مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بلقطة مثيرة مع المطربين "القلع" و"فرفور" وساخرون: (منبرشين فيها الكبار والصغار)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفات مع ذكرى (17) نوفمبر.أسرار وحقائق تُنشر لأول مرة حول انقلاب إبراهيم عبود..
نشر في الراكوبة يوم 17 - 11 - 2016

يبدو أن ملامح الخريطة السياسية بدأت تتشكل منذ قيام اول ثورة بعد استقلال السودان (ثورة الفريق ابراهيم عبود) في 17 نوفمبر 8591م ... بالرغم التقاطعات هنا وهناك على منهج الوفاق الوطني بين الاحزاب حينها من خلال السعي نحو أكبر قدر ممكن من التوافق السياسي.... هكذا تبدو الصورة أكثر وضوحاً في غالب الحراك الذي دار تحت جسر الاحزاب.... والذي لم يتبلور حتى الان....مازالت الاحزاب تتناحر فيما بينها وتتشرذم الى مجموعات كثيرة من جسم واحد....بالرغم من مطالبة الجميع بأرضية مشتركة وحد أدنى من التوافق، فالأوضاع السياسية في اول حكومة بعد الاستقلال كانت مضطربة وغامضة والثقة مفقودة بين كل مكونات الساحة السياسية.. مما ينذر بحدث قادم...نسائم التغيير من الداخل...
شهدت أخريات عهد الديمقراطية الأولى شداً وجذباً بين الحكومة والمعارضة وافتقدت الثقة بينهما ... واصبحت العلاقة (فاترة) بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي المؤتلفين في حكومة واحدة (متشاكسة)، وابرز الخلافات حينها كانت عند عرض المعونة الأمريكية أيّدها حزب الأمة وعارضها حزب الشعب الديمقراطي...وعلى مستوى العلاقات الخارجية كان حزب الشعب وثيق الصلة بمصر وقياداتها ...وكانت علاقة حزب الأمة فاترة بها لا سيما بعد أحداث حلايب والمواجهة التي أعلنها السيد عبد الله خليل... كما كانت هنالك جهود من القيادة المصرية لتوحيد قيادتي حزب الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي في ائتلاف وابعاد عبدالله خليل عن السلطة...
جانب آخر...
وكان هنالك تيار يقوده الصديق المهدي رئيس حزب الأمة ساعياً لإعفاء سكرتير الحزب عبد الله خليل عن رئاسة الوزراء بعد الخلافات المتكررة ...واستبداله بالدكتور مأمون حسين شريف وزير المواصلات ... وهناك قول آخر بأن ذات التيار الذي يقوده السيد الصديق كان ينادي بالائتلاف بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي لتشكيل حكومة ائتلافية تعهد رئاستها بالانتخاب من داخل البرلمان للسيد إسماعيل الأزهري وهذا يعني إقصاء السيد عبد الله خليل وإبعاده من رئاسة الحكومة وفض الائتلاف مع حزب الشعب الديمقراطي الذي يتحول تلقائياً للمعارضة...كل هذه التداعيات للتغيير جعلت الأميرلاي عبد الله خليل يحسُّ بالغبن مدركاً أن كل التيارات كانت تسعى لإقصائه من السلطة....
بداية المحاولات...
كانت المحاولات عديدة لاستلام الجيش للسلطة مع تدهور الاوضاع في الحكومة... وحسب الروايات ان الفريق عبود كان متردداً في البداية ...لكنه اقتنع في النهاية ...واعتبر أن هذا أمر واجب التنفيذ ... وبحسب افادة الفريق إبراهيم عبود امام لجنة التحقيق التي شكلت للتقصي في وقوع انفلاب 17 نوفمبر قال(قبل أيام من استئناف البرلمان لأعماله، اتصل بي رئيس الوزراء عبدالله خليل...وأخبرني أن الوضع السياسي يسير من سيئ إلى أسوأ، وأن أحداثاً خطيرة ومهمة قد تنشأ نتيجة لهذا الوضع، ولا يوجد مخرج غير استلام الجيش للسلطة).... كانت الأوضاع السياسية تشير إلى أن مساعي التقريب بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديموقراطي على وشك أن تنجح في تشكيل حكومة جديدة تقصي حزب الأمة بقيادة عبدالله خليل من الحكومة... لذا قرر عبدالله خليل التضحية بالنظام الديموقراطي قبل أن تعتلي السلطة الحكومة الجديدة.
