لا جديد تحت الشمس .. وإنطبقُ المثلُ علينا ، مرَّ عامٌ مثلما كان العام قبله تماماً ، على ما نرى نحن فقط رُبَّما ، آمالٌ وآلام تأخذ بتلابيب آمالٍ وآلام ، وحطامٌ وركام يتداعَى فوق حطامٍ وركام .. وها نحن ذا نعيدُ ذات ما قلناه في مثل هذا اليوم من مثل هذا العام ، الذي غادرنا مُتأسَّفاً منه غير مأسوفٍ عليه.. ..هكذا قلناها قبل عام .. و قد مرَّ عام .. أحداثٌ وحوادث .. جليلة ، هزيلة ، أو ضئيلة .. أشياء وشئون .. أمور ذوات شجون .. آمال وأحلام ضاءت وسمقت .. وضاعت و(إنطوت آمال) .. وجَرَت سيولُ مياهٍ كثيرة تحت الجسور ، وقامت جسورٌ جديدة لم تشهد مياهاً بعد .. ومثلما في كل عام وعام .. الأمنيات واﻷحلام واﻵمال ، مثلما المطر ، تنهال وتنثال علينا عبر الأثير صوتاً ، أو الأسفير رسائلاً عبر وسائط التواصل .. sms .. فيس بوك .. واتساب .. تويتر .. وعشرات .. ومئات .. وآلاف .. و(ديشيريليونات) الأحرف والكلمات تتقاطر على اﻷسماع والأبصار تقطرُ شهداً من الفأل والأمل والطموحات و(اﻷطماع) لمجرد أن عاماً جديداً أطلَّ برأسه إعلاناً بإنتهاء مهام (وحدةٍ) زمنية سالفة مُدَّتُها إثنا عشر شهراً مرَّت مليئة مُثقَلة بالآلام والأوجاع والعناء والعنت والكوارث والمآسي .. ورُبّما أيضاً مُزدانة بقليل من الأفراح والمباهج .. وإيذاناً بدخول (وحدةٍ) زمنية أخرى مجهولة الملامح والمعالم والمآل.. .. عامٌ أطلَّ برأسه و في وجهه ثلاثة ألسنة .. و نُتُوء لسان .. نُتُوء لسان يُنبِّئ بأنّه رُبَّما نما إلى لسان بالغ التمام إسمه (السَّلام) إذا أحسننا الرعاية والسقاية ، (السَّآم) إن عادت الأطراف إلى ذات التلكُّؤ والتَّناوُر و(اللف والدوران).. والثلاثة الألسنة الأخرى كل لسان يمتد أمتاراً أمام وجوهنا ، بل و يطأ مواطئ أقدامنا المُضطربة ، ساخراً من بؤسِ حالِنا وقِلَّةِ حيلتِنا وهوانِنا .. ساخطاً من محاولتنا اليائسة ﻹتخاذه (أي ذلك العام ذي الثلاتة لسان و نُتُوء) منفَذاًو سِرداباً للهروب ، عبر الأفراح الزائفة بإسمه ، من مواجهة ما بنا من مصائب ومصاعب ومتاعب ، وجراحات وخيبات وإنكسارات تنُوءُ بحملها الجبال الرواسي. لسانٌ أوَّل .. هو ذكري مولد النبّيَيْن والرسولَيْن الخاتمَيْن ، المَولِد النبوي الشريف للنبي محمد (ص) ، والميلاد المجيد ليسوع المسيح عليه السلام .. اللذَّان جاءا هذا العام (أي الميلادان) مترافقَين متماسكيَن يداً بيد .. رسولان جاءا والدنيا في آخر زمانِها ليُولَد بهما فجرٌ جديد على البشرية يلازمُهم نورُه وخيرهُ إلى قيام الساعة ، وهُدىً وسواء سبيل يضمن لهم سعادتي الدنيا والآخرة ، فهجرهما الناس (الرسولين .. والنور والخير) ، واختاروا (من