لم يرق لإمام مسجد حارتنا القماش الذي كنت أضعه فوق رأسي اتقاء البرد-فمن الناس ما يزعجهم ما أنت عليه دون أدنى سبب-فأبدى ملاحظة (حاسمة) وأعمل نقداً (حاداً) حتى لا أجادل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وأوصاني بلبس العمامة فهي من السُنّة (قاطعاً): أَن الملائكة نزلت ببدرٍ معممة (كعمامتنا هذه) مشيراً إلى رأسه الملفوف بعناية؟! لم أسأله عن مصدر الجلابية (جناح أم جكُّو) التي كان يرتديها عسكريو المهدية، والتي صارت فيما بعد الجلابية الرسمية للأنصار ومن نهج طريقهم، مقابل الثوب الأنيق الذي ترتديه الختمية ومن شايعهم! أو عن الجلابية (ذات التفاصيل الدقيقة والتعريف الفضفاض) ؟ والجلابية زي يرتديه السودانيون ويتميزون به في كثير من بقاع الأرض، لكنها ليست زي السودان الوحيد وبالتالي هي ليست الزي القومي، كما يزعم الكثيرون؟ والقومية في السودان أمر متنازع عليه، مثله مثل الهوية وما شاكلها من الأمور التي ما تزال تقلق مضاجع الكثيرين بما فيهم أهل المشروع ومؤصليه. وعندما تولى المهندس الطيب مصطفى، أمر التلفزيون السوداني الرسمي (المعروف بالقومي) قام بفرض الجلابية (البيضاء) والعمامة (التوتل) زياً رسمياً يرتديه مذيعو الأخبار ومن هم وراء الكواليس. وكان صاحب الزفرات الحرى وقتها يحمل عقلاً مغلقاً وتفكيراً ضبابياً فانصاع له الجميع طائعين. إلا أن خَلَفَهُ (أمين حسن عمر) الذي (كان وقتها) يتمتع بعقل مفتوح وتفكير واضح، رأى أن الجلابية ليست زياً قومياً ومذيعو التلفزيون (القومي) مخيرون فيما يرتدون. وقد أثار القراران وقتذاك غباراً كثيفاً، وجدالاً واسعاً. واستضاف التلفزيون (فاروق جاتكوث) أحد أبرز مثقفي الحركة الشعبية حينذاك، فتحدث عن أزياء السودان وتنوعها وتفاصيلها... ودعا لاحترامها قائلاً: هناك بعض الناس لا يروق لهم ما يرتديه أهل الجنوب أو الشرق أو الغرب ..وأنا لا يروق أن أضع كومة من (الدلاقين) فوق رأسي؟! لكن تظل الجلابية واحدة من أروع الأزياء السودانية بمسمياتها المختلفة: (المنديل، السكروته، على الله) قبل أن تتعولم وتصير (الهمر، وجلاكسي، و7أصفار) أو تتسيس وتصير (المؤتمر الوطني) أسوة بالجلاليب الحزبية الأخرى. رغم أن الجلابية أوسع بكثير من الأحزاب (البودي)! [email protected]