عندما تأتي مناسبة ونتحدث عن الحكومات التي تعاقبت على السودان سرعان ما نجد أحدهم ينبري للدفاع عنها خاصة حين يصبح الأمر مقارنة مع الإنقاذ الأسوأ. الأيام الماضية وبمناسبة مرور ذكرى حكومة الرئيس عبود دخلت في نقاش مع أحدهم وكان يصر على إقناعي بأن عبود ليس انقلابياً وهو تسلم السلطة لإنقاذ البلاد من كارثة سياسية، وهذا لا يعفيه من وجهة نظرى وهو إنقلابي بامتياز ويكفي إنه قام بكل ما يقوم به الانقلابيون، ففي أول قرار له حظر الأحزاب والأنشطة السياسية وأوقف العمل بالدستور وحل البرلمان وأوقف الصحف، وعندما قوبل بمعارضة قوية إعتقل الكثير من الشخصيات السياسية وواجه عدة انقلابات وقام بإعدام وسجن البعض، وعجز عن حل مشكلة الجنوب التي تم تدويلها في عهده، وانقلب حتى على من سلمه السلطة (ما انقلابي كيف؟!) . إن سلمنا بأنه تسلم السلطة لإنقاذ الموقف لماذا هذه الحملات الانتقامية؟، لماذا لم يعتبر فترته إنتقالية و يؤسس لممارسة سياسية راشدة وراسخة خاصة وإنه جاء بعد سنوات قليلة من الاستقلال وكان يمكن له أن يضع للسودان نهجاً سياسياً يستمر إلى الأبد، كان هذا سيكون أنفع وأجدى من إنجازاته التي لم تجد أحداً يحميها ويواصل العمل فيها، أين هي الآن، الرئيس عبود إنقلابي مهما برر له مؤيدوه فهو أسس لسياسة القمع والتكميم وأصبح قدوة لمايو والإنقاذ، 47 سنة ونحن نحكم بنفس العقلية ويحدثوننا عن إنجازاتهم التي هي مجرد واجب عادي لأية حكومة . كل الحكومات التي تعاقبت على السودان فاسدة بما فيها الديمقراطية، فقد حرمت السودان من مستقبل مشرق وحرمت شعبه من التمتع بإدارة بلاده عبر التبادل السلمي للسلطة ومراقبة ثروته التي ضاعت في عهد الإنقاذ الحكومة الفاسدة، أعتقد أن الحال الذي وصلنا إليه اليوم يكفي جداً لأن نقيم كل الحكومات ونمنحها شهادة سقوط بامتياز ونمنح الأجيال التي حكمتنا منذ ذلك الوقت وحتى الآن شهادة فشل بتفوق . الكباري والمباني والشوارع والمستشفيات ليست إنجازات تحسب لأية حكومة، فهي إن لم تنجز في مجال النهوض بالمواطن الذي هو أهم سند للدولة فكأنها لم تفعل شيئاً ، فما قيمة الافتخار بتلك الإنجازات إذا كان السودان الذي عمره 60 عاماً بعد الاستقلال لا يستطيع الآن أن يحقق أبسط الأحلام والتطلعات لشعبه، ما قيمة إنجازاتهم إذا كان السودان لا يستطيع الاستعانة بكفاءاته المتعلمة فتهاجر لتسد فراغات عظيمة في دول أخرى؟، ما قيمة إنجازاتهم إذا كان أغلب الشعب السوداني ما زال يعاني من الجوع والمرض والفقر والجهل لأنه لا يملك مستشفيات ومدارس ومشاريع تسمو بالإنسان جسداً وروحاً وعقلاً؟. ليست هناك حكومة من بعد الاستقلال حققت إنجازاً للسودان تشكر عليه فلا تحدثوننا عن أي رئيس حكم السودان لقد سئمنا منهم جميعاً ومن حكوماتهم ومن تاريخها، سئمنا من ماضيها المخزي وحاضرها العار، سئمنا من حكومات لا تنجز ولا تنجح إلا في الفشل، سئمنا من الانقلابين وأشباههم، فلننساهم رغم (الوجايع ) التي أورثونا لها ولنبحث عن مخرج لهذه الورطة التي نحن فيها اليوم لنلحق العالم قبل أن يبتعد أكثر. التيار