لا ينبغي النظر حادثة القطينة أو حتى حادثة مستشفى أم درمان، بمعزل عن حالة الفوضى والعنف وغياب القانون، التي استشرت في كل شبر من أرض السودان. بل هي أخف قدرا من حوادث الاعتداء على الصحفيين، واقتحام مكاتب أساتذة الجامعات وتهديدهم، أو حتى اقتحام مراكز الشرطة، لتخليص المحبوسين بأوامر قضائية، التي يقوم بها أناس يملكون السلطة أو هم السلطة نفسها! بل يتوجب الاعتراف، بأن مثل هذه الحوادث (الفوضوية) إنما هي نتائج طبيعية للسياسات التسلطية القائمة على القوة والعنف، والتي روجت لها السلطة بوعي أو دون وعي، لتصبح ثقافة عامة تنتهجها العامة والخاصة، ويصبح ضعف القوانين وتطبيقها أمر مشهود وملموس في كل مرفق من المرافق، حتى صار من الاستحالة الاهتداء إلى مخرج اجتماعي أو سياسي يقاوم هذه الحالة، أو يخفف من أعراضها وعدواها الذي أصاب الجميع... إن حالة تجاوز القانون، حالة ارساها النظام المستعصي على النقد والمراجعة، والمتعالي على الإصلاح والمساءلة، حتى أصبح كل وزير ومدير وبواب يرتبط بالحبل السري للسلطة، له جماعة وقوة وعصابة يستخدمها كيفما شاء ومتى ما دعت الحاجة. ولذلك فالعنف الممارس اليوم من طرف المواطنين، يرتبط ارتباطا وثيقاً ببنية هذه الثقافة، ونماذجها، وكل أشكال الخطاب السياسي المرتبط بروافدها، سواء بتغذيتها بالتهييج والتأليب والتحريض، أو ممارستها بالترهيب والتنكيل والتعذيب. لن يكون أمامنا مناص من التسليم بأن هناك حالة شر! لإن النزعات الانتقامية وتصفية الحسابات الفكرية والسياسية التي خلفها الفعل السياسي، دخلت وتغلغلت وضربت بكل نتائجها السالبة عمق المجتمع، لتصبح أصلاً ثابتاً من أصوله، وجرثومة خبيثة يصعب استئصالها أو اجتثاثها والقضاء عليها. أصبح المواطن يرى كل الناس مسؤولين عن مأزقه وبؤسه وفشله، لا النظام أو الحكومة وحدها. لذلك يصب جام غضبه على موظفي الدولة، ويدمر الممتلكات العامة دون وعي منه أو إدراك، ودون تمييز أو فصل بين ما هو رفض واحتجاج، وما هو تخريب وتجاوز للقانون. العنف لا ينجم عنه إلا عنف مضاد هذا أمر مسلم به. وغياب القانون، أو إضعافه وتجاوزه يؤدي إلى زرع الرعب، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتدمير وتخريب الممتلكات العامة والخاصة...وسفك الدماء. ولا يمكن مقاومة ذلك إلا بإرساء خطاب عقلاني جديد، بدلاً عن خطابات، لحس الكوع، وإراقة كل الدماء...التي هي ثمرة كل ما يحدث من شر، الآن. [email protected]