عندِهم) ما يشقيهم في الدارين .. وإبتعدوا من فكرة (الله أحد) ، (الإله الواحد) الذي نادَى به الرسولان ، والرُّسُل أجمعين ، بعد أن نصَّبَ البعضُ أنفسَهم آلهةً وأرباباً ورضَيَ البعضُ اﻵخر أن يتطوَّعوا ويُطَوِّعوا أنفسَهم عبيداً يؤكدون لأؤلئك ربوبيتهم ويثبتون لهم مظاهر ألوهيتهم .. و مضوا يهتفون لهم بأن (الزعيمُ أكبر) .. وليس (اللهُ أكبر) وإن كانوا ينطقون الأخير بأفواهِم لكنهم عملياً يُطبقون الشعار اﻷول فيعصون الله ويخالفون أوامره الصريحة في سبيل (مراسيم) طاعة (الزعيم) ونيل رضائه والقرب منه.. وثاني اﻷلسنة الثلاثة تلك .. عيدُ الاستقلالِ الذي كان مُفتَرضاً أنَّه تسليمٌ لمقاليد أمر البلد لأبنائه ليعملوا على النهوض به وتطويع وتطوير مواردِه ومقدراتِه لجهة نمائِه ورفاه شعبه فحوَّله (الباشبزق) و(الموالي) و(المماليك) الذين تسلَّمو المفاتيح إلى (إستغلال) و(إستغفال) و(إستهبال) و(استنزاف) وإهدار زمن وموارد وأرواح بشر.. وثالثُ اﻷلسنة الثلاثة للسنة هذه .. هو حلول بداية (وحدة) جديدة من تلك الوحدات الزمنية المسماة (عام ، سنة ، حول) بإسم (رأس السَّنة) .. فهرعنا نتشبَّث بأذيال هذه المناسبات و نتعلَّق بتلابيبها (نتصَنّع) مرحاً و(نصانع) فرحاً ونرفع بإسمها البيارق والرايات ونقيم الإحتفالات والمباهج ، ونُسوِّد الصفحات والصحائف بعبارات اﻷماني والأحلام كأنما هذه المناسبات مبعوث سماوي يجيئنا ﻷولِ مرة ليملأ دنيانا خيراً ونعيماً و(عدالةً .. وحُرِّيةً .. وديمقراطية) ، متناسين إن هذه الوحدة الزمنية لا شأن لها ب(حاجاتنا) وإنها إنما هي تمضي في مسيرتها المعتادة .. وإنها لا تزداد كل عام إلا قيمةً رقمية جديدة ومقاماً عددياً جديداً وليس في اﻷمر جديد ، فذاك روتين سمردي منذ أن خلق الله الأرض والزمن .. ونحن من يجب علينا أن نفعل (شيئاً) .. سالباً أو موجباً .. لتمضي الحياة بإتِّجاهٍ ما .. خيراً أو شراً ، نجاحاً أو فشلا ، سعادةً أو تعاسة.. .. إنَّها غفلة اﻹنسان ، بل وغبائه تغابيهِ ، ذلك الذي يجعله (يُحاول أن) يتَّخِذ حتى من مظاهر الروتين اﻷزلي للحياة خِرقةً يسترُ بها عورة خيباته ، ودِثاراً يُغطِّي به أعينه ليصنع لنفسه مباهج تخيُّلِية تُعوِّضُه من رؤية الحقيقة الكالِحة .. وما يحيط من واقع بائس.. .. ونحن نحتفل ب(رأس السنة) ، الوالج إلى أبوابنا لتَوِّه .. علينا أن نتذكَّر (ذنب السنة) الماضية المتحدِّر مُنسَرٍبا عن أعيننا على عجل ، خَجِلاً من مظهره القَمِئْ ومنظره المَلِئْ بالدِّماء والدَّمامِل والقروح والجراح.. علينا ونحن ندقُّ الدفوف والطبول إحتفاءاً بذكرى (إستقلال) مُزَوَّر ومُزَيَّف وزائف أن لا يصم آذانَنا