي رغبة سياسية ولا حتى مجتمعية في كسر روح الفردانية . والخواء الروحي الذي تبعثه المعافرة والمجابهة القدرية في الوجود يذكرنا بعدمية هايدجر أي الدازاين أو الشخص الملقى على الوجود هناك مجردا من الأسلحة المناسبة ليقيم ذاته عديمة الحول والقوة. هذا انسان الحداثة وما بعدها ليس ﻷن الحداثة مشروع لم يكتمل ولكن ﻷن ما بعدها أثر من آثارها . وأعتقد أنه وبتفاقم أزمة الفردانية فسيحاول الانسان الفرد خلق روابط صناعية اجتماعية ذات طابع سياسي أو ثقافي أو رياضي أو حتى إجرامي ليوازن بها مخاوفه المتزايدة من عدميته. هناك دول سبقتنا إلى هذه المرحلة الموبوءة بمرض الفردانية ، ولكنها عندنا ستكون أكثر وقاحة ﻷنه لم تواكبها رأسمالية وغنى بل فقر وطبقية وفساد سياسي. ستكون أكثر وقاحة ومنافقة ومتلونة وسيتحول الفرد الى كائن براغماتي بكل ما تعنيه الكلمة وهذا ما سيفاقم الأزمات السياسية وفقدان الثقة بين الحكومة والشعب بشكل متزايد. وعندما تتأسس الفردانية على الفقر فإنها تدمر الوضع النفسي للفرد وتلقيه في أزمة أنطولوجية حادة. علينا منذ الآن أن نواجه الفردانية والفقر في آن واحد رغم أنها ستكون مواجهة صعبة ﻷن عولمتنا الاقتصادية الاستهلاكية تهجم بوحشية على كافة مناحي حياتنا وتجبرنا على اقتفاء أثرها بتلهف وراء وعودها الزائفة. 28 يوليو 2016 [email protected]