حرية التعبير تعد احد أهم الحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور, وحق مكفول للجميع طالما انه لا يتعرض لعدوان شخصي أو إساءة لمعتقدات الآخرين, إذا لا يحق لأحد مصادرته أو التضييق عليه, وخلاف ذلك يعد استبدادا يتعارض مع حرية الآخرين يتطلب الوقوف عنده بكل قوة وثبات, فالحقوق لا تعطى وإنما تنتزع انتزاعا. الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الصحافة هذه الأيام من قبل السلطة الحاكمة تنم عن مدى ضيق صدرها وعدم تقبلها للآخر, الأمر الذي وصل بها إلى مصادرة عدد من الصحف بصورة مستمرة وفي فترات متقاربة جدا, خاصة صحيفة الجريدة التي وصلت إلى الرقم القياسي لحالات المصادرة, إذ تمت مصادرتها بعد الطبع من قبل جهاز الأمن (11) مرة خلال شهر واحد, دون إبداء أي أسباب للمصادرة في إشارة إلى استنزافها ماديا وبصورة متعمدة, في الوقت الذي يدعي فيه النظام كفالة الحريات السياسية والتامين الكامل على حرية التعبير والنشر كأحد بنود مخرجات الحوار الوطني المزعوم, ولكن ممارسة الصحافيين لحقهم الطبيعي اظهر وجه النظام على حقيقته والذي لا يحتمل أدنى درجة من درجات التجميل إن تبقى له وجه. نظام يحدد من يكتب يبدو انه اضعف مما يتصور, إذ انه ليس بوسعه احتمال ما تخطه الأقلام الجريئة والأصوات الصادحة بصوت الحق, رغم امتلاكه وسائل الدولة الإعلامية المسموعة منها والمرئية ولكنه لم يستطع عبرها تغبيش الحقائق, في وقت أصبحت المعلومة متاحة عبر وسائط أخرى, إلا انه يعرف تماما أن الحقيقة لا تعرف طريق غير طريق الشرفاء, فلذلك نجده يعمل بكل ما في وسعه ليضع المتاريس أمامهم, والعمل على إغلاق كل المنافذ التي تؤدي إليها. دعوة النظام لصحيفة الجريدة بمنع الزميلين زهير السراج وعثمان شبونة من النشر عبر صفحاتها, يعد تقييد وانتهاك صارخ لحقوقهم وجريمة يعاقب عليها القانون, إذا فما الجريمة التي ارتكبوها حتى يمنعوا من ممارستهم لحقهم الطبيعي؟ فهل الجريمة في كونه صحافي عبر عن رأيه؟ أم أن قول الحق يعد جرما يعاقب عليه بالحرمان؟ لن يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب ولكن سوف يلحق بهم تباعا من يراه يسير في ذات النهج, وسوف لن تكون صحيفة الجريدة هي آخر المحطات إذ لم تحد المؤسسات الصحفية أو تناهض مثل هذا الأسلوب, فما يريده النظام هو تركيع الصحافة واحتوائها وحرفها عن خطها التحريري, وبالتالي سوف تفقد الصحافة مصداقيتها مع قرائها إذا ما التزمت الصمت تجاه ذلك, فالصحافة هي ليست جريمة , وشرف الكلمة سيظل وسام يزين صدر كل صحافي شريف صدح بقول الحق في وجه كل متجبر وطاغي. [email protected]