ناهض حتر: المناضل الذي قاوم سيوف الإرهابيين، وفتح مسارات جديدة للفكر الإنساني الحر، وسيذكر الزمان إسمه الذي يلمع في قرطاس التاريخ. الأستاذ الأردني ناهض حتر: تم إغتياله في الشهور السابقة غدرا بسيف أحد منسوبي الجماعات المتطرفة، وهو من المثقفين الأردنيين الذين عملوا علي إحداث التغيير في بلادهم، عبر القلم الحر الذي يبث الوعي وسط المجتمعات، وهو شخصية لها تاريخ عظيم يحكي عن بطولات ومواقف وطنية لا تنتهي سيرها برحيله الي عالمه الجديد. فيما يلي سيرة ذاتية مختصرة لشهيد الفكر - ناهض حتر؟ناهض حتر (1960- 25 سبتمبر 2016) هو كاتب وصحافي يساري أردني، خريج الجامعة الأردنية قسم علم الإجتماع والفلسفة، ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر. يعتبر عراب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي. سجن مرات عديدة أطولها في الأعوام77 و79 و96 وتعرض لمحاولة اغتيال سنة 98 أدت به إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية، وإضطر لمغادرة البلاد لأسباب أمنية إالي لبنان سنة 98. له عدة إسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية. وإسهامه الأساسي في دراسة التكوين الإجتماعي الأردني. يكتب حتر في صحيفة الأخبار اللبنانية، وهو موقوف عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ أيلول 2008. ×--- ناهض حتر: واحد من ضحايا إرهاب الجماعات الإسلامية التي تنتشر وتتمدد في إفريقيا والشرق الأوسط بكثافة، وتمارس ابشع انوع القتل بحق المثقف الداعي لبناء دولة ديمقراطية حرة وشطب إرث اساطير الحروب الدينية التي دارت سيناريوهاتها الكارثية في العهود القديمة من الذاكرة الجماعية، والعمل علي تكوين مجتمع إنساني تعاوني ينتج العلم والمعرفة ويبدع في فنون إدارة شؤنه الكونية والعيش بسلام وصنع حضارة لا يؤرخ الزمان لها سفك الدماء وإنسكاب دموع الأيتام. لم يكن مناهض الرجعية الإسلاموية المتطرفة «ناهض»، يحمل سلاحا ليدافع عن نفسه، بل تسلح (بالفكر والقلم) طوال حياته، وكافح بكل إخلاص وتفاني مع أبناء جيله المستنيريين، وحلم بمجتمع إنساني تسوده قيم الترافق والسير الي قمم النجاح بالمساهمة الإيجابية في بناء مشروع النهضة الإجتماعية فكريا وسياسيا وإقتصاديا. ولم يكن «ناهض» هو أول مثقف إنساني يفقد روحه بسلاح المتأسلمين او في منصات المشانق بسبب جدلية نقدية لواقع معين، بل هناك آلاف المثقفين دعاة التحرر العظماء تم قتلهم وقطع مشوارهم التنويري، وهناك آخرون يجلسون خلف أسوار السجون المظلمة ظلما، لا لجرمهم فقط لأنهم يحلمون بأوطان خالية من الفساد والإستبداد. في دولة السودان - ما زلنا نتذكر شخصيات عظيمة تمت محاربتها وتصفيتها من قبل الأنظمة البوليسية التي مرت علي الحكم في الحقبة التاريخية الماضية، وساندتها نخب سياسية لا تقل تطرفا عن جماعة الأخوان المسلمين او المؤتمر الوطني. ما زلنا نتذكر سجناء الرأي والضمير الذين يجلسون خلف أسوار السجون والمشردين في المنافي حول هذا العالم، نتذكرهم جميعا وهم ضحايا الإرهابيين الجالسين علي كراسي السلطة يفتي فقهائهم فيما لا يعنيهم ولا يخصهم ويحكمون جورا بقتل هذا ونفي ذاك. التطرف مرض فكري مزمن يصيب المجتمع ويدمر كل ما هو جميل في حياة البشرية، وهو لا يقبل وجود فكر حر آخر ينتقد إنعواجه ويبين مكامن خلله وينور الجماهير بما يصلح الحياة ويحقق التطور الكوني. هذه الجماعات الإنكفائية ما لم يتم حظرها ومحو آثارها السالبة بجز جزورها من الكتب المشحونة بدعاوي التعصب، لن يتوقف حرب الإرهاب في تلك البلدان. وإذا دخلنا في مناظرة مع هؤلاء الإسلاميين لتشخيص الدولة التي ينادون بها