ورد حد الحرابة في القرآن الكريم في الآية(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)المائدة/33/34 و هو جزء من قوانين 1983 التي اصطلح علي تسميتها بقوانين سبتمبر أما الاسلامويون فيسمونها قوانين الشريعة الاسلامية و الشريعة منها براء, صارت سلاحا سياسيا في يد قلة تاجرت بالاسلام و سامت الشعب الظلم و الهوان و الفاقة و لم تلتزم هي بابسط قواعد الدين. عجبت لحكم النظام القضائي في السودان علي مجموعتين احداهما في شرق السودان و الثانية في دارفور بعقوبة حد الحرابة و هي القطع من خلاف و النفي من الارض مع أن الشرط الاساسي لتطبيق الحدود هو العدل بالاضافة لان التشريعات المستندة علي أحكام القرآن فيها نظر كما سنري. و عجبت لقول أحد المعلقين في هذا المنبر و كنت مدافعا عن الاسلام بصفة عامة بالقول(عايزين ترجعونا للتخلف و تعيشونا في عصر الصحابة؟! الصحابة كانوا من أعدل الناس حسب ظروفهم و مقتضيات زمانهم الا أن العدل المطلق لا يوجد الا عند الله. روي عن علي كرم الله وجهه قوله: (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه) وقال ابن الخطاب (رض): (ولينا على الناس نسد جوعتهم ونوفر حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم). من المعلوم أن الرسول الاكرم لم يفسر القرآن كله بالاضافة الي أن هناك أحكام كثيرة كانت مختصة بالرسول نفسه و ذاك الزمان بناء علي تأويل المشرعين للقرآن و تقديرهم للاحوال.أفضل طريقة للحصول علي الاحكام الشرعية متضمنة في الحديث التالي: أخرج أبو داود والترمذي والدارمي عن معاذ بن جبل بألفاظ مختلفة، أنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن سأله النبي قائلاً له: ( كيف تقضي؟ ) قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: ( فإن لم يكن في كتاب الله؟ ) قال: فبسنة رسول الله. قال: ( فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ ) قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فقال رسول الله : ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله ). و قال تعالي(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)النحل/43/44. و التنزيل هو القرآن,سمي بالتنزيل لانه أنزل الي الرسول بهيئته التي أرادها الله. من سبل فهم معاني القرآن معرفة أسباب النزول و آية الحرابة لها سبب معين كما سنري: روى الإمام الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أنس بن مالك : أن نفرًا من عُكْل ثمانية، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض وسَقَمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها؟ ) فقالوا: بلى . فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فَصَحُّوا فقتلوا الراعي وفقأوا عينيه وطردوا الإبل . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم - وفي رواية لمسلم - وعنده شباب من الأنصار، قريب من عشرين فارسًا فأرسلهم، وبعث معهم قائفًا يَقْتَصّ أثرهم - فأُدْرِكَهُم ، فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسُمرت أعينهم). ) عقوبة القطع من خلاف كانت معلومة لدي شعوب كثيرة منها المصريين و قد قتل بها فرعون سحرته لما آمنوا بموسي عليه السلام اذن فهي مصطلح عام لا يحتاج لتفصيل في معاني كلماته و أصلا لا يهمنا ذلك اذا سلمنا أنها كانت حادثة و حكم خاص بالنبي (ص) الروايات متعددة و كلها تدور حول نفس المعني, من الواضح بأن العقوبة التي أوقعها عليهم الرسول الكريم كانت من نوع الجزاء من جنس العمل و متناسبة مع أحوال ذلك الزمان بالاضافة الي أن مضمون الآية واضح : الذين يحاربون الله و رسوله, و الفعل المستخدم مضارع و قد انتقل الرسول الكريم الي الرفيق الاعلي فهل يجوز لمن يأتي بعده أن يستخدم نفس الرخصة الالهية ؟! و من الحكام من قد يستخدم هذه الرخصة ضد معارضيه السياسيين أو ضد