صباح جديد في الحكم...
في صباح 17 نوفمبر 1958م وهو اليوم المقرر لانعقاد البرلمان أذاع الفريق إبراهيم عبود بيانه الأول وأعلن استلام الجيش للسلطة... حينما استلم السلطة... أوقف العمل بالدستور، وألغى البرلمان، وقضى على نشاط الأحزاب السياسية، ومنح المجالس المحلية المزيد من السلطة وحرية العمل... وبارك انقلابه القادة الدينيون في ذلك الوقت لأكبر جماعتين دينيتين: السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، والسيد علي الميرغني زعيم طائفة الختمية...ولكن انخرطت في معارضته معظم الأحزاب وقاد المعارضة السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة.... اتجه حكمه باتجاه التضييق على العمل الحزبي والسياسي وقد حل الأحزاب وصادر دورها. كما اتخذ سياسة فاقمت من مشكلة جنوب السودان حيث عمل على أسلمة وتعريب الجنوب ... الا ان الانقلاب لم يهنأ حيث تمت مواجهته بمعارضة قوية أدت الي اعتقال كثير من الشخصيات السياسية كما واجه عدة انقلابات عسكرية من ضباط كبار تجاهلهم تكوين مجلس قيادة الانقلاب(المجلس الاعلى للقوات المسلحة) مما اضطر عبود لاحلال وابدال في أعضائه بعد المحاولة الانقلابية ضد حكومته والتي قادها اللواء أحمد عبدالوهاب ومحي الدين أحمد وشنان عام 1960 ثم تعرض النظام لانقلاب قامت به مجموعة من الضباط(على حامد وكبيدة) وامين عام الاخوان المسلمين الرشيد الطاهر المحامي عام1963وتم اعدام البعض وسجن الاخرون...
وقد عد ذلك الانقلاب الذي كان الأول في إفريقيا جنوب الصحراء حينه، مجافياً للتقاليد البريطانية التي أسس عليها الجيش السوداني ومنها استقى مهنيته وإدراكه للعلاقة مع المدنيين الذين يتربعون على سدة الحكم... و أرسى ذلك التدخل لعلاقة ظل فيها حكم العسكريين أمراً غالباً طوال فترة ما بعد الاستعمار... حتى غدا وقوع انقلاب في السودان ينظر إليه بحسبانه جزءاً طبيعياً من العملية السياسية.... كما اصبح تعاقب المدنيين والعسكريين على السلطة يعرف (بالباب الدوّار)، النمط السائد في العمل السياسي .
الأحزاب وعبود...
واجه نظام نوفمبر معارضة قوية من القوى السياسية، فقد طالبت في مذكرتين للمجلس العسكري في نوفمبر 1959 ونوفمبر 1960 بإقامة انتخابات...قامت الحكومة على إثر ذلك باعتقال عدد من زعماء الأحزاب، وأصدرت الحكومة العسكرية في يونيو 1961 قانوناً حدت بموجبه من نشاط النقابات... وتطورت الاوضاع في الجنوب باتجاه حرب عصابات تقودها حركة الأنانيا في عام 1963، كما وجد الانقلاب معارضة من الحزب الشيوعي..ففي اليوم الثاني من الانقلاب 18 نوفمبر 1958 أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي بياناً بعنوان 17 نوفمبر انقلاب رجعي، جاء في ذلك البيان: أن الانقلاب الذي جرى صباح 17 نوفمبر لم يكن متجاوباً مع مطالب شعبنا ومصالحه، ولم تكن ثورة الجيش جزءا من التحولات الوطنية الديمقراطية ضد تحكم الإقطاعيين والاستعماريين، بل كان، (أي الانقلاب)، تسليماً سلمياً للسلطة من يد عبدالله خليل لقيادة الجيش تماماً، كما فعل إسكندر ميرزا في الباكستان.
انقلاب رجعي...
