ليس في الوجود شيئ أصعب من أن تعرف نفسك... نعم يمكنك تقديم ذاتك للآخرين وفق الديكور الذي يختاره لك عقلك...لكن يستحيل عليك أن تمرر ذاتك على ذاتك إلا في حالة مرضية تتطلب التدخل الطبي .. (إنفصام الذات). والوطن ليس اقصوصة.. وليس رواية.. وتاريخه غير خاضع لأي تفسير سوى :أنه سبب وجودنا الحالي مثلما أن مواقفنا الراهنة ستحدد مصير أجيالنا. إن هذا الارتباط الوثيق بين تاريخ الارض ووجودنا هو الوصف الدقيق للعلاقة التي تحدد موقفنا من أي تغيرات تمس مجمل الوجود في سطح جغرافيتنا ذلك لأننا نملك الحق.. ولم نملك الحق إلا لأننا ملكنا حق الوجود تاريخيا في أرضٍ ملكناها وملكتنا.. وبالتالي حددت مصيرنا مثلما حددنا مصيرها.. إرتبطت بنا وطنا لنا.. وإرتبطنا بها شعبا لها.. وأي تهديد لها يمثل تهديدا مباشرا لوجودنا الفردي والجمعي.. وأي تهديد لنا يمثل تهديدا لها موحدة كانت أو مجزأة... لذا .. الدفاع عن مساحة الارض التي تشغلها وأنت تقف عليها يمثل دفاعا عن الوطن .. وهذا الفهم يرتقي نحو منزلك ..أرضك الزراعية.. مساحات رعي دوابك وأغنامك وماشيتك.. بل حتى المساحة من الفضاء الذي تحلق فيه حمائمك وعصافيرك...كل ذلك يعني إرتباطك بالوطن وإرتباط الوطن بك...هذه العلاقة في مجملها علاقة وجود للطرفين.. (فأنت ستحدد مصير الوطن مثلما سيحدد هو مصيرك) .... إن الاطباء الذين أعلنوا الاضراب وهم يرفعون شعارهم الذكي (عشانك يا مواطن) يعلمون سر العلاقة.. ويعلمون أن علاقتهم إرتبطت بالوطن والشعب.. وأصبحت علاقة وجود...بقاء أو فناء .. To be or not to be لذا ربطوا الحق الصحي للمواطن بحق التدريب لهم وحق التأهيل لمؤسسات وزارة الصحة. فهل أتى هذا الربط عن فراغ؟ كلا.. بل هم يعلمون أنهم ما لم يتدربوا فالضياع سيشمل المريض والطبيب.. وما لم تتأهل المستشفيات فالضياع لصيق بالمواطن وبكل طبيب.. وبالتالي ما لم يتوفر الدواء فالكل ضائع. .... ودفاع أهالي الجريف عن الأرض هو دفاع عن الوجود .. فلا فرق بين دفاعات جنوب كردفان العسكرية ضد مليشيات هذا العبث ومتاريس أهالي الجريف المدنية ضد نفس المليشيات .. وللعلم وللتأريخ والحق: فالحقيقة أننا لا نحارب المليشيات.. بل العقلية التي تنتجها وتديرها وتوجهها بهدف جعلها الوسيلة الأولى لتفريغ الأرض من أصحابها ومن ثم تجريفها وإحتلالها بهدف إحلال بديل لا يستحق الارض .. ولأنه ليس صاحب تاريخ فيها .. وبالتالي لا يملك حق الوجود عليها أو التواجد في سطحها لأي هدفٍ كان.. كي لانصير نحن صاحب الأرض غرباء في وطنٍ يمتلكه البورماويون والأحباش والسوريون وبقية الإنتهازيين لتنتهي روايتنا بذلك المثل: (العمدة خالي أطيان) .... لذا فحينما ننادي الناس بالنزول إلى شوارع الوعي والاستجابة لهذا النداء والتفاعل مع المد المعرفي الثوري المتنامي وسط شعبنا وفي أرضنا منذ سنوات فذلك لوعينا وإدراكنا التام (أن صاحب الارض ما لم يتمتع بشرف الدفاع عنها فلن ينال حق الوجود فيها).. إن حق الوجود بأرضك يكفل لك كافة حقوقك وأولها حريتك.. وخدماتك .. وتنميتك.. ورفاهيتك .. وذلك ببساطة لأنك تملك أرضا تملكك ولأن نفس الارض تملك إنساناً يملكها .. و .. تذكر: إنهاهي ما لم تدوم لك ستؤول لغيرك...إذ أن طبيعة الحياة تظل دوما متحركة...ووسط هذا الحراك عليك أن تتحرك وأنت تستند على أرضك وحقك ووجودك. (إن الشجاعة والشرف يتطلبان منك أحياناً أن تكون أنت) ..... ليست الجريف وحدها التي يجب أن تنزل إلى الشوارع .. بل كل الشعب في كل الأرض ..إذ أن الطرفين (الشعب والارض) يمثلان الوطن.. ولن ينفكا مطلقاً .. وهذه العلاقة في صورتها الاولية فردية.. لكن مجملها جمعي. ..... طرفا العلاقة هما فقط من يجب أن يحدد طبيعة الدولة.. لأنهما الوطن. ..... سادتي : عانقوا المجد .. واستنشقوا الشرف.. ولتغنوا ولتعملوا للعرض.. وببسالة دافعوا عن وجودكم وأخلقوا ثورتكم. فلا مجال لخلق (خيبةٍ وخزيٌ وعارٌ) ببلادنا. محمد مصطفي غانم/ معلم ثانوي [email protected]