استقال لام أكول، وزير الزراعة والأمن الغذائيّ من موّقعه، في حكومة الوحدة الوطنيًّة الانتقاليًّة، التي يرأسها سلفاكير، ومن رئاسة التحالف الوطنيّ المعارض، كذلك استقال الرجل من رئاسة حزبه الحركة الشعبية -التغيّير الديمقراطي، الذي أسسه بعد خروجه عن الحركة الشعبية (الحزب الحاكم) في يونيو /حزيران 2009. أكول المعروف عنه بالتحوّلات السياسيًّة والانشقاقات التنظيمية، إذ سبق وأنّ انشق عن الحركة الشعبيًّة مع الدكتور رياك مشار ضدّ قرنق إبان سنوات الحربٍ مع الخرطوم في 1991، عٌرف الانشقاق بإعلان الناصر، نسبةً للمنطقة التي تمت فيها الانشقاق، لخلافات حول رؤية الحركة من الحرب وقضايا أخري. ووقع الرجلان اتفاقًا مع حكومة السُّودان، سمّيت باتفاقية الخرطوم للسلام 1997، ليرجعا مرةً آٌخري إلى الغابة ويعودا إلى قرنق بعدما اختلفا مع حكومة الخرطوم. ولام أكول السياسي البارز ووزير خارجية السُّودان الأسبق، معروف على نطاق دوليّ، فقد عمل الرجل كسكرتير للعلاقات الخارجيًّة للحركة الشعبيًّة لسنواتٍ إبان فترة الحربِ، وقاد وفد الحركة الشعبيًّة لجوّلات التفاوض مع الحكومة السُّودانية في عدة جولاتٍ. وأكول حاصل على درجة الدكتوراة من الجامعات البريطانية، وعمل كأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم. ويمتاز الرجل بالذكاء والدهاء السياسي، فالرجل سياسي وأكاديمي ودبلوماسي. ما وراء الاستقالة الخطوة الأخيرة لأكول، وإنّ كانت مٌفاجئة للمراقبّين لشؤون الدولة المضطربة، إلّا أنّها لم تكن مستبعدة، نظرًا لوجود عدّدًا من النقاط الخلافية بين قائمة أحزاب التحالف الوطني التي يمثلها أكول في الحكومة الانتقالية ومع حزب الرئيس سلفاكير، ويمكن القول، إنّ التطورات الأخيرة في جوبا، التي شهدت إعفاء النائب الأول رياك مشار وزعيم المعارضة المسلحة واستبداله بعضو المعارضة تعبان دينق وزير المعادن، محل مشار في رئاسة المعارضة المسلحة ومقعد النائب الأول لرئيس الجمهورية، بدفعٍ من سلفاكير، وتجدّد المعارك في الولايات الاستوائية والمناطق المحيطة بالعاصمة جوبا، بين القوات الموالية للرئيس سلفاكير والقوات الموالية للنائب الأول المقال رياك مشار، وفي عدّدا من مناطق البلاد المختلفة. أسباب مجتمعة ساهمت من دفع أكول لاتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت. كما بيّن في بيانه الذي أصدره يوم أمس. حيث قال أكول، إنّ انهيار الترتيبات الأمنية لأيُّ اتفاقية سلام يعن انهيار الاتفاقية برمتها. استقالة أكول، يمكن إرجاء أسبابها إلى العوامل التالية، أولًا: قضية الولايات ل 28 التي إنشائها الرئيس بقرار جمهوري في أكتوبر من العام الماضي، بعد شهرين من توقيعه اتفاق السلام التي نصت على تقاسم السلطة وفقًا ولايات البلاد العشرة. وسبق أنّ قدمت قائمة أحزاب التحالف الوطني الذي رأسها أكول دعوةٌ للمحكمة العليا ضدّ قرار الرئيس بإعادة تقسيم ولايات البلاد إلى 28ولاية. إلّا أنّ المحكمة العليا قد رفضت هذه الدعوة. في فبراير /شباط الماضي، ما أعطي إشارةً إلى أحزاب التحالف بعدّم جدية الرئيس بتنفيذ اتفاقية السلام. النقطة الثانية: الفشل في إنفاذ بند الترتيبات الأمنية، وهو ما تسّبب في اندلاع الاشتباكات المسلحة في يوم 8 يوليو /تموز الماضي حول محيط القصر الرئاسيّ، وتلي ذلك خروج مشار من جوبا للحفاظ على سلامته، بعد مهاجمة القوات الموالية لسفاكير لمقره. إزاء هذه التطورات الخطيرة عٌقدت اللجنة الوزارية لمجلس وزراء خارجية دول الإيقاد، (المنظمة الوسيطة للاتفاق)، اجتماعًا في نيروبي، دعت فيه إلى إرسال قواتٍ للفصل بين قوات الطرفين، لمنع تجدّد الاشتباكات مرة آخري، كما تبنّي الاتحاد الافريقي هذا القرار في القمة ل 27 التي عقدت في العاصمة الرواندية كيغالي. 