ويشير المراقبون الى ان معارضة الحزب الشيوعي للانقلاب جاءت لكونه انقلاباً رجعياً، ولم تنبع المعارضة من موقف مبدئي من أي انقلاب أو ديكتاتورية عسكرية تصادر الديمقراطية، سواء كانت رجعية أو تقدمية، كما أن الحزب لم يطرح موضوع استعادة الديمقراطية والحريات الأساسية، بعد وقوع الانقلاب مباشرة، ولكنه طرح برنامجاً يشجع أي انقلاب تقدمي يطيح بالمجموعة الرجعية التي نفّذت انقلاب 17 نوفمبر، لذا فإن (طبيعة الانقلاب) هي التي تحدد الموقف منه المعارضة إذا كان رجعياً، والتأييد (المشروط وغير المشروط) إذا كان وطنياً أو يسارياً، أي أن الحزب وقتها لم يبلور موقفاً نظرياً ومبدئياً متماسكاً للدفاع عن الديمقراطية ومعارضاً للتفكير الانقلابي من حيث المبدأ، سواء كان رجعياً أو تقدمياً....معارضة الحزب الشيوعي لنظام عبود دفعت الشيوعيين للتحالف مع كل من يعادي ذلك النظام، ومن بين أولئك الضباط الأحرار... ومن ناحية أخرى يبدو أن الحزب خطط ليكون له وجود داخل الجيش، وذلك بهدف منع استخدام سلطات الجيش ضد الحزب.. وقد أفلح في بناء علاقات، تتفاوت درجة قوتها، مع عدد مقدر من الضباط والجنود، وقد كان هؤلاء الضباط هم المحور الذي تطوّر حوله تنظيم الضباط الأحرار والذي ضم كثيراً من الضباط الذين لم يكونوا على علم بعلاقة زملائهم بالحزب الشيوعي.
اما الاخوان المسلمون تشير الروايات الى اتجاه الرشيد الطاهر بكر إلى العمل وسط الجيش لتغيير نظام عبود، بعد أن رفض مكتب الاخوان مقترحه بإنشاء مليشيا شعبية، وما عضّد الاهتمام بالعمل وسط الجيش، عند المراقب العام، أن أبا المكارم عبدالحي، حينما جاء إلى السودان في عام 1955، كان متأثراً بتجربة الإخوان المسلمين في مصر، واقترح الاهتمام بالمؤسسة العسكرية، والاستفادة من تجربة النظام الخاص في مصر... ونتيجة لذلك التحق بعض شباب الاخوان بالكلية الحربية... ومضى الرشيد الطاهر في مشروع الانقلاب الذي كان مخططاً له في 9 نوفمبر 1959، لكن كشفت الخطة، وجرى اعتقال المخططين صباح يوم التنفيذ... يتضح من موقف الاخوان، وتخطيط المراقب العام لمحاولة انقلاب 1959، أن معارضتهم لنظام عبود لم تتأسس على إطاحته نظاماً ديموقراطياً، أو أنه موقف مبدئي ضد الانقلاب.
وفي شهادته على نظام عبود وصف عراب الاسلاميين الراحل د/ حسن الترابي عبود بالنموذج الطيب الذي لم يمد يده إلى المال العام طوال فترة حكمه (19581964)، وأنه (كما دخل إلى الحكم خرج منه)، وبأنه كان رحيما بالناس واهتم ببناء المدارس والسدود وغيرها، ويرجع هذه الصفات لكون الرجل كان مهندسا ولم يكن عسكريا صرفا..
تأييد مرحلي!!
وأيّد السيّدان علي الميرغني وعبدالرحمن المهدي الانقلاب، الأمر الذي يشير إلى التوجه السياسي المحافظ لمنفذي الانقلاب..