هديرُ تلك الطبول والدفوف من سماع المناحات والنحيب والثَكَلِي والعويل ، والآهات واﻷنين .. و أن لا تلهينا مناظر الرايات والشارات والشعارات المرفرفة من مشاهد صيوانات وسرادق الأحزان المنصوبة بعدد سكان الوطن .. ومناظر (معسكرات) النازحين (واللاجئين داخل وطنهم) و(كَنابِي) المُشرَّدين والمتشردين والأيتام .. علينا ونحن ننشد ونصدح و(نترنّم) لذكري مولد المصطفى المجتبى المختار ، ويسوع المسيح ، نبيَّى الرحمة والعدل والفضيبلة ، ورسولَي الإخاء والمحبة والسلام والوئام ، أن نتوقّف لحظة من صخب (المديح) وضجيج (الترانيم) ، ريثما نلتقط الأنفاس ، لنسأل إن كان صحيحاً أننا نحتفي بتلك القيم والمعاني أم نحن فرِحون لأننا فقدنا طريقهما و(شقَّينا) طريقاً من عندنا (شَقِينا) به. علينا ونحن نحتفي ونحتفل أن لا ننتظر من السنوات (التي مضت أو التي هي قادمة) ، أن تفعل لنا أو عنَّا شيئاً أو أن تُغَيِّر لنا أمراً فهي لا تتبدَّل فيها إلا قيمتها الرقمية .. ونحن من يجب أن نتَغيَّر ونُغيِّر لا أن نزحم فضاءاتنا بالأماني والأغاني والأحلام والأنغام كأنما السماء تمطر معالجات وحلول ، أو كأنما ننتظر ملائكة تهبط إلينا تحمل مثلما بابا نويل في الميلاد المجيد باقات ورود بين أوراقها الجميلة ورقة مطوية ، هي (روشيتة) العلاج لأسقامنا وآلامنا أو (المصفوفة) السحرية ، لمعالجة أزماتنا ونكباتنا التي نعانيها .. وقد عَلِمنا أن كل هذا الذي نشكى منه ونشتكيه ونكابده ونقاسيه هو من صنع أيدينا نحن البشر ولن يتعالج أو يزول من تلقائه ما لم يتحرك أحدُ ويسعي بالحلول والمعالجات.. .. تعالو ، أيُّها اﻹخوة والرفاق واﻷصحاب واﻷحباب ، و بدلاً من الإسترخاء على أرائك (الأماني العذبة) والإنكفاء على مضاجع الأحلام التي لا تأتي للكسالي النائمين ، بدلاً من كل هذا دعونا لن أقول نشعل شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام ولكن دعونا نَدقُّ على هذا الصخر العنيد والجدار العتيد لنفتح مسارب شمسِ حقيقية بدلاً من هذه الشمعة الإسعافية ، و أن نحارب الظلام الذي طال مقامه فالليل مهما طال لا محالة من رحيله.. ..دعونا جميعاً نفكر في شئ مفيد.. ..دعونا جميعاً نقول شيئاً مفيداً.. ..دعونا جميعاً نفعل شيئاً مفيداً.. ..ليجعل كلٌّ مِنَّا من شأن هذا الوطن همَّاً خاصَّاً به ويخرج من خندق (الناس كلهم بقو .....) ويتذكَّر إنه هو شخصياً وأسرته وجيرانه وزملائه وأصحابه والمتصلين بهؤلاء جميعاً هم من يتَسَمُّون (الناس كلهم).. ..