قطع يد السارق في الشريعة الاسلامية مفهوم و تطبيق خاطئ السرقة من الجرائم المعروفة في التأريخ الانساني و هي من الجرائم المستهجنة في كل المجتمعات بلا استثناء لخطورتها علي سلامة الملاك واستقرار المجتمع و الواقع الاقتصادي, كان القانون عشوائيا في السابق و فقط منصبا علي العقاب الرادع القاسي بدون توصيف لحوجة السارق أو كونه سارقا معتادا أم توصيف للحد الادني للمسروق. عندما شرع الدين الاسلامي قطع يد السارق كان جزاء السارق القتل و مقارنة كان حكم القطع رحمة بالنسبة للسارق فلم يتعب الفقهاء أنفسهم بالغوص في بحر القرآن لمعرفة مقاصد القرآن بالاضافة الي أن قطع اليد كان يخدم الغرض الاساسي للنص و هو الردع و الايقاف, ابتداء و كما سنري هناك فهم خاطئ لمسألة قطع يد السارق فالقرآن قال أقطعوا أيدي السارق و هناك فرق بين المعنيين يؤدي الي التمعن و اعادة النظر في المسألة بناء علي القرآن نفسه. لا يختلف إثنان على أن حكم قطع اليد للسارق من الأحكام العملية الثابتة في الشريعة الاسلامية, ولكن ماذا عن معني (السارق) و (قطع الايدي)؟ و تفصيل هذا الحكم؟ وماذا عن العدول المنوطين والمؤهلين للحكم في هذه المسألة؟ وهل تقطع يد من سرق لأول مرة وهل ينطبق هذا الحكم على من سرق ليأكل هو وعياله؟ وهل يجوز عدلاًً أن يُعاقب من سرق ليقي نفسه وعياله من الجوع والتلف مع الذي يسرق الملايين ويبني القصور، أليس هذا السارق الكبير والحقيقي سبباً في عوز وحاجة الكثير من الناس فيضطرون الى السرقة ؟ وماذا عن الدولة العادلة أليس على الدولة العادلة أن تؤمن لعامة المسلمين أسباب العمل والعيش الكريم ومن ثم يحق لها تطبيق هذه الحكم اذا يجب تطبيق العدالة أولاً .. لأنه في زمن نبي الرحمة ما كان ليطبق هذا الحكم إلاّ في ظل حكومة عادلة وقسط وقضاء حوائج المسلمين. في عهد رسول الله (ص) كانت فريضة الزكاة مطبقة ومعمول بها على أتم وجه. وفي عهد أمير المؤمنين علي (ع) أيضاً. وليس داعش والنصرة خوارج هذا الزمانأو جماعات الاسلام السياسي المتاجرة بالدين. قال تعالي (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)النساء/58 روي عن الخليفة العادل عمر بن الخطاب أنه عطل حد السرقة في عام الرمادة كما روي عنه أيضا أنه ارسل عمر بن العاص واليا علي مصر و سأله بذكاء (ماذا تفعل اذا جيئ اليك بسارق) قال العاص(قطعت يده) قال له الخطاب و بسرعة(و ان جاءني منهم جائع قطعت يدك) أولاً نذكر لكم الآية ومن ثم نكمل قول الله تعالى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{38} فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39} وقد اتفق العدول من العلماء على أنه ليس كل من سرق تقطع يده.. الآية أولاًً تشترط التوبة في رفع الحكم عن السارق وعدم العود والاصلاح، ويسري الحكم في وجود الدولة العادلة وهذا مستحيل في زماننا؟ كما أنه يجب التفريق بين ممتهن السرقة وبين السارق بسبب الفاقة والعجز المادي، هناك شروط يجب أن تتوفر بهذا السارق و هذه السرقة لقطع اليد و هي متمثلة بثمانية شروط الشرط الأول : أخذ مال معصوم خفية الشرط الثاني : أن يكون السارق مكلفا مختارا، عالما بمسروق وتحريمه الشرط الثالث : كون المسروق مالا محترما الشرط الرابع : أن يكون المسروق نصابا، وهو ثلاثة دراهم فضة، أو ربع مثقال ذهبا، أو ما قيمته أحدهما الشرط الخامس : إخراجه من الحرز، من حرز مثله. الحرز: حرز كل مال ما يحفظ فيه عادة الشرط السادس : انتفاء شبهة المسروق الشرط السابع : ثبوت سرقة السارق بشهادة عدلين عليه الشرط الثامن : مطالبة صاحب المال المسروق أو وكيله أو وليه بإقامة الحد ولا تقطع اليد من المفصل كما جاء عن عبدالله بن هلال عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : أخبرني عن السارق : من أين تقطع اليد ؟ «قال : تقطع الأربع أصابع ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة» الحديث ورواية إبراهيم بن عبدالحميد ، عن عامّة أصحابه ، يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنّه كان إذا قطع السارق ترك الإبهام والراحة ... الحديث وبعد أن أثبتنا الكيفية والحيثية والشروط ... نأتي الى الأنسب والأصلح لزماننا وهو البعد المعنوي للفظة القطع و تعني: المنع والتعطيل والانتهاء والايقاف، وهذا بالحقيقة قَطْع اليد هو منعها أو نهيها أن تمتد فتسرق من جديد بالسجن و الحبس او النفي او العزل أو ما شاكل وبهذا تمتنع اليد عن السرقه خاصة أن تكملة الايه تدل على التوبه والمغفره والرحمه , و في ذلك الزمان لم يكن من سجون في بلاد العرب أصلا لتجعل المشرعين يلجأون الي حل آخر. فيصبح المعنى, كما قال أحد المفكرين الاسلاميين (السارق والسارقه فامنعوا ايديهما أن تمتد للسرقه من جديد.) هو مراد الله تعالى من كلمة القطع في الاية موضوع البحث. انظر إلى تلك الآيات : ﴿ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ﴾ العنكبوت ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾ ... قَطَعَ ألوصل: أي مَنَعَ الوصل ان يوصل (عكس وَصَلَ) و ليس مزَق أو فصل الوصل عن بعضه و لو كان قَطَّع الوصل لكان جعله قِطَع ممزقه متباعده عن بعضها. واتمنى ان يوضح لي احدهم معنى قطع الوصل وقطع الامر... هل هو نفس معنى قطع اليد؟ فكيف سيقطع السبيل والوادي وحتى الأرحام في هذه الايات الكريمات ..؟؟؟ - ﴿ ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ... ﴾ التوبة - ﴿ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ﴾ محمد - ﴿ ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ﴾ النمل مثال : قَطْع ألامر ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ ألنمل يقول القرآن عن ملكة سبأ ﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً ﴾ وليس "مُقَطِّعة". هنا نلاحظ الفاعل هو "قاطع" وليس "مُقَطِّع" ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ ﴾ آل عمران قَطْع لطرف من الكفار أي منعه لجماعة معينه من الكفار من الرجوع بعد أن رأوا الأدله أو العذاب ولذلك أيضا أتى وصف النساء اللاتي رأين يوسف بكلمة ( قطعن ) (فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكا واتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما راينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم) بمعنى أنهن قمن باعتراض أيديهن بالسكين إلى درجة عميقة حيث أصابتهن بحرح ولم يبترن أيديهن وتشديد كلمة قطع يدل على تكرار الفعل أكثر من مرة ولو كان المقصد من كلمة ( قطع ) فصل اليد بصورة كلية عن الساعد لاستخدم الشارع كلمة بتر إذاً كلمة ( قطع ) لا تدل على عملية ( البتر ) لليد ، وإنما تدل على عملية المنع والتعطيل والتوقيف وتحديد فاعليتها ، والعقوبة موجهة إلى نفس الإنسان لا إلى يده الجارحة. قطع يد السارق لاتعني الجرح او البتر، وإنما منعه او توقيفه عن السرقة ومعاقبته بالشكل الذي يردعه، فتكون عقوبة هذا الإنسان بإيجاد صورة رادعة زاجرة مؤلمة نفسياً نحو السجن لمدة معينة، أو ما شابه ذلك مما يراه المجتمع عقوبة زاجرة ورادعة ومؤلمة نفسياً لهذا الإنسان ، حيث يترتب على العقوبة قطع يد السارق من وجهين - الأول توقيف ومنع فاعلية اليد وظيفياً بشكل مؤقت - الثاني: جعل السارق يتألم نفسياً من خلال شعوره بالخزي والعار أمام أسرته والمجتمع والنتيجة أنّ هذا الإنسان هو ابن المجتمع يجب احتضانه والاعتناء به ، لا بتر أحد أطرافه، فالسجن في الواقع داخل تحت مفهوم القطع منطقياً، فكل سجن هو قطع لحركة هذا الانسان ومنعه من حريته وتوقيف نشاطه الاجتماعي، أليس السجن هو توقيف لحركة الإنسان؟ أليس السجن هو منع نشاطه الاجتماعي؟ أليس السجن هو تعطيل لقوة الإنسان؟ وهنا يجب ان ننتبه لكلمة ( أيديهما) لم تأت بالمفرد ولم تأت بالمثنى بل جائت بالجمع حسب الآية ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ المائدة ، لا يلزم من ورود كلمة يد هنا أنها الجارحة؟ هل كلمة اليد في قوله تعالى ﴿ يد الله فوق ايديهم ﴾ هي الجارحة؟ كلمة اليد في اللسان العربي تعني القوة ، ولذلك قال عن داود ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ ( يعني اقطعوا كل منافذ القوة التي سيطرت على السارق فجعلته يرتكب السرقة فإن كان فقيراً فقد يكون القطع بتوفير فرصة عمل له، وان كان يعاني من خللٍ في الشخصية أو عدم العلم فيخضع لجلسات نفسية أو تربوية أو ما شابه، فإن بقي يصر على السرقة فمصادرة أمواله أو الحجز او السجن أو غيرها. و أيضا (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ) ص/ أي 45 أي أولي العقول و البصيرة و الاجتهاد في العبادة, لماذا لم تقل الآية (أقطعوا يديهما)؟؟؟؟؟ الفاظ القرآن ليس فيها فوضي و معانيها ثابتة لانها تعرف بالترتيل و هو قياس معاني الكلمات الواردة في عدة آيات مع بعضها للخروج بالمعني الاصطلاحي مثل الهاكم التكاثر,التكاثر في القرآن لا يعني التكاثر بمعني التناسل بل هو التكاثر في شهوات الدنيا. ثم ان كلمة ﴿ أيْدِيَهُمَا ﴾ تعني كلتا أيدهما اليمنى واليسرى معاً، فهل سيقطعون الاثنين معاً ويطبقون الآية أم يتراجعون الى القطع بطرق أُخرى ...؟ ولكن السؤال الكبير هنا ماذا لو اكتشفنا لاحقاً أنّ السارق لم يكن سارقاً بل بريئاً فماذا سيفعل القاضي ساعتئذ ..؟ ومن سيرجع للبريئ يده المبتورة التى ذهبت هباءا ..؟ ثم ان الاية لم تحدد ماهية القطع ثم تقول لنا الآية بقطع اليد واليد تمتد من الأصابع إلى الكتف..! على خلاف الوضوء مثلا حيث حددت الاية الغسل للمرافق مثلا فهل سيقطع الفقهاء اليد للكتف..؟ ثم إن عبارة ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ﴾ تمكنني من اضافة أنّ (ال) التعريف هنا تفيد التكرار والمداومة علي ارتكاب فعل السرقة .. وهم أشخاص معروفون بعينهم وبشخصياتهم وعليه لا يمكن أن نطلب تطبيق الحد علي من ارتكب السرقة مرة واحدة في حياته أو مرتين..! ثم إن هذه العبارة وردت بالصيغة الاسميه أي السارقين معروفين بتكرار الحدث ولبسته تهمة السرقة بشكل تام وواضح ولم تأتي بصيغة فعلية مثل (من يسرق أو تسرق فأقطعوا أيديهما). و الفرق واضح في سورة يوسف (ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ)/81 فلم يقل اخوة يوسف أن ابنك سارق و انما قال رجال الملك ذلك كعادة أهل ذلك الزمان في التشدد مع (من يسرق) و يسمونه سارق. وهنا نريد أيضا أن نوجه الى اخر الاية ﴿ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾ والتوبه هنا هي التوبه عن فعل السرقه الى الله. يقول فمن تاب، أي أن هناك احتمال أنه لن يتوب وسيستمر بالسرقه... ولكن كيف سيسرق من جديد إن كانت يداه مُقَطَّعتان؟ بناء علي فهم غير واضح للقرآن الكريم. والنتيجة أن هذا الإنسان هو ابن المجتمع يجب احتضانه والاعتناء به ، لا بتر أحد أطرافه. [email protected]