وتشير رواية اخرى ان ماتم ليس انقلاباً بل عملية (تسليم وتسلم) خطة بدأ تنفيذها عبدالله خليل ...حيث كان الصديق المهدي خارج السودان عندما بدأ الحدث.... وكان للإمام عبد الرحمن مكانة خاصة عند السيد عبد الله خليل وجلس معه مرات وأخبره أنه قد اتفق مع القائد العام للجيش على تولي السلطة لأمد محدود وفترة انتقالية قصيرة.. وقد نال عبد الله خليل موافقة ومباركة الإمام عبد الرحمن لعملية التسليم الانتقالية وكما هو معروف فإن الفريق عبود من شايقية الشرق من مواليد سنكات وهو من أبناء الختمية وأن عدداً من زملائه من كبار الضباط من أبناء الختمية أيضاً وقد التقى عبد الله خليل بالحسيب علي الميرغني ،وجلس معه طويلاً ونال رضاه ومباركته لعملية التسليم والتسلُّم للقائد العام للجيش وكبار الضباط وقادة الوحدات وإحاطتهم علماً بما جرى الاتفاق عليه.. والمعروف أن اللواء أحمد عبد الوهاب نائب القائد العام كان أنصارياً من أسرة عرفت بالانتماء للأنصار وقد لعب دوراً كبيراً في تنفيذ الانقلاب بحكم صلته الوثيقة برئيس الوزراء وصلته الوثيقة أيضاً بالقائد العام وأضحى بعد نجاح عملية التسليم نائباً لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزيراً للداخلية حتى أُبعد أو ابتعد في عام 1959م... ومن هنا ترجح الكفة بأن العملية كانت تسليماً وتسلُّماً ولم تكن انقلابا عسكرياً بالطريقة المتعارف عليها، ويتضح أيضاً أن عبد الله خليل بك ساهم إلى حد كبير في تغيير مسار تاريخ السودان الحديث، وكان هو مدبر ومنفذ خطة تسليم السلطة للجيش....
اختلال الميزان...
تؤكد العديد من البيانات ان عبد الله خليل كان يأمل في تكوين مجلس سيادة تكون رئاسته دورية يضمه هو والسيد إسماعيل الأزهري وآخرين بعد تنفيذ التسليم والتسلم، وأنه أقنع عبدالرحمن المهدي بأن نجاح الانقلاب يؤدي إلى تنصيبه رئيساً لجمهورية السودان، الا ان الاوضاع لم تسر كما خطط لها... فبعد أداء رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة القسم أمام فضيلة مفتي الديار وقاضي القضاة بالإنابة بدأوا في مباشرة مهامهم ،ورفضوا منذ البداية بالإجماع قيام مجلس سيادة من القادة الحزبيين المدنيين ،باعتبار ان قيامه فيه ثنائية وازدواجية ويغدو السودان برأسين للدولة، ممايشير الى ان العساكر قرّروا أن يكونوا هم الممسكين بكل الخيوط دون أن يكونوا أداة طيّعة في يد أي جهة، مع رفض أي وصاية من الأحزاب التي حلّوها فور إعلانهم استلام السلطة.
تنظيم غير شرعي..
وقال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي يوسف حسين إن السلطة الانقلابية في نوفمبر ضربت الحريات السياسية والنقابية والصحفية، وبدأت في محاكمة عدد من الناس في النقابات على رأسهم الشهيد الشفيع أحمد الشيخ وقادة الحزب الشيوعي على رأسهم محمد إبراهيم نقد وحكمت عليهم بالسجن، وكانت الذريعة التي وضعوها اتحاد النقابات الديمقراطي أو اتحاد العمال الديمقراطي العالمي أن هذا تنظيم غير معترف به وغير شرعي وبالتالي الاجتماع كان غير شرعيا.
عدم الإيفاء بالعهد!!
