لفت انتباهى مقال بصحيفة الراكوبة بتاريخ 1782016 للدكتور العوض محمد احمد بعنوان ما بين الشفيع خضر والحزب الشيوعي السودانى ... طلاق بين. والمقال مرتب جدا من حيث الشكل حيث يبدأ بتقديم ثم عدد من الأسئلة والاجابة المفصلة عليها من وجهة نظر الكاتب ثم خاتمة. وفى المقدمة يقر الكاتب بان فصل دكتور الشفيع خاطىء ولكن فقط من الناحية الإجرائية وان حتى هذا الخطاء الإجرائي لم يعد كذلك اذ صدر قرار الموءتمر السادس وثبت واقعة الفصل. وانا هنا أشير فقط الى شكلية ان لم نقل سطحية مثل هذا الطرح لأسباب عده أولها ان دكتور الشفيع لم يستأنف أصلا وهو طرح يغفل تماما المعركة التى ادارتها القيادة السابقة الحالية بقيادة الخطيب من بلاغات ولجان تحقيق وإعادة تحقيق وهى وقائع ملأت الصحف فى ذلك الوقت وهى اكثر فترات نشاط السيد السكرتير السياسى بإدانة ما اسماه تكتلا وخرق لدستور الحزب وهو ما أكدت لجنة التحقيق على عدم صحته وطالبت بالتحقيق مع السيد السكرتير. والامر لم يقف عند دكتور الشفيع بل شمل زملاء اخرين مثل حاتم قطان وتلب وغيرهم. فالامر لم يكن صراعا فكريا محضا ولم يكن صراعا نزيها بل شابته الموءامرات وتلطيخ السمعة وممارسات نظن انها ملازمة للموءتمر ألوطنى فقط. وانا هنا وقبل ان آدلف الى المقال لا اتهم الدكتور العوض بالكذب ولا أشكك فى مهنيته ولكن أشير الى ظاهره معروفة فى علم النفس وهى رغبتنا اللاواعية ان لم نتوخى الحذر لإعادة كتابة التاريخ بالأسقاط والإضافة وإعادة ترتيب الأحداث. وتحت عنوان فما الذى أتى به د الشفيع فى مقابلته مع صحيفة التيار يقراء الكاتب اجابة د الشفيع ويستخلص منها ما يريد بطريقة قاطعة. طبعا لدكتور العوض الحق فى ذلك ولكنها قراءة لا تتمعن حتى فى سطح الأشياء وتسقط ما عندها على اجابات دكتور الشفيع. بدا المحاور بسؤال عن ما جرى داخل الحزب الشيوعي من خلافات قادت الى فصله وأجاب دكتور الشفيع بانه قد تعدى هذه المحطة. يستنتج د العوض من هذه الإجابة ان دكتور الشفيع يقول ان فصلا من حياته قد ولى وانه قد هندس مسرحية الفصل. استغرب كثيرا لمثل هذه الخلاصة والتى توحى ضمنا ان دكتور الشفيع قد طلق الماركسية او الحزب منذ زمن طويل ولكن هندس هذه المسرحية حتى يخرج. والله لا ارى ما يمنع دكتور الشفيع من الاستقالة وإصدار بيان كما فعل قبله الكثيرون بانه لم يعد يوءمن بطرح الحزب وانه سيفارقه. لماذا كل هذا الجهد الضخم وهذه المسرحية الطويلة والسخيفة جدا للخروج. وإذا كان د الشفيع هو مهندس او مخرج وممثل هذه المسرحية فأين دور قيادة الحزب من سكرتير سياسى كان يصرح بمعدل ثلاثة مرات فى الأسبوع عن بطل المسرحية د الشفيع. ثم نأتى الى تقويل د الشفيع ما لم يقله و"لفح" ما قاله عن انه تعدى هذه المحطة الى انه قال ان فصلا من حياته قد ولى. ان تتعدى محطة من محطات حياتك يعنى انك قد أعطيتها ما تستحق من جهد بدنى وذهني وأنك قد تعلمت الدروس الصحيحة منها وأنك تعد نفسك لدور اخر ولا يعنى ان فصلا من حياتك قد انتهى بل يعنى وببساطة انك تستصحب كل دروسه معك وقد يكون هذا الاستصحاب لتحقيق ذات المشروع ولكن بطرق اخرى. أظن إجابته اجابة مسؤولة وهى تصب فى مصلحة الحزب الشيوعي ايضا وتقفل الباب على صحف النظام لجعل موضوع الشفيع موضوع الساعة. لقد انعقد الموءتمر بكل ما صاحبه من إشكالات ويجب ان يترك الامر للحزب ليرتب بيته ويخوض معركته مع النظام اذ هذا ما يهم عضويته. ونموذج اخر على إسقاط ما عند د العوض على اجابات د الشفيع دون محاولة القراءة المتأنية هى التعليق على اجابة د الشفيع على سوْال المحاور ان كان لديه عددا من الخيارات. اجاب د الشفيع "طبعا ، نظريا، كل الخيارات متاحة ومفتوحة وأضاف مثلما لن اتعامل