(1) في اكتوبر الستينات وقف الدكتور الترابي علي مسرح الاحلام في جامعة الخرطوم وقدم اطروحة البديل للشعب السوداني ، ويومها كان انقلاب الفريق عبود يقبض علي مقاليد السلطة بالبندقية ، طرح الشيخ الترابي في الندوة الاكتوبرية المشهورة ضرورة تجاوز نمط الحكم العسكري وقيام نظام ديمقراطي يقوم علي الحريات كمقدمة لحل ازمة الجنوب وأزمات السودان وكانت يومها قضية الجنوب ازمة الازمات . (2) في اكتوبر الستينات حضرت الي السودان نخبته وصفوته التي درست في الخارج ، وقدمت اطروحات الحرية والديمقراطية وقيم الوعي والاستنارة وضجت امسيات الخرطوم ولياليها الصاخبة بالافكار الجديدة والعبارات الحريرية ، ولم يسال الشعب السوداني من اين جاء هؤلاء ، ولم يرمي عليهم تهم العمالة والارتزاق للاستعمار ، في اكتوبر ذاته خرج ابن الثلاثينات الصادق المهدي العائد من اكسفورد بلبسته الانصارية يتقدم الصفوف ويصلي علي جثمان الشهيد القرشي ، وفي اكتوبر ذاته خرج الي الشوارع الشاب الانيق الدكتور الترابي ببدلته الفرنسية الانيقة وما يزال العطر الباريسي يفوح منها والشعب السوداني يحمله علي الاعناق ، وفي اكتوبر الاحلام تغيرت الخارطة السياسية السودانية ظهر علي المشهد السياسي جيل جديد من صفوة ابناء السودان يتقدم الصفوف بعلمه وصدقه ، ولعل هذا اعظم ما فعلته اكتوبر الاحلام التي قتلتها رصاصة طائشة من اليسار السوداني . (3) في ديسمبر الاحلام في عصر الالفية الجديدة ، صرح الدكتور غازي صلاح الدين وهو علي اعتاب السبعينات من العمر وهو جالس علي اريكة في مكتبه الانيق ، ان سؤال الشعب السوداني عن البديل سؤال وقح ، ولم يتاخر الرد من جموع الشعب السوداني علي تصريحات الوقاحة والكسل المعرفي للنخبة السودانية المعارضة ، التي تستعجل الصعود حتي ولو علي سيارة قديمة فقط ان تعبر بهم كبري الانقاذ المتهالك وبعدها ليس مهماً ان يسقط عليهم او عليها او علي الشعب ، لعلهم يحاكون بذلك انشودة الانقاذ المشروخة فلترق كل الدماء . (4) في نوفمبر الالفية الجديدة استجاب الشعب لدعوات العصيان المدني وبحسه الوطني عرف مدي صدقها ويكاد يعرف اصواتها وصورتها ، عرف الشعب انهم ابنائه في شوارع باريس ولندن وروما ومعسكرات اللاجئين ، عرف انهم ابنائه في مستشفيات دبلن ولندن ومانشستر ، عرف انهم ابنائه في قاعات الدراسة في جامعات اوربا العتيقة ، عرف انهم ابنائه في احياء دبي الراقية والمبتذلة ، عرف انهم ابنائه في حواري مكة وفي احياء الفقر في جدة وفي ازقة القاهرة الضيقة وفي شواطئ الاسكندرية الباردة ، عرف انهم ابنائه في الوطن المقهور ، علي كل انتظر الشعب ظهورهم حتي مل ساعات الانتظار ، للاسف الشديد اختبئوا خلف شاشات الكيبورد والشعب كان يشتهي تلك اللحظات التي يخرج فيها جيل جديد الي الوجود . (5) في ديسمبر الالفية الجديدة سقطت الاحلام والاماني ، تحطمت الامال والشعب السوداني لا يري في مشهد العصيان المدني سوي صورة قاتمة باللون الابيض والاسود في زمن الاتش دي والشاشات الانيقة ، و الشعب السوداني بفطرته يعلم ان عود الكبريت لا يشتعل مرتين ، ولكن عواجيز السياسة يحلمون بانه يمكن ان يشتعل مرة اخري ، وفي نهاية المطاف رد عليهم الشعب بالمثل الدرافوري ام جركم ما بتاكل خريفين . [email protected]