في 21 اكتوبر عام 1964 قام الشعب السوداني بأول ثورة شعبية في العالم العربي ضد حكم عسكري . والأرحج انها الأولى في افريقيا ايضا بحكم ان السودان هو أول من نال استقلاله في القارة السمراء في يناير 65 بل اعلنه نواب الشعب من داخل البرلمان في 1955. اسست ثورة اكتوبر وبعدها ثورة 6 ابريل 1985 سنة حميدة. فالنضال ضد المستمعر الغازي لا يتردد فيه المحليون. لكن ان يهب الناس بمختلف توجهاتهم ضد حكم من بني جلدتهم امر يحتاج إلى وعي متقدم. وجرأة ويعود ذلك للأمية وسيادة حكم المجتمع الذكوري وتأليه الأفراد والروابط الأسرية الممتدة والإمتداد القبلي والتعاطف الوجداني الذي يستغله المستبدف ولاحقا تكالب الإنتهازيون وممارسة التعتيم الإعلامي والتضليل . قامت ثورة اكتوبر لأسباب عديدة منها الوعي المبكر للسودانيين بحقوقهم. والإنفتاح على العالم الخارجي خاصة اوربا والإتحاد السوفيتي والقراءة والرغبة في المواكبة لكل ماهو جديد والإحساس بأن السودان جزء مهم وفاعل في الأسرة الدولية بحكم صادراته وعلاقاته مع بريطانيا وكبر حجمه وتنوعه موقعه الشمالي الصحرواي والجنوبي الإستوائي وتركيبته السكانية الفريدة.يضاف لذلك نبوغ كثير من السودانيين المبكر وتلقيهم معارف انساينة متعددة ويمكن القول ان السودانيين آنذاك كانوا يستشعرون مسئولية وجودهم في الطليعة العربية والأفريقية بحكم ثقافتهم العالية وجرأتهم لهذا كانت طموحاتهم بقدر شعورهم بحجم بريادتهم. وكان السياسيون هم نجوم المجتمع غير انهم لم يستغلوا ذلك لوضع لبنات قوية ومتينة لديمقراطية مستدامة وتنمية مدروسة. كان كل الأفعال تنطلق من المنظور الحزبي . كل يسعى لتكبير كومه الخاص على حساب الكوم العام. ورغم اتفاق الأحزاب آنذاك بقوة على جعل الإستقلال هو القضية الأولى والأهم ولكن يبدو ان ذلك توقف عند نرفع علم السودان . تحت الضغط الواعي من الخريجين آنذاك كوّن البريطانيون مجلس تشريعي في الأربعينات أي قل الإستقلال. ولكن الديقراطية ال الجديدة لم يستفد قادتها ومنظروها من البريطانيون بديمقراطيتهم التي امتدت سنين عددا. البريطانيون بعد الإستقلال لم تكن آثار اقدامهم قد انمحت . بعد الإستقلال حكم السودانييون انفسهم ديمقراطيا لمدة عامين. لكن وللاسف الشديد فإن الديمقراطية الوليدة لم تكن ناضجة بما يكفي لوضع دستور دائم وخط مسار ثابت للسودان. بسبب التنافس الحزبي الشديد والمكايدات الحزبية والممارسات غير الرشيدة . وهي ممارسات انحدرت لدرجة تسليم السلطة منتخبة ديمقراطيا كامل صلاحياتها لجنرالات الجيش . ولو صبر السياسيين انذاك على بعضهم ولم يستعجلوا الوصول لكراسي السلطة لكانوا اسسوا لديمقراطية متينة وراسخة ولحمكوا خمسة عشر دورة انتخابية – الدورة اربعة أعوام- ولو تراضوا لحكم كل حزب منفرد اكثر من دورة فقد كان عدد الأحزاب لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة. ولكن لإستعجالهم حرمهم العسكر والإنتهازيون من السياسين الحكم لاكثر من خمسين عام . اذا خصمنا الفترات الإنتقالية سنجد اقل من عشر سنوات عمر الحكومات المدنية في الديمقراطيات الثلاث بينما حكم العسكر مجتمعين م لأكثر من خمسين سنة و still counting بعد ثمانية أعوام من الحكم العسكري استجمع ا المثقفون اطرافهم وقادوا من جامعة الخرطوم العريقة المظاهرات حتي القصر وبعد ايام كانت السلطة العسكرية تتنحى وتغادر بهدوء. لم تحرس النخب السودانية إنجازها التاريخي الضخم . ولم يسهروا ويرعوا الديمقراطية الوليدة بحزم ويقظة حتى تنمو وتتعدى مرحلة الحبو لمرحلة المشي والثبات. كان وضع السودان الآن سيختلف سياسيا وثقافيا ورياضيا وزراعيا و. قال الراحل المقيم حميد (حكم العسكر ما بيشكر كله درادر كله مشاكل) .