استشاري أمراض نفسية قال لي إنّ هُناك زيادة (مهولة) في الأمراض النفسية بالسودان.. فرغم أنه يعمل في عيادته مرتين فقط في الأسبوع.. فقد أصبح يُسجِّل أكثر من (750) حالة جديدة كل عام.. إذا استخدمنا الحساب المُباشر.. بعدد الأيام التي تعمل فيها عيادته في الأسبوع، فإنّ الرقم يعني حوالي (8) مرضى يومياً يدخلون حيِّز الأمراض النفسية في عيادة واحدة فقط.. هؤلاء طبعا ًالمرضى المُحظوظون الذي توفر لدى أسرهم المال وسعة الحال المعرفي ليذهبوا بمريضهم إلى العيادة النفسية.. لكن بكل تأكيد هناك أضعافهم ذهب بهم أهلوهم إلى المشايخ ومظان الطب البديل المختلفة.. وأكثر منهم كلهم من تركوا مرضاهم في البيوت يتسترون عليهم من الوصمة الاجتماعية أو أطلقوهم في الشارع.. سَألت الطبيب عن السبب الغالب فقال لي (الضغوط)!.. على رأسها بالطبع الاقتصادية وتوابعها.. هذا الرقم مُخيفٌ بكل المعايير.. يعني عملياً أننا نفقد جُزءاً مقدراً من قوى شعبنا العقلية.. بسبب الحال الذي وصلنا إليه. هذه الأرقام المهولة تعكس إلى أيِّ مَدَىً وصلت أزماتنا الوطنية.. كثيرٌ من الساسة يتعاملون مع أزمتنا السياسية وكأنّها نظرية أو مُحاضرة في مُنتدى.. بمُنتهى الأريحية دون إحساس بعامل (الزمن).. فكل يوم يتأخّر فيه الحل السياسي.. يدخل فيه حوالي مائة إلى نادي الأمراض النفسية.. ويسقط فيه من شبابنا أضعافهم فريسة المخدرات وإدمان الهروب النفسي.. وهؤلاء فئة أخرى أكثر خُطورةً على (الأمن العقلي) السوداني..! نحن في حاجة ماسّة لقرع الأجراس بأضج ما يُمكن.. بلادنا تُسرق منا عُنوةً واقتداراً ومُستقبل أجيالنا بات في خطر كبير.. وأمية نيام أشغلهم جمع المال عن تقدير الحال.. ولو انتظرنا (محاسن الصدف) لتخرجنا من نفق الأزمة السياسية وتوابعها الاقتصادية فقد يأتي يومٌ يصبح فيه العُقلاء هم من بحاجة لزيارة الطبيب النفسي.. هذه الكلمات لا أقصد بها زرع الهلع وإشاعة الذعر.. بَل لَفت الانتباه وإيقاظ النخوة السودانية.. نحن أمة منحها الله كل شيء ولا تملك شيئاً.. قادرة على الحياة الكريمة المُنعمة، لكنها غير قادرة على إدارة مواردها بما يُحقِّق لها مثل هذه الحياة الكريمة التي تستحقها.. المطلوب أن نرفض كلنا وبشكل جماعي حالنا الراهن.. وأن نحلم بوطنٍ يستحقنا.. فهذا الوطن الذي نعيشه يُعاني حالة (التزوير في أوطان رسمية).. هذا ليس وطننا.. وطن الساسة!! التيار