مع الأدوات والتكوينات التى تبنى على أساس الشعارات المجردة او تسبح فى خيالات التهويلات الأيديولوجية" يعلق د العوض: " وقد اذهلنا ما أفصح عنه، فهل يعنى ان تجربة خمسين عاما قضاها بين دهاليز العمل الحزبى تدخل فى تلك التهويلات الأيديولوجية، ام هى غضبة الإحساس بطعنة من رفاق طريق أفنى فيه عمره طعنة حدفت من الذاكرة التزام ايديولوجي دفع د الشفيع الى قمة حزب العاملين" لا ادرى من أين استنتج د العوض ان د الشفيع يعنى ان تجربة الخمسين عاما تدخل فى تلك التهويلات الأيديولوجية. لقد قال ان الخيارات مفتوحة وقد يكون الرجوع الى الحزب او إقامة حزب جديد او منبر يجمع الديمقراطيين احد هذه الخيارات. ولماذا يفهم ان مجرد ذكر التهويلات الأيديولوجية يعنى الحزب الشيوعي السودانى. الطريقة التى تعامل بها د الشفيع مع هذه المعركة منذ الإيقاف وحتى الفصل كانت فى غاية المسؤولية والانضباط وكانت تنم عن احترام للوائح الحزب وعن احترام لتاريخه ايضا. ولا أظنني احتاج الى التنويه الى فضيلة تغيير الرأي ان تغيرت الحقائق وهذا اهم وأكثر أمانة من دفن الرأس فى الرمال والاصرار على ذات الموقف. والكاتب يعتبر الإجابة هروبا من طرح روءية لاعمال المنهج الماركسى! ثم يذهب د العوض الى الماضى وصراع لينين وبيلخانوف والبنية التنظيمية لحزب الطبقة العاملة. انه تحليل مربك حقا وهو إسقاط ما لدى الكاتب لا محاولة قراءة لما طرحه د الشفيع وأقر أننى لم استوعب علاقة صراع بيلخانوف ولينين وما دار بالحزب الشيوعي السودانى. لن أخوض فى بقية الإسقاطات والتى لا علاقة لها بحوار د الشفيع. لقد أشار د العوض الى نقطه هامة ولكنه لم يفصلها وأظنها هى مقتل الماركسية ومصدر أزمة احزاب اليسار ليس فى بلداننا فقط ولكن فى أوروبا ايضا وهى ما سأركز عليه باقتضاب تحاشيا للإطالة. يقول د العوض " ويهمنا هنا ان نتفق مع د الشفيع بان هناك قصور مريع فى متابعة التطور التقنى وبخاصة ثورة المعلومات وتأثير ذلك على الاطروحات الفكرية غير ان هذا التطور لا يعنى بان الطبقة الوسطى كما اسماهاالبرجوازية الصغيرة قد التحمت مع طبقة العمال وهذا يناقض ما ذكره مسبقا بتغير هيكلية طبقة العمال" ان هذا الاتفاق لا يتعدى الحوار حول اعادة تعريف الطبقة العاملة او الطبقة الوسطى. ما يحتاجه اليسار هو الاعتراف بتغير العالم واستيعاب هذا التغير والتعامل معه بجديه لمصلحة مشروع العدالة الاجتماعية. وهذا يجب ان يترجم فى برامج اقتصاد يتجاوز العداء المطلق للتنافس الحر والابداع. محاولات ترقيع الماركسية او اعادة تعريف الظواهر حتى نقنع أنفسنا بان النظرية تحتوى وتفسر ظواهر عصرنا الحاضر هى محاولات بائسة ليست أفضلا حالا من الحديث عن احتواء القران على كل العلوم. الماركسية نتاج عصر صورة العالم كجسم ميكانيكي ضخم يمكن ادراك اسرار حركته وتفسِّيرها ومن هنا حتمية ماركس التاريخية. هذا لا يقلل من شان ماركس ولا مكانته كعملاق فى تاريخ الفلسفة والفكر. ولو عاد ماركس الى عصرنا الذى نعيشة اليوم حيث ازداد الجنس البشرى معرفة بالعالم وابتعد عن النموذج الميكانيكي الضخم الى الكوانتوم وعشوائية الظواهر لتبرأ ممن يرددون اقواله دون تفكير. لقد سقطت الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتي وشرق أوروبا وهو خير برهان على ان الاشتراكية كما طبقت فى تلك البلدان لن تصلح ولا تساوى ثمن الأرواح التى ازهقت من اجلها. محاولات التلفيق ان غياب الديمقراطية هو الذى أدى الى سقوط ذلك النموذج هو اقل من ربع الحقيقة. لا بد من العمل الفكرى الجاد لتقديم نموذج يستوعب روح عصرنا ويركز على ما يعمل ويؤتى بثمار الرفاه الاجتماعي لشعبنا لا ترديد جدل ماركس او خطب لينين. [email protected]