سالته مرة في بداية التسعينات وعسكر يونيو وإسلاميوها يحاصرون الشعب بقانون الطوارئ ويسكتونه بالفتاوى المغرضة . كنت مثل الكثير من السودانيين اتصبّر بإستدعاء ارث ثورتي اكتوبر وابريل الرائعتين. ( ليه اغنيات اكتوبر سمحه ؟ ) فرد علي بهدو بسؤال على طريقته في قصيدة النخلة ( وفي النخل شن ما بيفرح ؟) (وفي اكتوبر شنو الماسمح؟) وقد كان محقا ففي اكتوبر كان الشعور العام رائعا فكانت الأشعار اروع وكذلك الألحان وقبل ذلك كانت الهتافات . وهذا بسبب إلتفاف الناس حول قضية محورية .وعيهم بأهمية الديمقراطية .معرفتهم بحقوقهم والتعبير بطرق راقية .سلوك الناس ومظهرهم وطاعة المتظاهرين لقادة المظاهرات والإحتفاء بالشهداء والإنتصار لهم . توافقهم على حكومة انتقالية .تراضيهم على برنامج المرحلة . ثم تنظيم انفسهم وانتخاب ممثليهم في البرلمان . كل ذلك كان سمح لكن (الماسمح) جاء لاحقا. ضاق البعض بالديمقراطية و تربص بها آخرون .البعض تفضحه اضواء الديمقراطية الكاشفة حيث الشفافية والمساءلة والعدالة. بعد ثلاثة اعوام من الديمقراطية ضربها المتربصون بها في1967.اثر حديث في ندوة قاله طالب متهم بإنتمائه للحزب الشيوعي صعد البعض حملة مكثفة ضد نواب الحزب الشيوعي. استغلت الحملة العاطفة الدينية للسودانيين وتم طرد نوابه السبعة من البرلمان . نواب كانوا منتخبون من قبل الآلاف وفازوا في دوائرهم عن جدارة في انتخابات حرة ونزيهة رغم صعوبة ذلك لإحتكار القوى التقليدية للكثير من الدوائر.وهذا يدلل على وعي مبكر لدى الشعب السوداني أجهضته فترات الحكم الإستبدادي. كان يمكن معالجة الأمر بحكمة لكن الإنتهازيون ضربوا الديمقراطية في مقتل . بطرد نوابه المنتخبين من قبل الشعب كان رد الحزب الشيوعي قويا . استولى على السلطة بإنقلاب عسكري في25 مايو 1969. انقلبت مايو بعد عامين في يوليو1971 على الشيوعيين .اوقعت بالحزب نكبة أليمة لا يزال الشيوعيون يعانون من ويلاتها حتى اليوم بل عانى معهم آخرين . هنالك العديد من الملاحظات عن ثورة اكتوبر. درس اعداء اليمقراطية ثورات السودانيين في اكتوبر64 وابريل 85جيدا .عملوا على تجفيف منابع الهبات الشعبية. بينما لم يستفيد الديمقراطيون بصفة عامة من ثورتيهما في انتاج اساليب جديدة فعالة توقف حكم الديكتاتوريين. تم وأد الديمقراطية اكثر من مرة بسبب مكايدات بعض السياسيون الأنتهازيون التي صادفت هوى عند العسكريين المغامرين. وقد تكرر نفس السيناريو - واحيانا بنفس الممثلين . ذات الأطروحات الطموحة و الأساليب القديمة والسقوفات المثالية والغفلة القاتلة التي حدثت بعد الإستقلال 56 تكررت بعد اكتوبر64 وبعد ابريل1985. القدر موكول بالمنطق. تهويل ماحدث من عبود بعد نوفمبر58 هو ماحدث حقيقة في مايو 69 .