الاسري من جيوش الاعداء الذين أمر الدين و الاعراف الانسانية بالاحسان اليهم, لا أعتقد ذلك و كل الحكام يدعون أنهم ظل الله في الارض و أنهم علي خطي الرسول (ص). الخلفاء الراشدون ساروا علي نفس النهج لانهم كانوا أقرب الناس للرسول (ص) كما أنهم كانوا ورثته علي نهج الخلافة فلم يريدوا أن يغيروا في أسلوب العقوبات لانه أصلا لم يكن في ذلك الزمان من سبب لذلك فقد كانت العقوبات في معظم بقاع الارض رادعة و بشدة ,الا ان الخلفاء الراشدين لم تعوزهم الحكمة كما رأينا في كلمات علي بن أبي طالب وامتحان عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص و تصرفه في عام الرمادة. قد يحتج محتج بأن هذا الحكم علي أولئك النفر كان وحشيا لكن اذا نظرنا الي حال البشر في ذلك الزمان فقد كان نوع ذلك الحكم أكثر من عادي بالاضافة الي أنه مستند علي القانون الطبيعي الذي ابتعد عنه القانون الوضعي أي الجزاء من جنس العمل أما من يريد أن ينتهز هذه الحادثة و يدمغ ذاك الحكم بالوحشي فعليه بقراءة التأريخ و يري ما فعله الصليبيون بعد عدة قرون من انتشار الاسلام في حروبهم فيما بينهم و فيما بينهم و بين المسلمين و أدوات التعذيب التي استخدمتها محاكم التفتيش وحرق المدانين وهم أحياء ليعرف معني الوحشية. أما من أراد أن يعرف معني الوحشية في عصرنا هذا فليقرأ عن طريقة الاعدام بالكرسي الكهربائي في أمريكا التي تحكم بها بعض الولايات و قد وثقت اخطاء تقنية علي اثرها تم شي بعض المدانين أحياء. قد يقول قائل اذا فبم نحكم علي مرتكبي الجرائم الكبري من سطو و قطع طرق و سرقة تحت تهديد السلاح و سرقة مع القتل, المتمعن في أحكام التشريع الاسلامي يجد أن القرآن الكريم قد بين الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها و هي بالاخص تهدد النفس و المال و العرض و سلامة المجتمع و لم يحدد عقوبات معينة الا في حالة الزنا و المقصود به الزنا المعتاد بدليل اضافة حرفي (ال) علي كلمة زاني أو زانية فالعقوبة حددت بمائة جلدة و التشهير, أما في باقي الجرائم فللشارع فسحة في توقيع العقوبة بحسب فداحة الجريمة و طبيعة نتائجها ان كانت في المال أو النفس أو العرض و قد ترقي الي الاعدام بالاضافةلارجاع الحقوق المسلوبة ,الله تعالي يعلم صيرورة المجتمعات البشرية نحو مزيد من الحضرنة و التعقيد أما جريمة الزنا فلا تعقيد فيها فهي جنس غير شرعي و الجنس هو الجنس مهما تطورت حياة الانسان لذا كان التوصيف و الحكم فيها واضحا. ذكرت الزانية في الآية المشار اليها قبل الزاني ليس لان الانثي بتصرفاتها انما هي التي تدعو الي الزنا كعادة المفسرين في التحامل علي المرأة و لكن لان المرأة لو خرجت تطلب الزنا فستجده عكس الرجل الذي اذا خرج يطلب الزنا فقد لا يجده بنفس السهولة. جريمة الحرابة العصرية هي نوع مشدد من السرقة و أنتهز هذه السانحة لالخص مضمون مقالي السابق (قطع اليد في الشريعة الاسلامي مفهوم و تطبيق خاطئ) و أضيف بعض المعاني المكملة في آية السرقة. ورد أن قطع اليد مبني علي الآيتين الكريمتين (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم .فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) فلنفصل معاني الآيات كلمة كلمة و نرد معانيها الي القرآن نفسه صفة السارق و السارقة أضيف لها (ال) التعريف مما يدل علي سارق معتاد و مما يعزز هذا المعني قول أخوة يوسف عليه السلام(فقد سرق أخ له من قبل) (فقولوا يا أبانا أن ابنك سرق) و لم يقولوا سارق. تم تفصيل معاني القطع و تساؤلاته و المعني الراجح في مقالي السابق و أقرب تأويل هو قطع منافذ القوة عن السارق بوسائل عدة منها السجن و هو أقرب المعاني للنكال كما سيأتي بيانه. الآية ذكرت ايديهما و لم تذكر يديهما و كلمة (أيدي) في القرأن عندما تنسب للبشر تعني القوة و الاجتهاد(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص/17(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)ص/45 الابصار هنا تعني البصيرة و العقلانية جزاء:تضاف في حالتي العقوبة و أيضا الجزاء الحسن ,المعني العام العاقبة و ليس العقوبة (أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)آل عمران/136 كسبا من الفعل كسب: أحيانا تأتي في القرآن بمعني الاكتساب فما الفرق بين الكسب و الاكتساب؟ (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)البقرة/286 بحسب معاني القرآن و هو مبحث طويل بعض الشئ في (قوقل) فالكسب قد يكون شرا أو خيرا بحسب مقتضي الحال أما الاكتساب فهو شر لا شك فيه, لماذا لم تقل الآية (جزاء بما اكتسبا) و ظاهر الآية هو التشدد في منع فعل السرقة؟ نكالا : النكل لغة هو القيد و يجمع علي أنكال, أما النكال فهو المنع و السجن يدخل في المنع. وقع أكثر المفسرين في خطأ اعتبار أن النكال هو العذاب لاقتران معظم حالات التعذيب بالتقييد بالسلاسل لان المعذب تكون لديه قوة هائلة نتيجة للالم الذي يحس به فيحاول التململ أو الهرب و لفهمهم للآية الكريمة (ان لدينا انكالا و جحيما) أن الانكال تعني العذاب,هي لا تعني العذاب لكنها علي الاغلب مقترنة به. لكن الآيات التالية تبين أن الانكال هي القيود المانعة للحركة (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ )غافر/71 (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون) ص/137 حد الحرابة الذي نزل علي الرسول (ص) كان حكما مخصوصا الا أنه يفيد في المقارنة مع آية السرقة أذ يتضح رغم فداحة الجرم الاول فقد أتيحت للجاني فرصة التوبة و الاصلاح قبل القبض عليه باعتراف جميع الفقهاء الا أن التوبة و الاصلاح بالنسبة للسارق فلم يعترف بها رغم أنها منصوص عليها في الآية التي تليها رغم أن السرقة تعتبر أقل فداحة من الحرابة في توصيفها القانوني و آثارها. هل في السودان الآن عدل بين الحاكم و الرعية و في تساوي الفرص و في تطبيق القانون علي الاقوياء و الضعفاء و في من يسرق دجاجة وفى من يبيع خط هيثرو مثلا لنحكم بالشرعية ؟و هل ضمن الفهاء سلامة فقههم الذي يستندون عليه ليحكموا بقوانين يسمونها بالشريعة, يحكمون بحد الحرابة المختلف فيه في شرق السودان حيث يوجد أسود البجة المدعومين من أريتريا وفي دارفور حيث توجد عشرات الفصائل المسلحة التي تقاتل الحكومة؟ في زمان صار فيه الكل ينتقد الاسلام ليس بسبب تعاليمه و لكن بسبب تصرفات سادته و منتسبيه من العوام و الارهابيين حتي صار من يريد أن ينجح في الانتخابات في الدول الغربية يتحجج بأنه يكره المسلمين. و مع هذا أنا مع التوسع في توصيف السرقة حيث صارت هناك أشياء أخري قابلة للسرقة مثل الملكية الفكرية و الجرائم الالكترونية الي آخره ووضع الاحكام الرادعة لها لتشمل الفساد أيا كانت مسميات التهم و من أظلم ممن يسرق أموال الفقراء و المساكين حتي وصل الامر لحد اكل أموال الزكاة بالباطل,اندونيسيا صاحبة المعجزة الاقتصادية من ركائز نهضتها أنها عاقبت المفسدين بالاعدام و كذلك تفعل الصين. من خطل القول كما يقول معظم علماء السلطان أن سارق المال العام يعتبر أنه سرق مالا له فيه شبهة و لا يعتبر سارقا ألا أن الشبهة المقصودة في الشرع هي الصلة المباشرة مثل مال الزوج أو الزوجة أو الاب أو الجد أو مال شركة له فيها نصيب و ليس المال العام,مال الفقراء و المساكين و المحتاجين و المرضي,مال الجيش و مرتبات الموظفين و مشاريع الدولة و ليتهم يسرقون قليلا ثم تتعامي عنهم الدولة و تسلط سيف الشريعة علي الضعفاء. و ختاما أقول لو أخطأت فصوبوني فقد استندت علي القرآن لاثير تساؤلات مهمة في كيفية فهم و تطبيق الشرع. (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)ص/29 وروى عن الحسن البصري موقوفا أو مرسلا قوله (ص) ( إن لكل آية ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا ). [email protected]