حوار حول ماكتبه د. الغالي/د. عزالدين/ والاستاذ فيصل محمد صالح نقد الروايه عندنا الان يمر بظروف حرجه لاننا علي اعتاب تحوالات قادمه, اذ نخرج من حقبه الحداثه الي حقبه مابعد الحداثه, حيث انهارات كل الادبيات الاكيده ولم يتبق بين ايدينا الا اقل القليل من المرجعيات التي يمكن الرجوع اليها خاصه بعد الثوره التي شهدها النقد الادبي الروائي في العالم اليوم, بعد الاسلوبيه والظاهرتيه , والتفكيكيه والشكلانيه والشعريه. ونتيجه لكل هذه التحوالات الوجوديه والثقافيه للظواهر المعيشه في العالم اليوم محليا وعالميا , لايسعني الا ان استعير الموقف النقدي للناقد تذفتيان تودوروف مرجعيه النظريه النقديه!! وهي مرجعيه قابله للتفكيك وللهدم والبناء وهي شديده المرونه في الانزياح من نقطه الي نقطه اثناء حركتها في هذا الجدل الحواري. ومن هنا ابدأ بملاحظه اولي, هي ان النقد الادبي الروائي العربي المعاصر يعلي دائما من قيمه المضمون علي حساب الشكل الجمالي للروايه حتي اصبح المطلوب نقديا من الروايه ان تؤدي وظيفه المقال الفكري وهو تحول تام للوظيفه الروائيه التي هي جماليه شكلانيه في الاساس ( انظر ميخائيل باختين الروسي) في ( شعريه دوستوفسكي) وانظر الي جاكسون في ( الشعريه) عند الشكلانيين الروس, وهم يرون ان الروايه تجعل اللغه تنزاح عن وظيفتها الادائيه الاجتماعيه المباشره الي الشعريه .. اي الجماليه.. فليس المطلوب منها كتابه التاريخ هنا ولامطابقه الواقع وذلك لان الشعريه تجعل من النص الروائي السردي نصا موازيا للواقع وليس هو الواقع بذاته. لهذا جاء نقد الدكتور الغالي نقدا سياسيا ايديولوجيا معبر عن نثريه اللغه, لاعن شعريتها التي هي مقصد النص الروائي دوما . وبالطبع لم يكن الدكتور الغالي هو وحده الذي ينحو هذا المنحي .. كذلك فعل الدكتور عزالدين ميرغني بل طلب عزالدين بمزيد من النثريه كان يكون النثر موزونا ومقفي!! وهذا هوالفهم الدارج للشعريه في النقد العربي. من هذه العموميه اخذ عزالدين مفهوم التخيل السردي.. حيث لاصله بالخيال بالواقع ومن هذه المسافه يتحول الخيال الي اوهام! الخيال كماعرفه سارتر في كتابه (المتخيل) هو ذلك الوعي الذي يقوم باحضار الغياب داخل الوجود كقولك (بطرس يجلس الان بالمقهي) كان الخطأ المبدئي في كل هذا (الخطأ الفني السردي في روايه شوق الدرويش) هو ان المؤلف (حمور) قد أتي باحداث تاريخيه موثقه اي ذات مرجعيه تاريخيه, واضاف اليها حكايات متخيله روائيا .. وبذا خلط بين مرجعيتين, المرجعيه التاريخيه والوثائقيه الواقعيه الواقعه بين الخيال كاداء وبين عقلنه الواقع ومن هذه الثغره القاتله دخل النقد ليهدم هذا العمل بكامله بدون تحليل وفي عصبيه انفعاليه حاميه الوطيس. اما ماقاله الاستاذ فيصل محمد صالح عن صمت النقد وعجزهم في ادراه الحوار النقدي الادبي المنهجي. فذلك عجز موروث تراكم عبر القرون الثقافيه المتكرره من الظواهر السلبيه كانعدام حريه التعبير, ذلك السد القائم في كل الازمنه العربيه بين السلطه والكاتب ,والخلط بين المفاهيم والمصطلحات الفكريه والثقافيه المتخصصه وبين الشائع من الاقوال والمفاهيم الشعبويه ذات العموميه والضبابيه الي جانب البعد عن الموضوعيه وتحويل الظواهر الموضوعيه الي ظواهر شخصيه خاصه , وهنا افتقدنا المنصات الفكريه والجماليه المتخصصه في مثل هذا الحوار وعدم قدرتنا علي توصيل كل هذا في المجري الثقافي العام, حيث يمكن الارتفاع بالذائقه الشعبويه الجماهيريه والارتقاء بها حتي تصبح هذه المفاهيم النخبويه مفاهيم عامه مما يساعد في صنع تنميه جماليه واجتماعيه في وقت واحد . ولكن اذا ماعدنا الي النص الروائي( شوق الدرويش) نجد ان مفتاح الروايه يكمن في ذاك الحوار شديد الذكاء الذي دار بين شخصتين من شخصيات الروايه اذ قال احداهم للأخر(المهديه رسخت عندما امنا بها, وضاعت عندما ضعف هذا الأيمان ) اليس هذا هو العامل التاريخي والسياسي الجوهري في زوال الحضارات والدول منذ ان خلق الله الكون؟ اعود واقول مره اخري ان الخطأ المعماري الاساسي في بناء روايه شوق الدرويش هو الخلط في المنهج السردي الذي جمع بين فضاء التاريخ وفضاء التخيل السردي الروائي لك ان تقول الخطأ هو كعب أخيل روايه (شوق الدرويش) اما لغه الروايه التي عابها الدكتور عزالدين ميرغني فهي اللغه الملائمه للسياق السردي وللرؤيه العامه للنص. فالروايه ذات ملمس خشن فكانت تحتاج الي لغه تشبه المحيط الحضاري والثقافي لهذه الحياه وقت ذاك !! عندي أننا نتعلم النقد الجيد من خلال نص جيد او نص ردئ وذلك عكس ما قال به الراوي الكبير الطيب صالح ان النقد الجيد يأتي من نص جيد, ولكننا نختصم بقوه اما لصالح النص الجيد او ضد النص الردئ وفي الحالتين هذا الاختلاف يزيد النقد ثراء.