اي ان نميري حقق للبعض الذين قالوا بما لم يحدث أو ضخموا ماحدث. حدثت في عهد مايو اعتقالات وتعذيب وتشريد. وما ضخّمه البعض في عهد مايو حدث للكثيرين في عهد يونيو خاصة في بدايته حيث كان النظام شرسا متخبطا كثور في مستودع الخزف. الحماسة الزائدة عند البعض جرفتهم بعيدا عن الموضوعية فتم تضخيم اخطاء العسكرين ومن ثم تضخيم الأمنيات وفق لذلك فكانت الإحباطات ضخمة ايضا. عدم الموضوعية في الحكم على حكومة نوفمبر جرى تصويرها كشر محض وتهويل تصرفاتها وتحميلها كل مشاكل السودان انذاك رغم انها حققت العديد من الإنجازات. كان الأجدى مواصلة انجازاتها ومعالجة اخطاءها. حققت حكومة عبود العديد من الإنجازات الضخمة منها بناء الجسور ورصف الطرق .حافظت على الجنية السوداني قويا كما الإسترليني .ادارت السودان بنظام خدمة مدنية فعّال وصارم .اقامت عدد من مشروعات التنمية الكبرى . بنت علاقات دولية طيبة واهتمت بالرياضة وغيرها.لكنها وقعت ايضا في خطأين تاريخيين الاول توقيع اتفاقية مياه النيل مع مصر دون دراسة متعمقة أو دراية عملية. والثاني لم تفكر في مسألة جنوب السودان كقضية يجب ايجاد حل عادل يمنع تفاقمها. وقوف النخب في محطة الإنتصار الشعبي وتقاصرها عن تحويل قوة الدفع الهائلة للجماهير إلى انجازات خالدة يصعب هدمها .من ذلك وضع دستور دائم لبلاد .حراسة الديمقراطية الوليدة بالوعي الجماهيري.عدم التوافق على برنامج واحد طويل المدى يتجاوزر المرحلة الإنتقالية القصيرة والصبر عليه. وقبل ذلك الهبة الفورية ضد البيان رقم واحد الذي يجهض به العسكريون المغامرون الديمقراطيات الوليدة. البيان رغم واحد يحمل بين سطوره انتكاسة مريعة للشعوب .يعود بها لما قبل المربع الأول ويدخلها في دائرة التخلف ديكتاتوري ديمقراطي دياكتوري... كان يمكن اختيار شخصيات عامة غير منحازة لحراسة الدستور ومراقبة الوضع السياسي العام واداء الأحزاب. و لغياب أو تراخي من يقوم بهذا الدور الهام قامت المؤسسة العسكرية واعطت لنفسها الحق بالتدخل .فعلت ذلك اكثر من مرة وكانت نتائج ذلك وخيمة. اكتوبر قدمت ديمقراطية حقيقية.السودان هو الدولة الوحيدة في العالم العربي التي نافست اسرائيل بقيام ديمقراطية حقيقية . بل وتفوقت عليها بإعتبار ديمقراطيتها منقوصة بسبب حقوق الفلسطينين. فات على العرب ان يدعموا الديمقراطية الوليدة ويشجعوها لتبقى مرسى آمن ومنصة انطلاق للمبادرات العربية والأفريقية..منافس قوي في المحافل الدولية يتم عبره تكوين المواقف التي التي تقودها حكومة منتخبة. مثال جيد على تطور الشعوب العربية والافريقية. الديمقراطيات تحصين لثروات الشعوب ومقدرات البلاد. حيث يصعب رشوة الحكام في ظل الأنطمة الديمقراطية بالطريقة السهلة التي تحدث بها في الأنظمة المستبدة .في الأخيرة تتركز الكثير من السلطات في يد شخص واحد أو اشخاص قليلين وبصلاحيات اوسع احيانا من اخيلتهم.وهو امر يكلف البلدان الكثير. يصعب على الدول الأخري التدخل في شئون الدول الديمقراطية القدر الذي تفعله مع الدول التي تحكمها انظمة ديكتاتورية. الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب. القضاء العادل و وتساوي الجميع في الحقوق والواجبات والإحساس المسئول للأفراد ببلدهم وبحكومتهم التي انتخبوها.والشعور الرائع بالمشاركة في إدارة شئونهم . يمكن ذكر العديد من مزايا الديمقراطية .لتوضيح ذلك يمكن الإستعانة بشطر البيت أعلاه ووضع كلمة الديمقراطية بدل النخل. و. .. نغني مع وردي رائعة محمد المكي ابراهيم. بإسمك الأخضر يا اكتوبر الأرض تغني.. [email protected]