واضاف حسين ان حراك الحزب الشيوعي وسط العمال كان مؤثرا مما حفزهم على الإضراب، فقد تمكن عمال السكك الحديد عام 1961 من تنفيذ أهم إضراب شامل آنذاك امتد إلى أسبوع كامل مما أدى إلى شلل تام في حركة النقل الداخلي، لكن النظام واجه ذلك وفقا لقانون دفاع السودان الذي أصدره بسجن قادة العمال وتشريدهم ،كما عمد إلى خطط أخرى باصطناع قيادات بديلة غير أن حركة العمال لم تخمد، فقد بدأت اولى مراحل التململ بالمذكرات ثم الإضرابات وصولا إلى أولى المظاهرات الجماهيرية ضد النظام احتجاجا على قرار تهجير أهالي حلفا بموجب اتفاقية إنشاءالسد العالي بين مصر والسودان، حسب الدراسات جاءت توصية النظام السوداني بنقل أهالي مدينة وادي حلفا لموطن جديد خوفا من أن تغرقها بحيرة السد العالي، ووفقا للدراسات الفنية وبعد زيارة الفريق إبراهيم عبود لمنطقة حلفا فقد مُنح المواطنون حق اختيار موطنهم الجديد ووعد عبود بدفع تعويضات مجزية ومتفق عليها، لكن نظام عبود نكث عن وعوده، و أجبروا اهالي حلفا على موطن جديد لم يختاروه وأجبروا على الرحيل وانتزعت حصة كبيرة من التعويضات المتفق عليها ،فثارت ثائرة الأهالي على نظام عبود وخرجت المظاهرات عام 1960 في حلفا والخرطوم وبعض المدن الأخرى ليستخدم الشعب وسيلة جديدة لمقاومة النظام العسكري وهي المظاهرات..
تغيير المواقف داخل حزب الأمة...
أدت التطورات التي حدثت إلى تغيير موقف حزب الأمة أكبر القوى السياسية آنذاك والذي أيد نظام عبود في البداية إلى مطالبته في عام1960 العسكر بتسليم السلطة للمدنيين، فأرسل الصديق عبد الرحمن المهدي زعيم حزب الأمة بمذكرة شهيرة لعبود هي الأولى من زعيم سياسي إلى النظام ،طالبه فيها بتسليم الحكم والرجوع إلى الثكنات بعدما زالت برأيه حسب بيان الانقلاب الأول أسباب بقاء الحكم العسكري، تبع ذلك مذكرة أخرى بعثها أول رئيس لجمهورية السودان بعد الاستقلال الزعيم إسماعيل الأزهري ،مطالبا الحكم العسكري بالتنحي بيد أن عبود تجاهل المذكرتين مما مهد لقيام جبهة الأحزاب في ذات العام، والتفت القوى السياسية حول الإمام الصديق المهدي وبدأت تنظم صفوفها، وحاول النظام التفاوض معه لكنه رفض التنازل، الا ان القيادي الاسلامي والخبير الاسراتيجي د/ ربيع حسن قال :كان اليسار في ذلك الوقت بقيادة الحزب الشيوعي يبحث في خطوط التقاء مع نظام عبود. وقرر عام 1962 الانسلاخ عن جبهة الأحزاب ليتحول من المعارضة إلى مهادنة النظام ومحاولة المشاركة في صنع القرار...
عصف بآمال الديمقراطية...
عصف انقلاب 17 نوفمبر بالآمال المعقودة على الديمقراطية الوليدة، ليشكل سابقة جديدة في العلاقات العسكرية المدنية في إفريقيا ...ومثل انقلاب نوفمبر 1958 حلقة في ظاهرة تعاقب المدنيين والعسكريين في السلطة ...
شرارة الثورة ضد عبود..
بالرغم من صرامة نظام عبود العسكري لم يستطع أن يمنع الانفلاتات داخل المؤسسة العسكرية فبدأ التململ داخلها... وشهد مارس عام 1959 أول محاولة انقلابية على نظام عبود، ثم تنوعت أدوات مقاومة النظام العسكري بالمذكرات والإضرابات وصولا إلى أولى المظاهرات الجماهيرية... واستمر الشد والجذب بين السياسيين العسكريين حتى انطوت صفحة الحكم العسكري بعد ثورة أكتوبر 1964م...بتمدد النشاط المدني ضد العسكر في الجامعات وتحديدا من طلاب جامعة الخرطوم ... فقد ادى نقاش أوضاع الجنوب في جامعة الخرطوم إلى مظاهرات طلابية قتل فيها القرشي الذي كان شرارة ثورة أكتوبر التي أنهت الحكم العسكري
أطاحت به ثورة أكتوبر الشعبية1964 م، وقال الخبير الإستراتيجي محمد حسين أبو صالح إن نظام عبود لم يتعامل بحكمة مع الجنوب الذي توجد به مصالح إستراتيجية غربية...
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.