والمجتمع الذي يعملون لتشكيله، فاننا لا نجد سوى اطروحات مبتورة لأ تقوم علي أسس فلسفية ذات منطق يستوجب التحاور والتحليل، لأنهم في الأساس ينطلقون من مفاهيم ضيقة ويفسرون الأشياء بطرائق اشبه بما نشاهده في (الأفلام الكرتونية) ولا تتجاوز شريعتهم حدود السجن والجلد والصلب والرجم، ولا يوجد طرح لمشروع يفصل إدارة التنوع في المجتمع ولا حتي هيكلة دولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، ما هو إلا حديث ينطقون به في منابرهم ثم يأخذه الريح فلا تجد له مسند منطقي وواقعي يبرر النطق به، وإن بحثت الف عام في كل الكتب التاريخية القديمة والعصرية. إننا الآن امام ظاهرة ناتجة عن موروث متحجر تراكم في عقول البعض عبر سنوات الجفاف الفكري خلال حكم المتعاطفين والمشجعين لوجود الجماعات الإسلاموية، وهذه الظاهرة تعبر عن مدى الإنحطاط الذي جرى في بقع جغرافية محاطة بجيوش هائلة من الإرهابيين نمت في أذهانهم خيالات الحرب وصاروا يخرجون من كل ركن شاهرين سيوفهم في وجه العالم. ما حدث للمثقف والرفيق «ناهض حتر» قد يتكرر في يوم وكل ساعة ودقيقة، طالما هناك من يرعى ويحمي الإرهاب ولا يجد المحاسبة القانونية التي يستحقها لغياب دور القانون بفعل عمليات تسيس القضاء للقضاء علي الفكر وصوت القلم ومنع التنوير بقيم الحرية والسلام والعدالة. لا بد من اخذ هذه الحادثة المشينة في الإعتبار علي الدوام وربطها بالتسلسل التاريخي للأحداث السابقة ومراجعة مصادرها ومصالح مصدريها، لأن الحلول تكمن في العمل علي كشف الحقائق ومعالجة المسبب الرئيسي لكل الكوراث الحالية، اما محاولات (الترقيع) التي يقوم بها البعض بعيد عن دوفعهم فهي لن يؤدي الي إيقاف إنتشار سرطان الأسلمة السياسية في أجساد الشعوب لا بل سنرى المزيد من أجداث العلماء والمفكرين تتوسط الأتربة وتشكوا جور الزمان بحق ساكنيها الذين كانوا يعملون لتعمير الأرض. الوقفة عند هذا الحدث ضرورة إنسانية وأخلاقية وبحث عن حياة آمنة في المستقبل، ومن هذا المنطلق نرى حوجة التفكير في قيام مؤتمر سلام دولي تحت شعار (مكافحة التطرف والإرهاب) ويتم الترتيب له باسرع ما يكون ويضم الشخصيات الأكاديمية والسياسية وقادة المنظمات الحقوقية والإنسانية والمدنية وكل الجهات ذات المصلحة والصلة بمسألة محاربة التطرف والإرهاب. قيام مثل هذا المؤتمر وتفرعه في عدت مؤتمرات، سيكون له دور في تشخيص المشكلات القائمة ووضع حلول لها وإتخاذ السياسات والقرارات اللازمة ووضع الآليات التي تساعد علي إنجاز هذه المهمة بشكل يحسم وجود الجماعات الدينية والقبلية العنصرية بأي شكل وتحت أي ظرف. قيام هذا المؤتمر سيدفع الشعوب الي الشعور بأمل في العيش بسلام، وسيدفع العالم الي دعم المجهودات المبزولة لتحقيق السلام الإجتماعي في إفريقيا والشرق الأوسط، وستكون هناك فوائد كثيرة ربما لا تظهر ملامحها الآن بصورة واضحة ومفصلة تفصيلا دقيق. السير في هذا الإتجاه يتطلب مبادرة شجاعة من المثقفين المهمومين بالوضع القائم، وتقع عليهم مسؤلية إنسانية وتاريخية في الإمساك بزمام المبادرة والإنطلاق بها الي أفاقها المطلوبة حتي تصفوا الأجواء الضبابية وتنتقل المجتمعات من عهدها الظلامي الي عهود النورانية وتتقدم مثلها مثل المجتمعات الآخرى. أخيرا نحي الشعب الأردني الشقيق ونتقدم لكل مثقفي العالم بخالص التعازي في رحيل واحد من أعظم المثقفين عن دنيانا، ونؤكد سعينا في العمل علي ترسيخ مفهوم السلام كلا في محيطه، ونتمنى أن تأخذ العدالة مجراها في قضية إغتيال الرفيق المناضل ناهض حتر. ناهض حتر - عاش مناضل ومات بشرف - فلترقد روحه بسلام........ سعد محمد عبدالله [email protected]