الحديث عن تنافر فكر الجماعات السلفية في السودان التي تستمده من المنبع الوهابي ووقوفه نقيضاً لآهل التصوف مبدأءً وسلوكاً وممارسات وطقوس ..يظل ضرباً من نافلة القول ليس إلا ..! بيد أن زيارة فضيلة الشيخ خالد الغامدي إمام الحرم المكي الأخيرة للسودان وطوافه على بعض بيوتات الطرق الصوفية العريقة والتي اربكت فرع الجماعة بالسودان ولكنهم قبلوها على مضض .. فهي تفتح أبوابا واسعة للتأويلات عن الدافع المحفز لهذا التقارب المفاجيء بين النهجين النقيضين و مغزى التوقيت ..ويطرح سؤالا كبيرا ً حول ما إذا كانت المسالة غاية في حد ذاتها أم هي وسيلة مؤقتة لغيات مؤجلة ! وتجيء نتائج إجتماع ما سُميّ بأهل السنة في العاصمة الشيشانية غروزني على خلفية إحياء ذكرى رئيسها السابق الشيخ أحمد قديروف والد الرئيس الحالي والذي قتل منذ سنوات على يد بعض التكفيرين الموصوفين بالإنتماء الى الفكر الوهابي ..وكأنها القنبلة التي أيقظت قادة الجماعات الوهابية لتنطلق في خطوة برغماتية لحشد فريق مناهض للدعوة التي أطلقها ذلك المؤتمر الذي أمه الكثير من الوفود التي دعت لإستبعاد السلفية الوهابية خارج صفوفهم ونبذها باعتبارها جماعات ارهابية وتكفيرية أضرت بالإسلام عقيدة ومجتمعات على حسب ما جاء في بيانهم الختامي . وتأتي مشاركة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب شخصيا ًو الذي تلا البيان المشار اليه والمفُضي الى التوصية أعلاه .. كإشارة الى تباين الخطوط بين مجموعة المؤتمر و الوهابية السلفية .. بالقدر الذي دفع بقادة الأخيرة الى طرح خلافاتهم الأزلية مع أهل التصوف والذين كانوا يصفونهم حتى الأمس القريب بأهل البدع الخارجين عن الملة .. الى هذا التقارب وهو إعتراف ضمني بالمساحات الأفقية الشعبية التي تستحوذ عليها الصوفية .. على عكس الجماعات السلفية التي لم تبرح تصاعدها العمودي الصفوي الأقل بكثير وسط السواد الأعظم من عامة الناس . وهي مساعٍ يبدو من ظاهرها انها دعوة لترتيب الصفوف في مواجهة ذلك المعسكر التي تقوده مصر ممثلة في أكبر مؤسسة دينية وتعليمية في العالم الإسلامي والتي عرفت بميولها الصوفية المناوئة للفكر السلفي وحتى الإخواني حيث تجلى موقفها في الإصطفاف الى جانب ثورة قلب المجن لحكم الإخوان المسلمين في مصر ! وتأتي حالة الإستقطاب بين معسكري غروزني .. وأهل السلف الوهابي .. لتزيد تعقيدات المشهد الإسلامي الذي بات أكثر تمزقا في تفاصيل المعسكر السني المتجاذب بين أهله .. بعد أن كانت الخطوط العريضة للخلافات الإسلامية / الإسلامية تبدو في ظاهرها .. فقط بين الشيعة من جانب وأهل السنة مجتمعين من جانب آخر .. ولكن من الواضح أن ذلك التصنيف المحدود للشتات الإسلامي ومن واقع الحال الماثل .. لم يعد إلا..من الماضي الذي قد يشد العالم الإسلامي ثانية في غفلة إنقياده الأعمى ناحية الفخاج المنصوبة له .. الى إعادة تمثيل صفحات الفتنة الكبرى التي شقت قلبه الى عدة شرائح ظلت تنزف أحياناً كثيرةً و تتجلط في حذرٍ حيناً ! [email protected]