17 -18 يوليو /تموز الماضي. وسط هذه الأجواء ازداد الشكوك حول انهيار الاتفاقية. نتيجة عجز آلية مراقبة وقف إطلاق النار من القيام بمهامها، بجانب التقاطعات المحليًّة والإقليميًّة، حيث لكّل دولة من دول جوار جنوب السُّودان حساباتها ومصالحها التي تسعي إلى تحقيقها. فضلًا عن غياب المجتمع الدولي وعجزه أمام وقف المواجهات العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان المتكررة. النقطة الثالثة: كما جاء في بيان استقالة أكول، إن سلفاكير لا يرغب في تنفيذ اتفاقية السلام، ويسعي نحو التنصل من التزاماته ولأحكام قبضته على مقاليد الأمور. خاصة في مسائل الترتيبات الأمنيًّة، قضية المحكمة الافريقية الهجين لمحاسبة مرتبكي جرائم ضد الإنسانية، والاستحقاق الانتخابي في نهاية عمر الاتفاقية. النقطة الرابعة: غياب الحريات، واشتدّاد الخناق على وسائط الإعلام والعمل السياسي، إذ اعتقل رئيس تحرير صحيفة جوبا مونتر التي تصدر بالإنجليزية، ألفرد تعبان، لمجرد كتابته لمقالٍ أنتقد فيها الرئيس ونائبه الأول المقال، وطالبهما بضرورة الابتعاد بعد الفشل في قيادة الدولة، كذلك إطلاق الحكومة ليد الأجهزة النظامية لقمع الآراء المعارضة. السيناريو هات المتوقعة: هنالك عدّدًا من السيناريوهات إزاء تطور الأحداث. الأولي: بالنظر إلى بيان أكول، نجد أنه قد دعا إلى تشكيل جبهة عريضة لمعارضة حكومة سلفاكير. ومن غير المستبعد إنّ يعود الرجلان، أي أكول ومشار إلى التحالف مرةً أخري. إذ سبق وأنّ قادا انشقاقًا ضدّ العقيد الراحل قرنق في تسعينيات القرن الماضي. إلّا إنّ هذه المرة قد يأخذ التحالف شكّلًا مختلفًا، لاختلاف الظروف والمتغيرات عما سبق، وممّا لا شك فيه إنّ تحالف الرجلين يعني اشتداد المواجهة والصراع مع سلفاكير، سواء أخذ هذا الصراع السلمي أو الطابع العسكري. فإن الأيام القادمة كفيلة بكشف ذلك. السيناريو الثاني: محاولة أكول تنسيق جبهة عريضة بعيدا عن مشار، مع مختلف القوى والتيارات الأخرى المعارضة لسفاكير، والتحالف مع بعض الشخصيات الوطنية في الخارج، تحديدًا في الخرطومونيروبي، من أجل تشكّيل ضغط سياسي وإعلامي ضدّ النظام في جوبا. السيناريو الثالث: في حالة فشل جهود منظمة الإيقاد وشركائها في منع انهيار اتفاقية السلام، فإن أكول قد يلجأ إلى تشكيل جبهة عسكرية خاصة في إقليم أعالي النيل. كل هذه السيناريوهات الثلاثة السابقة تعني إنّ الأوضاع في جنوب السُّودان مرشحة للتصعيد، ما يٌنذر بحربٍ تحالفية شاملة لتغيّير حكم سلفاكير بالزحف نحو العاصمة جوبا، على غرار نموذج دول البحيرات العظمي والقرن الإفريقي. لا شك أنّ استقالة أكول، أستاذ الهندسة السابق، يزيد من موقف القوى المعارضة، وبالمقابل يضعف من موقف الرئيس سلفاكير، الذي بدأ في فقدان الحلفاء المحليين ودول الإقليم ما عدا دولة أوغندا. تنفيذ السلام أم العودة إلى الحرب من العسير القول، إنّ الحكومة الحالية تستطيع تنفيذ السلام بسلاسة، مع غياب الفاعلين الأكثر تأثيرا على المشهد السياسي، مشار وأكول من جوبا، إذ أنّ التحالف الجديد بين سلفاكير وتعبان مرشح بالاهتزاز كون الأخير يفتقد إلى القاعدة الشعبيًّة والسيطرة على الأوضاع الميدانية مقارنةً بمشار، بجانب أنّ القوى الدولية بدأت تدرك خطورة قرارات الرئيس الأخيرة بإعفاء مشار التي بمثابة ضربة للاتفاقية نفسها. وبلا شك مهما تكن نتائج التحركات الأخيرة، فإن الآمال بيد الإيقاد ودول الترويكا (الولاياتالمتحدة – المملكة المتحدة والنرويج) في احتواء الموقف وجمع الأطراف الرئيسة المختلفة، سلفاكير ومشار وأكول في أحدي عواصم دول الجوار للجلوس والتفاوض على مسار جديد، يُجنب البلاد شبح الحرب مرةً آخري. وعلى الولاياتالمتحدة تحدّيدًا وضع خطةٍ لتهدئة الأوضاع ضمن أجندتها الرئيسية في الفترة الأخيرة من إدارة الرئيس أوباما، لمنع انهيار الدولة وانزلاقها في أتون حربٍ أهلية جديدة. الدوحة – قطر 3 أغسطس 2016. [email protected]