دعونا نتحرر (قليلاً) من قيود أسباب (الأكل عيش) ، و(المعيشة) والمرتبات والمخصصات والحوافز والعلاوات والبدلات و(المسكِّتات) و(المسكِّنات) وملاعق الذهب المليئة بالعسل التي تسد أفواه الكثيرين وتمنعهم من النطق الشفيف ، فالحيوانات (الأليفة) و(الداجنة) وحدها تغتر و(تنغش) و(تنغمس) بالعلف وتكتفي به وتنكفئ عليه فلا ترى ما حولها من وجوه أخرى للحياة.. ..لنعمل معاً من أجل أن (نخلق) لنا وطناً ، من أجل أن (نُتشِئ) لنا دولة .. وطناً ودولة ذواتا قانون ومؤسسية وحقوق تجعل ضمانات لذلك (العلف والعليقة) حتى لا يكون رهيناً لرضى (الريس) أو إستلطاف ال(boss).. ..دعونا ونحن نجلس في قاعات المؤتمرات وورش العمل الفخيمة نتحدَّث عن خطط و(مخططات) عامٍ جديد و(نتلقف) الوجبات الفاخرة المبسترة المدفوعة القيمة من دماء هذا الشعب الطيب أن نتذكَّر أطفالاً صغاراً وعجزة ضامري البطون قابعين على بعد أمتار قليلة من هذه المُلمَّات العبثية المُترَفة يسألون لقمة طعام لم يتذوَّقوه منذ أيام ، ورُبَّما ينتظرون بشغفِ وأمل إنفضاض هذا المحفل ليقتاتوا من فتاته وبقاياه ..!!.. ..دعونا ، بربِّكم يا أؤلاء وهؤلاء ، نخرج قليلاً من قوقعة (بس والله الواحد لو ما الأولاد صغار و...) فأولادنا الصغار الحلوين ونساؤنا الجميلات هؤلاء خير مستقبل وأقوى ضمانة وحماية نُوفِّرها لهم هو أن نسعى جاهدين لتغيير هذا الواقع الباهث السقيم الماثل أمامنا ، وأن نكافح من أجل أن نُقيمَ لهم مشاعل ضياء في مدار الأفق القاتم هذا ليستشرفوا من خلالها مقاعد غدهم ومنازل مستقبلهم القادم ، و أن نرسم لهم ملامح وطن (جديد) يشعرون بفخر الإنتماء له ، لا أن يحسوا بعار الإنتساب لقطعة من العصر الحجري وعهود الظلام تقبع وسط مجتمعات اﻷلفية الثالثة.. ..دعونا نخفف قليلاً من غلواء اللهاث المحموم خلف اﻷلقاب اﻷكاديمية البرَّاقة الخاوية التي لا تجد لها مكاناً إلا على الشفاه في عبارات المجاملات الإجتماعية ، والدرجات العلمية اللامعة التي لا مكان لها إلا على جدران منازل ذويها .. ففي دولة (اللاقانون) و(اللامؤسسية) لا إعتداد ولا إعتبار لمعايير العلم .. فلنعمل أولاً ﻹيجاد دولة القانون والمؤسسية .. والتأريخ لم يخلد أحداً في ذاكرته لِما حمل من درجات علمية أو ألقاب أكاديمة وإنما لِما قدَّم للحياة من عطاء وخدمات ، وما أبرَزَ من مواقف ، فحتَّى أولئك الذين إبتدعوا العلوم والمعارف وإكتشفوا الإختراعات لم يفعلوا ذلك بغزارة علمهم ولا رفعة درجاتهم الأكاديمة وإنما بما إمتلكوا من فكر وهِمَّة وعزيمة.. ..دعونا ، أحِبَّتي ، نتَّخِذ من منصة مهرجان الفرح الهلامي والأمنيات واﻷحلام الخواء هذه لنشحذ فيها ، و منها ، الهمم والعزائم من أجل وطنٍ أجمل و غدٍ أفضل.. .. لك التحية وطني.. و.. (سنة حلوة يا جميل) .. ودمتم .. عمر منصور فضل [email protected]